الغنوشي: رهاننا يتمثل في استعادة الديمقراطية بتونس وتجميع القوى للمحافظة على النظام البرلماني
قال رئيس حركة "النهضة" التونسية راشد الغنوشي إن الحركة تراهن على استعادة الديمقراطية وتجميع قوى الداخل والخارج من أجل المحافظة على النظام البرلماني وبناء المحكمة الدستورية وتعديل القانون الانتخابي وعودة البرلمان مع تعديلات في نظامه الداخلي.
وكتب الغنوشي نصاً مطولا نشرته جريدة "الرأي العام" القريبة من "النهضة"، اليوم الخميس، أن "الرياح الدولية تهب لصالح استئناف الثورة مسارها الديمقراطي بفشل الانقلاب، وأنه حتى لو اختفت النهضة جملة، كما يتمنى أعداؤها، فإن المجتمع التونسي لن يبطئ طويلاً عن معارضة مشروع الانقلاب".
واعتبر الغنوشي أن نظرية سعيد "الشعب يريد وهو يعرف ما يريد" كنظريته حول نظام الحكم الجماهيري دون أحزاب وبرلمان، لافتاً إلى أن نظريته "غير قابلة لأن تترجم إلى خلاص مديونية وتمويل ميزانية وأسعار مناسبة ومواطن شغل وحاجات شعب تزداد تعقيدا".
وأكد الغنوشي أن "الاستقطاب ليس بين النهضة وبين قيس سعيد، بل بين الرئيس وبين الشعب الذي يهتف له اليوم، ويضع كل السلطات على عاتقه وحده. وإنها فرصة لتتفقّد النهضة أوضاعها ويعود منخرطوها إلى بيتهم، لإصلاحه بحسن الإعداد لمؤتمرهم الـ11، وليكونوا مجددا على الطريق الذي يعيدهم إلى شعبهم".
وقال الغنوشي إن "الشعبوية التي أثمرها الأداء الضعيف الاجتماعي والاقتصادي لحكومات الثورة، وما تعرضت له من ضغوط إعلامية ونقابية، إلى جانب عوامل إقليمية ودولية كثيرة، تعاونت على إسقاط نهج وحكومات التوافق، وهو ما خلّف تمزقات وانقسامات واستقطابات نشرت الفوضى الممنهجة في البرلمان وفي المجتمع، مما سمم الرأي العام ضد السياسة والسياسيين والأحزاب والبرلمان بتحريض شديد من قبل الرئيس، الأمر الذي ولد طلبا متزايدا على التغيير".
واعتبر الغنوشي أن "قرارات 25 يوليو الصاعقة وما تلاها من قرارات.. إعلان عن انتصار الشعبوية في مواجهة الثورة، وقد يمثل ذلك أيضا بداية النهاية لها ولمؤسساتها، ولكنه يُخشى أن تكون بدايات تمهّد لحكم العسكر على نحو أو آخر، خلافا لما جرت عليه الأمور بتونس الحديثة".
وأوضح أن "25 يوليو لم تأت صدفة، بل إن لها مقدماتها الضرورية: رئيس حكومة ضعيف محاط بشرنقة من أصحاب المصالح لا تهمهم غير مصالحهم، فغابت إرادة القرار واليقظة وغابت المسؤولية وغاب الإنجاز، والمثال الأبرز والكارثي تعاملهم مع الجائحة المتنمرة (كورونا) بالمماطلة واللامبالاة، فلا هم أعدوا اللّقاحات ولا التجهيزات الكفيلة بخوض الحرب على الجائحة بكفاءة بما مثّل فضيحة وتقصيرا شنيعا في حق الشعب، حتى احتلت تونس ذيل الدول الفاشلة في الحرب على الجائحة وعدد الضحايا".
وعدد الغنوشي أسباباً أخرى من بينها "مركز رئاسي قوي مصمم على التعطيل والإطاحة بالحكومة والانفراد بكل السلطات.. إلا أنه ومهما بلغ الحاكم المتفرّد من العبقرية لن يُفلح، ولا ينبغي الاستسلام له".
وشدد الغنوشي على أنه "في الحقيقة، كان كل شيء يدعو إلى التغيير والخروج من الوضع الذي تردت فيه البلاد ولكن الشركاء وهم كثر، وبعضهم وخاصة كتلة الإصلاح شديدة الارتياح للوضع القائم، فلم نملك نحن الشركاء الجرأة على اتخاذ قرار المغادرة ولو من طريق سحب الثقة من تلك الحكومة الميتة أصلا بعد أن فرض عليها قيس الشلل بتعطيله للتحوير كتعطيل للمحكمة الدستورية، بل إن آخر دورة لمجلس شورى النهضة قبل الانقلاب، قرّر مواصلة دعم المشيشي بنسبة 90% دلالة ذلك على ضعف في وعي النخبة وإرادة القرار".
وأضاف: "سياسيا وليس بالضرورة إعلاميا ما حصل انقلاب كامل الأوصاف على الدستور وعلى الثورة تمّ الإعداد له، ويترجم رؤية بشّر فيها الرئيس بنظام سياسي غير ما جاء به دستور الثورة، نظام مجلسي جماهيري لا مكان فيه لمؤسسات وسيطة من برلمان وأحزاب ومحكمة دستورية.. هي علاقات مباشرة بين قائد وشعب، هناك سلطة واحدة سلطة الرئيس، حيث تتمركز فيها كل السلطات".
وتابع الغنوشي "أن قيس سعيد، كما أشرنا سابقا، لا يقف على نفس الأرضية الثقافية لكثير من مشاريعه، وموقفه من الإرث مثلا شاهد على تمسكه بالنص الثابت الورود القطعي الدلالة. رجل طموح إلى السلطة، قد تمت تعبئته بمشاعر ضدية للنهضة من قبل أيديولوجية يدفعونه دفعا ليكون هراوة ثقيلة يسددونها إلى خصومهم الإسلاميين، بما يفرض التنبّه وعدم الاستدراج والتورّط في معارك لا يستفيد منها غير أعداء الثورة، فيجب التمييز بين الأمرين".
وأضاف: "لقد هللت لما حصل يوم 25 يوليو جماعات ودول وأبواق… مصرّة على اعتباره سقوطا نهائيا لمنظومة الثورة منظومة ثورة 14، واعتبره البعض الآخر انتهاء للإسلام السياسي، ونحن نُقرّ أنه انتصار للثورة المضادة توفرت أسبابه، وكل شيء توفرت أسبابه وقع.. هي مجرد معركة مهمة كسبوها، إنما الحرب سجال، يوم لك ويوم عليك".
واعتبر الغنوشي أن "الزلزال المصري في قلب المنطقة كان ولا بد أن تنعكس ارتداداته المدمرة على جملة الإقليم مدعوما بشعبوية ترامب في الدولة العظمى وبالمال والسلاح والإعلام الخليجي من أجل إطفاء الشمعة التونسية الوحيدة في الظلام العربي، ودفع الإقليم إلى تحارب أهلي أو إلى فوضى عارمة في ما تبقى من ربيع عربي يترنح تحت وطأة الأزمة الاقتصادية والسياسية.. كل ذلك ولّد الطلب الشعبي على الشعبويات إطلاقا لموجة عارمة من الأوهام.. فكانت شعبوية قيس سعيد وعبير".
وتطرق الغنوشي إلى مرحلة التوافق وانتخابات 2019، وأخطاء النهضة والحوار الوطني في 2013 وأسباب تنازل حركته عن الحكم، ثم بعد ذلك إلى تقاربه مع حزب "قلب تونس" وغيرها من الملفات في السنوات الأخيرة.