لا تزال الولايات المتحدة ترفع الفيتو في وجه العملية العسكرية التي تحضّر لها تركيا في الشمال السوري، وهو ما تقابله أنقرة بمطالبة واشنطن بالوفاء بتعهداتها، علماً أن السلطات التركية تطالب بإبعاد "وحدات حماية الشعب" مسافة 30 كيلومتراً عن حدودها. يتوازى ذلك مع عودة القصف التركي والتعزيزات العسكرية من مختلف الأطراف المعنية بالصراع.
واشنطن تطالب بوقف العملية
وكشف وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، أن واشنطن طلبت إعادة دراسة العملية التركية المحتملة شمالي سورية، وأن أنقرة طلبت في المقابل الوفاء بالتعهدات المقدمة لها.
وقال أكار، في تصريحات صحافية أمس، إن "الجيش التركي يواصل بكل حزم وتصميم كفاحه ضد الإرهاب، بهدف ضمان أمن شعبه وحدود بلاده، في إطار المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على الحق المشروع في الدفاع عن النفس، وبما يتوافق مع احترام وحدة تراب وسيادة جيرانها". وأشار إلى أن "العمال الكردستاني/الوحدات الكردية" زاد من استفزازاته وهجماته بهدف زعزعة السلام والاستقرار شمالي سورية، كما استهدف المدنيين في تركيا من دون تمييز بين طفل وامرأة ومدرس وطالب.
أكار: الأميركيون طلبوا منا إعادة دراسة العملية العسكرية المحتملة، وفي المقابل طلبنا منهم الوفاء بتعهداتهم
وتابع: "الأميركيون طلبوا منا إعادة دراسة العملية العسكرية المحتملة ضد الإرهاب شمالي سورية، وفي المقابل طلبنا منهم الوفاء بتعهداتهم". وأكمل: "لا نقبل المواقف المعارضة لكفاحنا ضد الإرهاب من تلك الدول التي تأتي من آلاف الكيلومترات إلى المنطقة بحجة خطر تنظيم داعش، بينما إرهابيو الوحدات الكردية يهددون أممنا من الجانب الآخر لحدودنا".
وأكد أكار أن القوات التركية لا تستهدف في عملياتها سوى العناصر الإرهابية. وتابع: "نولي أهمية كبيرة لعدم تضرر المدنيين والبيئة وقوات التحالف من عملياتنا العسكرية ضد الإرهابيين، هدفنا الوحيد هو الإرهاب ولا نستهدف أي طائفة عرقية أو دينية أو مذهبية".
وكان البنتاغون قد أعلن في بيان مساء الأربعاء أنّ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن أبلغ أكار في محادثة هاتفية، بأنّ واشنطن "تعارض بشدّة" شنّ أنقرة العملية العسكرية، مضيفة أن أوستن دعا "إلى خفض حدّة التصعيد".
وفي سياق متصل، شدد مجلس الأمن القومي التركي على أن "أنقرة ستتخذ الخطوات اللازمة لعدم السماح بوجود ونشاط أي تنظيم إرهابي في المنطقة". جاء ذلك في بيان صدر، أمس الخميس، عقب اجتماع للمجلس برئاسة الرئيس رجب طيب أردوغان في أنقرة.
وأكد المجلس أن "العمليات المنفذة على طول الحدود الجنوبية للبلاد في إطار المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة بهدف ضمان أمن ودفاع البلاد، هدفها الوحيد التنظيمات الإرهابية". وأكد أن تركيا "لن تتسامح بأي شكل من الأشكال بشأن استهداف قوات أمنها من قبل الجهات التي تلجأ للكذب والإفتاء لإراحة التنظيم الإرهابي الانفصالي الذي يتلقى ضربات قاسية".
"قسد" تطالب روسيا بالتدخّل
في السياق، حمّل قائد "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) مظلوم عبدي، روسيا "مسؤولية إيقاف التصعيد التركي على المنطقة كدولة ضامنة لاتفاق وقف إطلاق النار على شمال شرقي سورية، المتفق عليه مع تركيا عام 2019".
وقال عبدي، في مقابلة مع وكالة "نورث برس" الكردية، إن "على روسيا مسؤولية وقف الهجمات واتخاذ مواقف أكثر حزماً، استناداً إلى اتفاقية سوتشي عام 2019، والتي أفضت إلى انتشار قوات الحكومة السورية والروسية في المنطقة، وعليها منع أي عمل عسكري تركي".
عبدي: على روسيا مسؤولية وقف الهجمات واتخاذ مواقف أكثر حزماً، استناداً إلى اتفاقية سوتشي عام 2019
استئناف القصف وتعزيزات متبادلة
في غضون ذلك، استأنف الجيش التركي بوتيرة أخف عمليات القصف ضد مواقع "قسد" وقوات النظام، اعتباراً من ليلة أمس الأول، بعد هدوء نسبي استمر لثلاثة أيام.
وقصفت المدفعية التركية ليلة الأربعاء العديد من القرى في أرياف حلب والحسكة والرقة، شمالي وشرق سورية، فيما تعرضت مواقع لـ"قسد" في جبل الأبدة بريف منطقة منبج لقصف جوي، استهدف خصوصاً أماكن توزع أبراج الاتصالات في المنطقة ومعسكراً تابعاً لـ"قسد" بالقرب منها، ما تسبّب في تدمير معظم الأبراج، ووقوع إصابات بين عناصر "قسد".
كما ذكر مصدر من الجيش الوطني المعارض لـ"العربي الجديد" أن عنصرين من قوات النظام أصيبا صباح أمس الخميس جراء استهداف مسيّرة تركية نقطة لقوات النظام في قرية كوران شرق مدينة عين العرب.
وبالتوازي مع هذه التحركات، عزز الروس وجودهم في ريف حلب ونشروا أسلحة ثقيلة ومدفعية، فيما تمركز الإيرانيون عبر مسلحي حيي نبل والزهراء في مطار منغ العسكري، ونقلوا تعزيزات كبيرة منها دبابات إلى المنطقة المحاذية للقوات التركية، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.
كما دفعت قوات النظام في اليومين الماضيين، بتعزيزات عسكرية ضمت آليات ومدرعات وأجهزة تقنية باتجاه محاور التماس مع القوات التركية وفصائل "الجيش الوطني" القريبة من منطقة تل رفعت، حيث تمركزت التعزيزات الواصلة في محيط المدينة، وعدد من القرى المجاورة.
من جهتها، استقدمت "قسد" أمس تعزيزات عسكرية من مدينة الرقة إلى مدينة عين العرب وريفها، شملت أسلحة متوسطة وثقيلة ومنصات إطلاق هاون وآليات مصفحة. وذكرت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" أن "قسد" تنقل التعزيزات عبر شبكة أنفاق تربط المدينة بمحيطها بغية تفادي الضربات الجوية التركية.
كما دخلت قوافل من قوات التحالف الدولي إلى شمال وشرق سورية قادمة من معبر الوليد الحدودي مع إقليم شمالي العراق.
وحول احتمال شن تركيا عملية برية، رأى القيادي في المعارضة السورية العميد فاتح حسون في حديث مع "العربي الجديد" أن تركيا "تبدو عازمة على تنفيذها مهما كانت الضغوط الأميركية والروسية، ولن تتراجع عنها حتى تحقق أهدافها إما بالتراضي أو بالقوة العسكرية". وأوضح أن إبعاد "قسد" عن حدود تركيا بعمق أقله 30 كيلومترا "بات مطلباً للأحزاب التركية جميعها وكذلك الشعب، وذلك بعد تفجير إسطنبول الأخير".
وأعرب حسون عن اعتقاده بأن تركيا قد "تكتفي بمتابعة عمليتها الجوية ضد أهداف محددة تابعة لحزب العمال الكردستاني في العمق السوري والعراقي مع سيطرة محدودة على مناطق محددة، وذلك في حال انسحبت القوات التابعة لحزب العمال من الشريط الحدودي لعمق يتم الاتفاق عليه مع الولايات المتحدة. أما المناطق مشتركة السيطرة بين هذه التنظيمات وقوات نظام بشار الأسد، فستكون روسيا عرابة الاتفاق، وسيكون لصالح تركيا".
من جهته، رأى المحلل السياسي الكردي رمضان محمد، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الولايات المتحدة تستطيع إيقاف العملية التركية، لكن هناك نوع من توزيع الأدوار بين القوى الإقليمية والدولية، وثمة ترابط بين الملفات الدولية أبعد من الوضع في سورية.
وحول خيارات "قسد"، لفت محمد إلى أن ثمة انقساماً داخل "قسد" إزاء خيارات التعامل مع الاستحقاقات الحالية، فتيار "العمال الكردستاني" وقيادة قنديل يميل إلى المواجهة، بينما يقابله تيار أكثر اعتدالاً يمثله قائد "قسد" مظلوم عبدي والقيادية إلهام أحمد، وهو متحالف مع الأميركيين ويميل إلى التهدئة وتقديم تنازلات.
وأضاف أن "قسد" لا تستطيع تجاوز موقف "العمال"، سواء اختار المهادنة أم التصعيد، لكنه أعرب عن اعتقاده أن الأوضاع تتجه إلى التهدئة، وهناك كما يبدو شبه اتفاق بين الأطراف المعنية على عدم التصعيد، وفق رأيه.