القدس نموذجاً لصراع وجودي على فلسطين

30 ابريل 2023
اقتحامات إسرائيلية للبلدة القديمة في القدس (أحمد غرابلي/فرانس برس)
+ الخط -

لمن لا يعرف أو لا يتابع يوميات مدينة القدس المحتلة، يظن أن الانتهاكات الإسرائيلية في المدينة محصورة في شهر رمضان المبارك، بحكم تصاعد الأحداث خلاله ومتابعتها من قبل وسائل الإعلام المختلفة. لكن في الحقيقة، هذه الانتهاكات يومية، بدأت منذ وطأت أقدام جنود الاحتلال المدينة، سواء في غربها عام 1948، أو في شرقها عام 1967.

 

نجح الاحتلال الإسرائيلي في تهويد غربي المدينة بعد النكبة، بعد تهجير سكانها، وهدم بعض أحيائها التاريخية، كما شيّد على أراضيها مؤسساتٍ حكوميةٍ عديدةٍ، منها الكنيست. أما شطر المدينة الشرقي؛ فلم يتمكن الاحتلال من تهويده حتى الآن، لكنه مستمر في محاولة تهويدها، لذا مع محاولات الاحتلال حسم الصراع في القدس منذ احتلالها، تزداد مقاومة أهالي المدينة بأساليب متعددة، منها معركة النسل المرتبطة بالحرب الديمغرافية، التي فرضها الاحتلال عبر توسيع الاستيطان.

 

أحداث شهر رمضان المبارك؛ التي تزامنت مع عيد الفصح، توضح؛ بما لا يدع مجالاً للشك، أن الاحتلال لا يريد فلسطينياً واحداً في مدينة القدس، بل يريد فرض هويةٍ واحدةٍ، يحددها باستعماره واستيطانه البشر والحجر. لكن أهالي القدس؛ وكل فلسطين، يرفضون فرض هويةٍ أخرى على المدينة، مجلوبةٍ من تاريخ وأحداث مزورة، لا تجد ما يسندها من أحافير في أرض المدينة المقدسة.

 

ما حصل ويحصل في القدس، هو صورةٌ مكثفةٌ لما يحصل في فلسطين منذ نحو مئة عامٍ، ولا حل أمام "إسرائيل" إلا بإنهاء الوجود الفلسطيني، ولا حل أمام الشعب الفلسطيني إلا باستمرار المواجهة

أقر الكنيست في أغسطس/آب 1980 قانون أساس، أعلن الاحتلال بموجبه القدس "عاصمةً موحدةً له"، رفض المجتمع الدولي القانون لانتهاكه القرارات الدولية، كما تجسد في القرار (478)، الذي اعتبر قانون أساس باطلاً، ودعا الاحتلال إلى إلغائه. لكن الانحياز الأميركي لـ "إسرائيل" جعل الأخيرة تضرب الإرادة الدولية بعرض الحائط؛ كعادتها، وما زاد الطين بلةً؛ توقيع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إعلان القدس عاصمةً لإسرائيل، الذي كان إسفيناً جديداً في جدار المواجهة المفتوحة مع الاحتلال، والتي لا يمكن أن تنتهي بحلول وسط.

 

أحد جوانب مواجهة الاحتلال هو ذو بعد/ مظهر ديني، بسبب انتهاكات الاحتلال في الأماكن المقدسة؛ المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، مثل الاقتحامات اليومية، ومحاولات تقسيم الأقصى زمانياً ومكانياً، لكنه صراعاً وجودياً على المدينة، بين هويتين، واحدة عربية متجذرة في المدينة وتاريخها وأخرى غريبة عنها.

 

على الرغم من قدسية مدينة القدس لملايين المسلمين والمسيحيين، إلا أن التحرك الدولي من أجل مساندة أهلها تكاد تكون معدومة، حتى في ما يتعلق بحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية. ومن قبح القول، أن دولاً؛ تصنف إسلامية، تسهل؛ عبر جهاتٍ متصلةٍ بها، تسريب عقارات القدس للمستوطنين، باستخدام عقودٍ وأوراق مزورةٍ، وأحياناً عبر وسطاء لعمليات بيع وشراء، يتبين لاحقاً أنهم وسطاء لصالح جمعيات استيطانية. مثل هذه المواقف، تجعل أبناء القدس أمام ساحات مواجهة متعددة، بعضها مع العرب والمسلمين، وبعضها مع الجانب الرسمي الفلسطيني الذي لا يُفَعّل المواجهة الدبلوماسية أو الشعبية مع الاحتلال، على الرغم من دعوته الدائمة لتبني المقاومة الشعبية.

 

إن مشاهد الاعتداء على المسجد الأقصى مؤلمةٌ جداً، ومثلها مشاهد الاعتداء على المسيحيين، هذا الألم سيستمر ما لم تنقذ المدينة من وحش اسمه "إسرائيل"، يحاول بشتى الطرق إنهاء إرادة الشعب الفلسطيني وأهل المدينة، لإحكام السيطرة عليها، وعلى كل فلسطين.

 

أخيراً، ما حصل ويحصل في القدس، هو صورةٌ مكثفةٌ لما يحصل في فلسطين منذ نحو مئة عامٍ، ولا حل أمام "إسرائيل" إلا بإنهاء الوجود الفلسطيني، ولا حل أمام الشعب الفلسطيني إلا باستمرار المواجهة؛ بأشكالها المختلفة، كما فعل ويفعل عدي التميمي، والمصلون في المسجد الأقصى، وحي الشيخ جراح، ومنى ومحمد الكرد، وعدد من الناشطين عبر وسائل التواصل الاجتماعي.