القصر الرئاسي في السودان: مسرح حرب عبر التاريخ

10 مايو 2023
للقصر الرئاسي قصص وحكايات من تراجيديا السياسة السودانية (Getty)
+ الخط -

يعد القصر الرئاسي بالخرطوم واحداً من مسارح القتال الدائر منذ منتصف الشهر الماضي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

وللقصر الجمهوري قصص وحكايات من تراجيديا السياسة السودانية في فصول الحرب والسلم والدبلوماسية.

بُني القصر الجمهوري أولاً في العهد التركي المصري 1821-1885، حينما انتقلت العاصمة من مدينة ود مدني، وسط السودان، إلى الخرطوم ملتقى النيلين الأزرق والأبيض في عام 1824، وعلى ضفة الأزرق شيد المبنى التاريخي على الطراز المعماري العثماني ليكون مقراً للحكمدار، وهو لقب حاكم السودان في ذلك الوقت، وأُطلق على المبنى اسم سرايا الحاكم العام، ومنه يدير الحكمدار الدولة السودانية مترامية الأطراف.

لكن في عام 1885، وبعد ثورة سودانية خالصة ضد الحكم التركي المصري بقيادة الزعيم محمد أحمد المهدي، وصل الثوار إلى سرايا الحاكم العام وقتلوا في سلالم السرايا، غردون باشا، آخر الحكام الذين عيّنهم الأتراك في السودان.

وبعدها هُجر القصر لأن الثورة المهدية التي حكمت البلاد نحو 13 عاماً نقلت العاصمة إلى أم درمان، ومنها أدارت شؤون الدولة والحكم، وسقطت الدولة بواسطة الاحتلال البريطاني المصري 1898-1956 لتعود الخرطوم عاصمة للبلاد، ويعود الحكام للسرايا وانتعشت الخرطوم من جديد.

وبعد استقلال السودان في يناير/ كانون الثاني 1956، تحوّل الاسم للقصر الجمهوري، وفيه ولأول مرة رُفع علم السودان، وأُنزل العلمان البريطاني والمصري، ومن ثم استخدم القصر مقراً لأول مجلس سيادة سوداني 1956-1985، لكن بعد أول انقلاب عسكري تحول القصر مقراً للمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي حكم البلاد لست سنوات بقيادة الفريق إبراهيم عبود، ليشكل مجلس سيادة مدني جديد برئاسة عبد الحليم محمد، بعد سقوط نظام عبود، وبعده شُكل مجلس آخر برئاسة إسماعيل الأزهري حتى أطاح انقلاب عسكري قيادة العقيد جعفر نميري في 1969-1985. وفي تلك الفترة، شهد القصر الجمهوري، وتحديداً في سنة 1971، واقعة انقلاب عسكري بقيادة الرائد هاشم العطا وداخله احتجز الرئيس نميري لثلاثة أيام، وخلالها وقعت مجزرة قتل عشرات الضباط، قبل أن يعود نميري للحكم مرة أخرى.

وبسقوط نميري عام 1985، صار القصر الجمهوري مقراً للمجلس العسكري الانتقالي بقيادة الفريق أول عبد الرحمن محمد حسن سوار الدهب، ولم فيه يمكث إلا عاماً واحداً، سلم بعده السلطة للحكومة المنتخبة، وتم تكوين مجلس سيادة مدني برئاسة أحمد الميرغني 1986- 1989، بعدها حدث انقلاب العميد عمر البشير حيث جعل من القصر الجمهوري مقراً أول لمجلس قيادة الثورة، وبعدها مقراً لرئاسة الجمهورية.

ولما وقع الخلاف الأشهر بين البشير وعراب الانقلاب العسكري حسن الترابي في سنة 1999 انقسم التنظيم الحاكم إلى قسمين؛ الأول جناح القصر برئاسة البشير والثاني جناح المنشية برئاسة الترابي، وجاءت الغلبة للجناح الأول بحل البرلمان الذي كان يرأسه الترابي وإعلان حالة الطوارئ وإقصاء الجناح الآخر عن كل مفاصل السلطة.

وسقط نظام البشير في 2019، فاتخذه قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان مقراً للمجلس العسكري الانتقالي الذي ورث السلطة، ولاحقاً مقراً لمجلس السيادة المكون من عسكريين ومدنيين، وبعد انقلاب البرهان العام قبل الماضي اتخذه مقراً لمجلس السيادة الأخير.

وفي عام 2015، تخلى البشير عن المباني القديمة والتاريخية للقصر الجمهوري بعد تشييد قصر جديد تم افتتاحه في عام 2015، ونُقل إليه مكتب رئيس الجمهورية ونوابه، وذلك بمساحة كلية تقدر بـ25 ألف متر مربع، ومولت الصين 40 بالمائة من تشييده، وبقيت في القصر القديم بعض الإدارات كما تم تشييد متحف داخل القصر القديم يحكي عن تاريخ السودان.

وكان يتولى الحرس الجمهوري مهمة حماية القصر والشخصيات السيادية، لكن بعد سقوط نظام البشير شاركت قوات الدعم السريع الحرس الرئاسي مهمة تأمين القصر، ما أثار يومئذ تساؤلات عدة عن مغزى وأبعاد الخطوة وخطورتها.

وفي اللحظة الأولى من اندلاع المواجهات بين الجيش والدعم السريع في 15 إبريل/ نيسان الماضي، دارت معارك طاحنة بين المجموعتين، ظهرت نتيجتها سريعاً لصالح الدعم السريع الذي سيطر بالكامل على القصر، ودخل إلى مكتب رئيس مجلس السيادة وأعضاء المجلس وعبث بما فيها من أوراق ونشر بعض أسرارها في وسائط التواصل الاجتماعي، ودارت خلال الأيام الماضية معارك عنيفة في أكثر من مرة، بادر فيها الجيش بالهجوم لاسترداد القصر بكل رمزيته السياسية والسيادية والتاريخية.

وأظهر مقطع فيديو نشرته قوات الدعم السريع قبل يومين استسلام نحو 130 من عناصر الحرس الجمهوري لها، بعد حصار استمر لأكثر من 20 يوماً، فيما كشفت قوات الدعم السريع في بيان لها، أمس الثلاثاء، عن قصف عنيف بالطيران من جانب الجيش السوداني تسبب في انهيار كامل للقصر القديم من الناحية الغربية، وهو ما لم يعلق عليه الجيش حتى الآن.

المساهمون