استمع إلى الملخص
- **فشل وتخبّط إداري**: شهد الشمال السوري تراجعاً كبيراً في الأوضاع الأمنية والمعيشية منذ تولي مصطفى، مع فساد مستشري وفشل في ضبط الأمن وتشكيل مرجعية عسكرية موحدة.
- **تنافس حكومات متعددة**: تنشط في سوريا أربع حكومات متناحرة، مما يزيد من تعقيد الأوضاع ويعزز الفوضى، حيث تعاني الحكومة المؤقتة من ضعف الأداء والارتهان للأوامر الخارجية.
تواجه الحكومة السورية المؤقتة التابعة للائتلاف الوطني المعارض، ضغطاً شعبياً متزايداً يطالب بإصلاحها بسبب اتهامات تلاحق رئيسها عبد الرحمن مصطفى بالفشل في التعامل مع ملفات ساخنة في الشمال السوري، والذي يعج بالمدنيين المثقلين بالأزمات والرافضين للانفتاح على النظام السوري من البوابة الاقتصادية وفق الرغبة التركية التي تروّج لها هذه الحكومة. وشهد الشمال السوري، يوم الجمعة الماضي، تظاهرات حاشدة طالبت بـ"إسقاط رئيس الحكومة السورية المؤقتة عبد الرحمن مصطفى، والقيام بإصلاح هذه الحكومة لتكون ممثلاً حقيقياً للشعب السوري"، وفق مصادر محلية.
ويأتي هذا الحراك الشعبي بعد يومين من تجميد فصيل الجبهة الشامية، أبرز فصائل المعارضة السورية في شمالي البلاد، تعاونه مع الحكومة السورية المؤقتة، مطالباً، بسحب الثقة من هذه الحكومة، وإحالة رئيسها عبد الرحمن مصطفى إلى القضاء لـ"ينال جزاءه العادل"، وفق نصّ بيان صدر عن "الجبهة الشامية" المنضوي في الجيش الوطني السوري المعارض المرتبط بتركيا، الأربعاء الماضي. واتهم الفصيل رئيس الحكومة السورية المؤقتة بـ"تعمّد الإساءة إلى بعض الجهات الثورية" بشكل يعزّز "رواية الأعداء المغرضة عنها باتهامها بالتخريب والإرهاب"، خلال اجتماع عقد مع مسؤولين أتراك الثلاثاء الماضي. وقال إن مصطفى "حاول تصوير الحراك الشعبي ونشاط النخب الثورية بأنه مؤامرة تخريبية على حكومته وانقلاب عليها، مُستعدياً بذلك المسؤولين الأتراك عليهم، وصبّ جام إساءاته على شعبنا الكريم في مدينة أعزاز مستنكراً حراكهم السلمي".
استياء متواصل من الحكومة السورية المؤقتة
وهذه ليست المرة الأولى التي تواجه فيها الحكومة السورية المؤقتة غضباً واستياء شعبياً، إذ سبق لمتظاهرين غاضبين من التقارب التركي مع النظام السوري أن أغلقوا مقرات الائتلاف والحكومة في مدينة أعزاز، شمالي حلب، في يوليو/تموز الماضي. وتشكّلت الحكومة السورية المؤقتة في عام 2013، لتسيير شؤون المناطق الخاضعة للمعارضة السورية في شمال البلاد، وذلك من مقرها الرئيسي في مدينة غازي عنتاب، جنوبي تركيا. وفشلت هذه الحكومة في التعامل الإيجابي مع العديد من الملفات الساخنة في المنطقة، ما أدى مع السنوات إلى خلق هوّة واسعة بينها وبين سكان الشمال السوري الذين يعانون العديد من الأزمات الاقتصادية والمعيشية لم تستطع الحكومة السورية المؤقتة التخفيف من تبعاتها. ويُنظر إلى رئيس هذه الحكومة على أنه "رجل تركيا" في الشمال السوري، والذي يعمل على تحقيق رؤيتها في مختلف المجالات، وهو ما يفسر حماسه لقرار فتح معبر أبو الزندين، في يوليو/تموز الماضي، بالقرب من مدينة الباب شمال شرقي حلب، والذي يربط المناطق التي تسيطر عليها المعارضة مع المناطق التي يسيطر عليها النظام. وتدفع تركيا منذ بعض الوقت لإعادة فتح هذا المعبر لتمهيد الطريق أمام تقاربها مع نظام بشار الأسد بوساطة من الجانب الروسي، إلا أن الرفض الشعبي في شمال البلاد يحول حتى اللحظة دون فتح هذا المعبر الذي يعوّل النظام عليه لتخفيف بعض أزماته الاقتصادية.
وتنشط حالياً في سورية أربع حكومات متناحرة ومتنافسة، فالشمال الغربي من سورية تديره ما تسمّى بـ"حكومة الإنقاذ" التابعة لـ"هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) سلطة الأمر الواقع في محافظة إدلب وبعض محيطها الجغرافي. وفي الشمال الذي يضم جانباً من ريف حلب الشمالي بما فيها منطقة عفرين، إضافة إلى منطقتي تل أبيض ورأس العين شرق نهر الفرات، هناك الحكومة السورية المؤقتة. أما في الشمال الشرقي فهناك "الإدارة الذاتية" الذراع المدنية والإدارية لـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) والتي تسيطر على جل ما بات يُعرف بـ"منطقة شرق الفرات"، والتي تضم محافظة الحسكة وأجزاء واسعة من محافظتي الرقة ودير الزور وجانبا من ريف حلب الشمالي الشرقي، بما فيه منطقة منبج غرب نهر الفرات. وهناك حكومة النظام التي تسيّر محافظات: دمشق ودرعا والسويداء والقنيطرة وطرطوس واللاذقية وحماة وحمص وحلب باستثناء أجزاء من ريفيها الغربي والشمالي، وبعض ريف إدلب، والرقة، فضلاً عن جانب من محافظة دير الزور وبعض القرى في محافظة الحسكة.
منذ تولي عبد الرحمن مصطفى رئاسة هذه الحكومة والأحوال في الشمال السوري في تراجع
فشل وتخبّط في الأداء
وفي هذا الصدد يرى أحد الأكاديميين في منطقة عفرين، مفضلاً عدم ذكر اسمه في حديث مع "العربي الجديد"، أن الحكومة السورية المؤقتة "فاشلة وتعاني من الضعف والتخبّط الإداري"، مضيفاً أنه "منذ تولي عبد الرحمن مصطفى رئاسة هذه الحكومة والأحوال في الشمال السوري في تراجع كبير". ويشير إلى أن هذه الحكومة "لم تستطع ضبط الأمن والحد من التجاوزات بحق المدنيين، فضلاً عن فشلها في تشكيل مرجعية عسكرية واحدة لفصائل المعارضة السورية وهو ما يؤدي إلى مزيد من الفوضى الأمنية". كما يلفت إلى أن الحكومة السورية المؤقتة "أهملت الملفات الأهم في المنطقة من تعليم وزراعة وصناعة"، وسط وجود "فشل كامل في إدارة المنطقة، فضلاً عن الفساد المستشري في مفاصلها ومؤسساتها".
من جهته يبيّن الناشط السياسي المقيم في شمالي سورية، معتز ناصر، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "أبرز الملاحظات الشعبية على الحكومة السورية المؤقتة تتعلق بشخص رئيسها عبد الرحمن مصطفى"، إذ إنه "شخص عديم الكفاءة العلمية أو القيادية أو الوطنية". ويضيف أن مصطفى "يحمل جنسية دولة أجنبية لديها تأثير كبير على شمال غربي سورية، وبالتالي أصبحت الحكومة المؤقتة على ضعف أدائها مرتهنة بشكل كامل للأوامر الخارجية، وواجهة محلية لتمرير الإملاءات الخارجية لا أكثر". ويشير ناصر إلى أن رئيس هذه الحكومة "ساقط شعبياً ورمزياً منذ زمن، مستدركاً أن "ما يثبته من الناحية السياسية والإدارية، هو إرادة الجهة التي يتبع لها، والتي وضعته كرهاً على رأس الحكومة السورية المؤقتة". ويرجّح ناصر أن يكون لتعليق "الجبهة الشامية" تعاونه مع الحكومة السورية المؤقتة قبل أيام توازياً مع إضراب "الكرامة" المستمر في مدينة إعزاز واحتجاجات معبر أبو الزندين، تأثير في إبعاد مصطفى عن رئاسة الحكومة "خصوصاً أن الجانب التركي يستهدف إنهاء مؤسسات ما يسمى المعارضة السياسية لصالح تحقيق مزيد من التطبيع مع النظام السوري".
ياسين جمّول: عدم توضيح طبيعة العلاقة مع تركيا هو أبرز أوجه القصور في الحكومة المؤقتة
بدوره يرى الباحث المقيم في الشمال السوري، ياسين جمّول، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "من الخطأ تجاهل المرحلة التي نمرّ بها وافتراض أن تلك الحكومة هي حكومة وطنية متكاملة وبموازنة معتبرة"، مضيفاً أنه "مع ذلك فوفق المعطيات الحالية والإمكانات المتاحة أرى جوانب من القصور والخلل". ويتابع: "لعل أبرز ذلك آلية الاختيار والتعيين من منصب رئيس الحكومة فما دون، ثم عدم توضيح طبيعة العلاقة بين الحكومة السورية المؤقتة وتركيا". ويعتبر جمّول أن "هذا الخلل جرّ علينا مشاكل عديدة، أبرزها وجود مجالس ومؤسسات تتبع لإدارات الولايات التركية وليس للحكومة السورية المؤقتة"، متسائلاً "ماذا يبقى لحكومة في مناطق تسيطر عليها مدارس مثلاً لا سلطة لوزير فيها لتعيين معلم أو مدير مدرسة؟". ويعتبر أن "للحكومة السورية المؤقتة أن تقول: هذا ما نقدر عليه، فلا أقل من الاستقالة والوضوح مع الحاضنة الشعبية حتى تعرف الحاضنة كيف تتصرف وتختار".