وعلى الرغم من أهمية نفي "القسّام" وجود اتصالات ومفاوضات حول الأسرى، مشترطة لأية معلومة عنهم ثمناً مقابلاً، يطغى مشهد صور الأسرى الأربعة التي برزت إلى جانب أبو عبيدة في تصريحه التلفزيوني المقتضب، والذين أسرتهم "حماس" في العدوان على غزّة عام 2014، وما بعده. ولعلّها المرة الأولى التي تعلن "حماس" بالصور، من دون تطرق المتحدث العسكري للقضية، وجود الجنود الإسرائيليين الأربعة بحوزتها. وبحسب مراقبين، فإنّ الثمن الذي تطلبه "حماس" مقابل الأربعة سيكون كبيراً، وهو ما سيعقّد أية مفاوضات مستقبلية بين الجانبين، أو سيجعلها تطول.
وحرصت "القسام"، في هذا التصريح على تحريض أهالي الجنود المفقودين في غزة ضد حكومة نتنياهو التي تكابر في الملف، وتتهرب من دفع استحقاقاته. لكن النفس الطويل الذي أخذته "حماس" من ملف الأسير السابق لديها الجندي جلعاد شاليط، عام 2006، والذي استمرت مفاوضات إطلاقه خمس سنوات، أعطاها مؤشراً مبكراً على أنّ التفاوض والاتصالات ستكون بطيئة وطويلة.
في هذا السياق، يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأمة في غزة، عدنان أبو عامر لـ"العربي الجديد"، إنّنا "أمام جولة جديدة مما نسميه صراع الأدمغة بين القسّام وإسرائيل في الأشهر الأخيرة. وربما كان الدافع لذلك ما أعلنه نتنياهو قبل أيام عن تقدم ما، من دون تفاصيل في موضوع الجنود الإسرائيليين". وجاء كلام "القسّام" ليقطع الشك باليقين، لجهة نفي وجود أي مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة حول الجنود، وفق أبو عامر، الذي يشير إلى أنّ "القسام" أرادت بعث رسائل ضغط للرأي العام الإسرائيلي على صنّاع القرار، مفادها أنّ أبناءكم لا يحتلّون أولوية اهتماماتهم، ولا بد من الضغط عليهم لإبرام صفقة تبادل مع "حماس"، على حدّ تعبيره. ويلفت أبو عامر إلى أنّ تصريح "القسّام" المقتضب طرح أسئلة أكثر مما قدّم إجابات، "أظنّها جزءا من حالة التفاوض ولو غير المباشرة بين الجانبين، عبر وسيط أو أكثر، لمحاولة إغلاق ملف صفقة التبادل المقبلة"، وفقاً لأبو عامر.
ويشير الأستاذ الجامعي إلى أنّ إسرائيل لا تزال حتى اللحظة تقول إنّ لديها جنوداً مفقودين في غزة، ولم تقل عند "حماس"، وأنّ الحركة لم تقل إنّ الجنود عندها، وإنها تريد لتأكيد هذه المعلومة ثمناً إسرائيلياً، موضحاً أنّ الصور الأربع لعبة استخبارية خطيرة ومكلفة على الإسرائيليين. ويرجح أبو عامر أن يكون لدى "حماس" أسرى آخرون، وقد يكون بحوزتها رفات جنود وجثامين أخرى، ولعلّها أخذت من تجربة صفقة شاليط، ما يدفعها أكثر للعمل على تحريض الرأي العام الإسرائيلي للضغط على صانع القرار في تل أبيب، لوقف حالة "المكابرة والعناد" وإتمام صفقة جديدة، على حدّ تعبيره.
في المقابل، لا يُلغي أبو عامر فرضية أن تمضي إسرائيل في خيارات أخرى غير التفاوض، ومنها الملف الأمني والاستخباري والمعلوماتي، علّها توفر على نفسها دفع أثمان للوصول إلى جنودها". ولم يستطع نتنياهو طوال الفترة الماضية طمأنة أهالي الجنود المفقودين في غزة، خصوصاً في ظل حالة من خيبة الأمل عند هؤلاء من الحكومة ورئيسها، واتهامهم لنتنياهو وحكومته بعدم بذل الجهد الكافي لاستعادة الجنود من قبضة الفلسطينيين في غزة، وفق ما يقول أبو عامر.
من جهته، يرى مدير مركز "أبحاث المستقبل" في غزة، إبراهيم المدهون، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ تصريحات المتحدث العسكري لـ"القسّام" جاءت في إطار ردة فعل على تصريحات نتنياهو، إضافة إلى الرغبة في تحريك الملف المجمّد. ويقول المدهون إنّ "القسّام" يواصل تعامله بشكل حذر للغاية مع الملف، ولا يفصح عن الكثير من المعلومات بشأن الجنود الأسرى المفقودين منذ الحرب الإسرائيلية الأخيرة على القطاع صيف 2014، وذلك للوصول إلى صفقة تلبّي طموحات الأسرى. ويؤكد المدهون وجود رغبة لدى الذراع العسكرية لـ"حماس" بتحريك ملف الجنود الإسرائيليين الأسرى لديها، وذلك من خلال التصريحات والتلميحات التي تقوم بها في مختلف المناسبات خلال الفترة الماضية.
ويوضح المدهون أنّ الرسالة التي سعت "القسّام" لإيصالها من خلال المتحدث العسكري، ونشر صور الجنود، موجّهة للجمهور الإسرائيلي، للضغط على حكومته والعمل على فتح قناة اتصال تفضي إلى صفقة تبادل ثانية مع الحركة. ويشير إلى أنّ نتنياهو يحاول استبعاد ملف الأسرى وتجاهله والتهرب منه كونه المسؤول الأول عن أسرهم في حرب غزة الأخيرة، والإبقاء عليه مغلقاً إلى حين قدوم حكومة جديدة تعمل هي على فتح قنوات اتصال مع المقاومة الفلسطينية بغزة لاستعادة الجنود، على حدّ تعبيره.
ويضيف أنّ نتنياهو غير قادر على دفع الثمن الذي تطلبه حركة "حماس" لتحريك قناة اتصال، ويواصل المماطلة والمراوغة، عبر استمرار فرض حظر النشر على الصحافة الإسرائيلية، ومنع تداول الملف. ويستبعد المدهون إمكانية الوصول إلى إنجاز ملموس أو صفقة تبادل أسرى حقيقة على غرار صفقة شاليط في ظل وجود الحكومة الإسرائيلية برئاسة نتنياهو، التي تواصل جهودها للحيلولة دون فتح هذا الملف ودفع الثمن الذي تريده المقاومة في غزة.
ويرى أنّ فتح هذا الملف يحتاج إلى متغير سياسي كبير في الساحة الإسرائيلية، وتحوّل على مستوى القيادة السياسية لديهم، فضلاً عن حراك فلسطيني داخلي على كافة الأصعدة العسكرية والسياسية والاستخباراتية للوصول إلى صفقة تبادل. ويؤكد المدهون أنّ قضية الجنود الأسرى لدى كتائب القسام في غزة لم تصل حتى اللحظة إلى مرحلة المزاودة السياسية، في ظل ما يقوم به نتنياهو والجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنية من جهود مضنية للتعامل مع الملف بشكل سريّ، آملين في الوصول إلى معلومات بشأن مصيرهم.