أجمع متابعون لملف استعادة العلاقات المصرية التركية، على أن قرار الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي، والتركي رجب طيب أردوغان، بالبدء الفوري في ترفيع العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفراء، يتوقف على قضية تعيين الحدود البحرية، وهي قضية يمكن أن تحسم بعد لقاء السيسي وأردوغان.
وشرح عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، أيمن سلامة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تعيين الحدود البحرية بين البلدين "سيعود بالنفع الكبير، نتيجة استغلال المناطق البحرية التي لم يجر تحديدها في شرق البحر المتوسط بين الدولتين، ومن ثم سيسهل على الشركات العملاقة البحث والتنقيب عن الغاز والنفط في تلك المنطقة، بما يحقق المصالح الاقتصادية الضخمة للدولتين اللتين تعانيان اقتصادياً في الأعوام الأخيرة بشكل كبير".
مكالمة أردوغان والسيسي في وقتها
وتعليقاً على الاتصال الهاتفي الذي أجراه السيسي بنظيره التركي في 29 مايو/أيار الماضي، والذي جرى بعده الإعلان عن ترفيع العلاقات وتبادل السفراء، قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية عصام عبد الشافي، لـ"العربي الجديد": "أعتقد أن المكالمة الهاتفية جاءت في توقيتها من أجل التهنئة، وفي سياق برتوكولي، على اعتبار وجود مناسبة كبيرة بإعادة انتخاب الرئيس التركي، وهي غير مرتبطة بوجود اتفاق مسبق بين الطرفين قبل الفوز، لكن هذا لا ينفي وجود اتجاه للتقارب بين الدولتين".
عبد الشافي: معوقات التطبيع بين الدولتين لا تزال قائمة
وأضاف أن هذا التقارب "ليس وليد اللحظة، لكنه أخذ خطوات ومؤشرات بطيئة خلال العامين الماضيين، ثم جاءت كارثة الزلزال لتزيد من التقارب بين الدولتين بزيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى تركيا، ثم رد الزيارة من وزير الخارجية التركي (مولود جاووش أوغلو) إلى مصر، وأيضاً وجود قائم بالأعمال بالفعل في القاهرة، وانعقاد ملتقى لرجال الأعمال الأتراك في القاهرة".
ورأى عبد الشافي أن "معوقات التطبيع والخلافات الجذرية بين الدولتين لا تزال قائمة، وهو ما سينعكس على وتيرة التقارب بين الطرفين في الفترة المقبلة، ولا أعتقد أن تكون الخطوات سريعة".
وأشار إلى أن "عودة العلاقات الدبلوماسية، لا تعني تطبيع العلاقات بشكل كبير بين الدولتين، لأنه في النهاية هناك قضايا جدلية وملفات خلافية كبيرة، لا أعتقد أنه سيجري حسمها بدرجة كبيرة، ولعل أبرز هذه الملفات هو ملف شرق المتوسط، فتركيا تريد تعييناً قانونياً للحدود البحرية وللمياه الاقتصادية حتى تستطيع أن تتحرك بأريحية ومشروعية في مشروع التنقيب عن النفط والغاز في هذه المنطقة، ولا أظن أن السيسي سيقدم لها ذلك في ظل شبكة الاتفاقيات التي وقعها مع كل من قبرص وإسرائيل واليونان في منطقة شرق المتوسط".
وتابع عبد الشافي: "الأمر الآخر هو الملف الليبي، ومن مصلحة الدولتين أن يحدث توافق في هذا الملف، لأنه إذا اتفقت مصر وتركيا على تسوية سياسية للأزمة في ليبيا، فستستفيد الدولتان بدرجة كبيرة من مشروعات إعادة الإعمار، وهذا يحتاج إلى توافق كبير بين الطرفين".
دلالة لتوقيت إعلان عودة السفراء
من جهته، قال باحث الدكتوراه بقسم العلاقات الدولية في جامعة "إسطنبول أيدن"، عمار فايد، لـ"العربي الجديد": "أعتقد هناك دلالة لتوقيت إعلان عودة السفراء، وأن مصر كانت في انتظار نتيجة الانتخابات التركية، لأن إعادة العلاقات على مستوى تبادل السفراء سبق الحديث عنها أكثر من مرة، ويبدو أن الجانب المصري لم يرغب في منح إنجاز لأردوغان قبل الانتخابات بفترة قليلة".
وأضاف: "هذا الأمر يعطينا مؤشراً إلى إمكانية تسارع وتيرة العلاقات بين الدولتين في الفترة المقبلة". وتابع فايد: "تحتاج مصر في الفترة المقبلة إلى تعزيز علاقاتها الإقليمية، بعدما شعرت أنها تحت ضغط دول الخليج، وبعد تطبيع العلاقات بين الخليج وإيران، وإعادة العلاقات الخليجية التركية. فمصر في المقابل بحاجة لتعزيز أوراقها الإقليمية عن طريق علاقات مباشرة مع إيران وتركيا، لتمنح نفسها بعض البدائل حتى لا تقتصر كل الخيارات على دول الخليج، سواء كانت خيارات اقتصادية أو في إدارة ملفات المنطقة".
وتابع أن "العلاقات مع تركيا قد تكون مفيدة للجانب المصري في بعض الملفات، وقد يكون هناك تفاهمات في حل الوضع بالسودان، أو منع تفاقمه على أقل تقدير. فالموقف التركي في السودان قد يكون أقرب للموقف المصري، على عكس موقف السعودية والإمارات، وهو أمر يمكن أن تستفيد منه مصر، لكن يحكمه عامل آخر، وهو إذا كانت مصر مستعدة لأن يكون لتركيا دور فاعل في السودان، وهو الأمر الذي قد يتسبب في انزعاج الإمارات والسعودية".
أحمد محسن: هناك تسارع في اتجاه عودة العلاقات لمسارها الطبيعي بين مصر وتركيا
وشدد فايد على أن "الملف الأساسي لتركيا هو مسألة توقيع اتفاقية تعيين الحدود البحرية، وهذا الأمر لم يعد مستبعداً، خصوصاً أن العلاقات التركية اليونانية متجهة للتهدئة".
من جهته، رأى الباحث المتخصص في السياسات العامة أحمد محسن، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "المكالمة الهاتفية من السيسي لتهنئة أردوغان، وما صاحبها من الاتفاق على رفع العلاقات الدبلوماسية، تشير إلى أنه كان هناك اتفاق مسبق على هذه الخطوات، لكن جرى تأجيلها إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية في تركيا. ومن الملاحظ أن هناك تسارعاً في اتجاه عودة العلاقات لمسارها الطبيعي بين مصر وتركيا".
وتابع: "لو قارنا مثلاً التصريح الصادر من الجانب التركي على أنه لا نية للقاء قريب بين الرئيس التركي ورئيس النظام السوري بشار الأسد، مع المكالمة الهاتفية، والتصريح برفع العلاقات الدبلوماسية مع مصر، سوف نلاحظ أن المسار المصري يبدو أن لديه فرصاً أفضل، وأن الخطوات فيه تسير بشكل أسرع برغبة الطرفين".