العقيدة النووية الإيرانية.. هل تقترب طهران من تغييرها؟

10 مايو 2024
كمال خرازي رئيس المجلس الأعلى للعلاقات الخارجية الإيراني، 1 يونيو 2004 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- طهران تجدد تهديدها بإمكانية تغيير عقيدتها النووية، مع تصريحات كمال خرازي التي تحذر من تغيير محتمل في العقيدة النووية الإيرانية إذا شعرت بتهديد وجودي من إسرائيل، مشيرًا إلى أن إيران لم تقرر بعد صنع قنبلة نووية.
- التوترات متزايدة مع تحذيرات من قائد قوة حماية أمن المنشآت النووية الإيرانية وزيارة المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، مما يثير تساؤلات حول مستقبل العقيدة النووية الإيرانية وسط تأكيدات إيران على سلمية برنامجها النووي.
- العقيدة النووية الإيرانية تقوم على فتوى خامنئي التي تحرم الأسلحة النووية، لكن التهديدات الأخيرة تلمح إلى إمكانية تغيير هذه العقيدة في حالة التعرض لتهديدات خارجية، مع التأكيد على أن أي تغيير سيكون رد فعل وليس خيار استراتيجي مستقل.

جددت طهران تهديدها بتغيير العقيدة النووية الإيرانية أمس الخميس، لكن التهديد هذه المرة يختلف عن سابقاته، وهو ما يحمّله معانيَ ودلالات أقوى، لكونه صدر عن كمال خرازي، رئيس المجلس الأعلى للعلاقات الخارجية الإيراني، المعنيّ بتقديم المشورة للمرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي بشأن الاستراتيجيات والخطوط العريضة والحلول في القضايا المرتبطة بالسياسة الخارجية الإيرانية، فالمجلس المشكّل عام 2006 يعمل بوصفه "خلية تفكير" للمرشد.

هدّد خرازي، وهو وزير خارجية إيران الأسبق في حكومة الرئيس الأسبق محمد خاتمي (1997 ـ 2005)، في مقابلة مع قناة الجزيرة مباشر، بأن بلاده ستضطر إلى تغيير العقيدة النووية الإيرانية في حال أصبح وجودها مهدداً من إسرائيل، قائلاً: "لم نتخذ بعد قراراً بصنع قنبلة نووية، لكن إذا أصبح وجود إيران مهدداً، فلن يكون هناك أي خيار سوى تغيير عقيدتنا العسكرية".

وأضاف أن طهران ألمحت بالفعل إلى امتلاكها القدرة على صنع مثل تلك الأسلحة، مضيفاً أنه "في حال شنّ النظام الصهيوني هجوماً على منشآتنا النووية، فإن ردعنا سيتغير". وجاءت تصريحات خرازي بعيد زيارة المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، إلى طهران للمشاركة في مؤتمر أصفهان للعلوم والتقنيات النووية، وإجراء مباحثات مع المسؤولين الإيرانيين بشأن القضايا الخلافية بين الطرفين.

تهديد خرازي بحكم موقعه يفتح الباب على مصراعيه أمام علامات استفهام وتساؤلات بشأن ما إذا كانت طهران فعلاً تتجه نحو تغيير العقيدة النووية الإيرانية، خاصة أن التهديد هذا هو الثاني الذي يصدر عن طهران في غضون أقل من شهر، فقد سبقها تحذير من قائد قوة حماية أمن المنشآت النووية الإيرانية، العميد أحمد حق طلب، في 18 إبريل/ نيسان الماضي، من أن أي عدوان على المواقع النووية الإيرانية "يجعل من المحتمل إعادة النظر في العقيدة والسياسات النووية للجمهورية الإسلامية الإيرانية".

وجاءت تصريحات حق طلب في خضم التوقعات برد إسرائيلي بُعيد الرد الإيراني على استهداف إسرائيل المبنى القنصلي للسفارة الإيرانية في دمشق، وحينها فهمت تهديداته بأنها محاولة لردع الاحتلال الإسرائيلي باستهداف المنشآت النووية الإيرانية، والذي نفذ هجوماً لم يتبنَّه رسمياً في أصفهان وسط إيران، حيث تحتضن أهم تلك المنشآت، في حين قلل الجانب الإيراني من شأن الهجوم وأكد أنه أسقط "أجساماً جوية صغيرة" من دون أن ينسبه إلى إسرائيل. غير أن إيران بموازاة التهديدات بتغيير عقيدتها النووية، والرسائل المقصودة التي تحملها، ظلت تؤكد في الوقت ذاته تمسكها بسلمية برنامجها النووي، حيث شدد الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، في كلمة في معرض طهران إكسبو 2024 في 27 الشهر الماضي، على أن "استخدامنا للتقنية النووية سلمي".

استخدامات مدنية

إلى ذلك، يقول القيادي السابق للحرس الثوري الإيراني حسين كنعاني مقدم، لـ"العربي الجديد"، إن العقيدة النووية الإيرانية تنبني على عدم إنتاج الأسلحة النووية واستخدامها، مشيراً إلى أن البرامج الدفاعية العسكرية الإيرانية تعتمد هذه العقيدة. ويضيف كنعاني مقدم أن البرنامج النووي الإيراني "سلمي لاستخدامات مدنية". ويشير إلى استخداماته المتعددة في مجالات الطب والزراعة والصناعة وإنتاج الكهرباء، مؤكداً أن تلك العقيدة انبنت على أساس فتوى المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي بحظر إنتاج الأسلحة النووية واستخدامها. وكرر المسؤولون الإيرانيون هذا الموقف مرات عدة في مختلف المناسبات واللقاءات مع الأطراف الخارجية خلال السنوات الـ14 التي أعقبت صدور الفتوى.

العقيدة النووية الإيرانية.. فتوى قابلة للتغيير؟

وجاء في الفتوى التي أصدرها خامنئي في 12 ديسمبر/ كانون الثاني عام 2010، "إضافة إلى السلاح النووي، نعتقد أن سائر صنوف أسلحة الدمار الشامل كالأسلحة الكيمياوية والميكروبية تمثل خطراً حقيقياً على البشرية. والشعب الإيراني باعتباره ضحية لاستخدام السلاح الكيمياوي يشعر أكثر من غيره من الشعوب بخطر إنتاج هذه الأنواع من الأسلحة وتخزينها، وهو على استعداد لوضع كل إمكاناته في سبيل مواجهتها. إننا نعتبر استخدام هذه الأسلحة حراماً، وإنّ السعي لحماية أبناء البشر من هذا البلاء الكبير واجب على عاتق الجميع".

ثم كرر المرشد الإيراني عام 2019 موقفه من تحريم السلاح النووي، مؤكداً أن "صنع قنابل نووية وتخزينها خطأ واستخدامها محرم... وعلى الرغم من أن لدينا تكنولوجيا نووية، عزفت إيران عن ذلك تماماً". وفي 27 من الشهر الماضي، أكد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، مرة أخرى بعد تهديدات قائد حماية المنشآت النووية، تمسك البلاد بفتوى المرشد، قائلاً إنه في العقيدة النووية الإيرانية لا مكان للأسلحة النووية. وقال إن رفض بلاده الأسلحة النووية وعدم إعطائها مكاناً في العقيدة النووية الإيرانية يعود إلى فتوى للمرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي بحظرها، و"ليس بسبب حظرها دولياً ومن الوكالة" الدولية للطاقة الذرية.

دلالة التهديدات بشأن العقيدة النووية الإيرانية

ويقول الخبير الإيراني دياكو حسيني مدير الدراسات العالمية السابق في مركز الدراسات الاستراتيجية بالرئاسة الإيرانية لـ"العربي الجديد"، إن استخدام المسؤولين الإيرانيين مصطلح "العقيدة النووية" يؤشر إلى أن إيران تعترف بنفسها قوّةً على أعتاب الأسلحة النووية وقادرة على امتلاكها، وأنها تتوقع من الآخرين الاعتراف بهذا الموقع واقعاً. ويضيف حسيني أن إيران في الوقت ذاته لـ"أسباب دينية واستراتيجية تعارض إنتاج الأسلحة النووية واستخدامها"، مشيراً إلى أن "أسلحة الدمار الشامل تتعارض مع المعتقدات الدينية الحاكمة على النظام السياسي الإيراني، وفتوى آية الله خامنئي تمثل أوضح تعبير علني على رفضها".

غير أن إيران "قلقة من إشاعة الأسلحة النووية خاصة في محيطها"، وفق حسيني، الذي يؤكد أن ذلك "ليس فقط يشكل تهديداً وجودياً على إيران، بل يقلل من ميزاتها الاستراتيجية في التنافس الجيوسياسي" في المنطقة. ويوضح المدير السابق للدراسات العالمية في مركز البحوث الاستراتيجية للرئاسة الإيرانية لـ"العربي الجديد" أن إيران كأي بلد آخر يقع على أعتاب امتلاك الأسلحة النووية "ستبقى ملتزمة بهذا المبدأ ما دامت لم تتعرض لتهديد وجودي".

ويؤكد حسيني: "لكن إذا تعرضت إيران في بقائها ووجودها لخطر من أعدائها، فإنها ستميل حينها إلى تلك التعاليم الدينية والاستراتيجية التي تنظر إلى عقلانية امتلاك الأسلحة النووية استراتيجياً ودينياً وأخلاقياً". وعليه، يؤكد الخبير الإيراني أن "توجه إيران نحو الأسلحة النووية حينها سيكون خياراً مفروضاً عليها من تل أبيب أو واشنطن وليس خياراً تختاره بنفسه"، قائلاً إن ما تريد إيران قوله بهذه التهديدات "هو القول ضمنياً إن الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل يمكنهما تغيير العقيدة النووية الإيرانية من خلال ارتكاب أخطاء أو تهديد وجود إيران".

ولا ترتبط التهديدات الإيرانية بالضرورة بالتوتر الأخير في المنطقة على خلفية العدوان الإسرائيلي على غزة، إذ بدأت تصدر تقريباً على لسان المسؤولين الإيرانيين من عام 2020، حيث قال وزير الاستخبارات الإيراني، محمود علوي، مطلع سبتمبر/أيلول 2020 في مقابلة مع التلفزيون المحلي، إن برنامج إيران النووي "سلمي" بناء على فتوى المرشد بتحريم الأسلحة النووية، "لكن إذا دفعوا الجمهورية الإسلامية الإيرانية في هذا الاتجاه، فإن ذلك لن يكون ذنب إيران، بل خطأ أولئك الذين دفعوا إيران، رغم أن إيران ليس لديها مثل هذه النية والخطة".

كما أن التلميح بتغيير العقيدة النووية الإيرانية في حال تعرضت البلاد لـ"تهديد وجود" يأتي في وقت تواجه المفاوضات النووية بشأن الملف النووي الإيراني انسداداً منذ سبتمبر/ أيلول 2020، ولم تنجح ثماني جولات تفاوض علنية غير مباشرة مع واشنطن في فيينا بعد تولي الرئيس الأميركي جو بايدن السلطة عام 2020 في إحياء الاتفاق النووي الذي انسحب منه سلفه دونالد ترامب عام 2018، الأمر الذي دفع طهران مع مرور الوقت إلى التخلي عن التزاماتها النووية بموجب الاتفاق، منها إنهاء قيود الرقابة المشددة على برنامجها النووي بموجب البروتوكول الإضافي المكمل لاتفاق الضمانات التابع لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. واليوم تقتصر الرقابة من خلال عمليات تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية على اتفاق الضمانات وليس الاتفاق النووي.

وبينما لا يلوح في الأفق حل للملف النووي الإيراني، وبما أن الاتفاق النووي بات مجرد عنوان بلا تأثير، ألمح المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، قبل زيارته إلى طهران، إلى اقتراب إيران من القدرة على صنع القنبلة النووية، حيث قال في مقابلة مع "دويتشه فيله" الألمانية إن إيران على بعد "أسابيع وليس أشهراً" من الحصول على ما يكفي من اليورانيوم المخصب لصنع قنبلة نووية. غير أن غروسي أكد في الوقت ذاته أن ذلك لا يعني أن إيران تمتلك أو ستمتلك أسلحة نووية في هذه الفترة.

المساهمون