ما زالت الأبواب مغلقة حتى السّاعة بوجه الرئيس المُكلَّف بتشكيل الحكومة اللبنانية سعد الحريري، الصامت الأكبر منذ أيّامٍ، والذي لم يصدر عنه أي موقفٍ حتى السّاعة من العقوبات الأميركية التي طاولت رئيس "التيار الوطني الحر" وصهر رئيس الجمهورية النائب جبران باسيل.
يأتي ذلك في وقتٍ يبحث المعنيّون في لبنان خيار إقفال البلاد للحدِّ من انتشار فيروس كورونا على وقع معارضة النقابات والهيئات السياحية والاقتصادية والعمّالية التي تعيش أسوأ انهيار في تاريخها، قبل أن يحسمَ المجلس الأعلى للدفاع، يوم غد الثلاثاء، موقفه المنتظر.
وفرضت خطوة وزارة الخزانة الأميركية، يوم الجمعة الماضي، نفسها على الملف الحكومي في لبنان، لتنضم إلى جملة العراقيل التي تحول دون تأليف الحكومة، وتهدد استمرارية المبادرة الفرنسية، علماً أنّ مقصلة العقوبات من المرتقب أن تشمل مقرّبين من الحريري، في خطوة، إذا حصلت، يضعها مصدر في الحزب، في حديثه لـ"العربي الجديد"، بإطار سياسة الحصار والتحجيم السياسي التي تنتهجها الإدارة الأميركية ضد الحزب والأحزاب المتحالفة معه، والتي ستنتقل إلى دائرة رئيس "تيار المستقبل" للتأثير عليه وتحميله تبعات إشراك الحزب، سواء في الحكومة أو في المشاورات الحكومية.
ويلفت المصدر إلى أنّ أمين عام حزب الله حسن نصر الله سيتطرّق، مساء الأربعاء المقبل، في كلمة متلفزة بمناسبة "يوم الشهيد"، إلى آخر التطوّرات على الساحة السياسية محلياً وخارجياً، وسيؤكد وقوفه إلى جانب رئيس التيار الوطني الحرّ، وكل من تحاول الإدارة الأميركية التعرّض له من باب التهديد أو التحذير، وسيشنّ هجوماً على الولايات المتحدة والعدو الإسرائيلي، في رسائل ستشمل المفاوضات حول ترسيم الحدود البحرية جنوباً، التي ستكون على موعد مع جولة جديدة تسبق إطلالته بساعاتٍ.
3 ملفات خارجية
ويقول المحلل والكاتب السياسي أمين قمورية، في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، إن باسيل قد يرفع من سقف مطالبه، في ظلّ وقوف حزب الله إلى جانبه، وخصوصاً بعد العقوبات الأميركية التي وضعت في إطار أنّ باسيل دفع ثمن ارتباطه بالحزب، وهذا المشهد يوحي بأن لا حكومة في المدى المنظور، علماً أنّ الموضوع غير محصور فقط بباسيل من جهة الأميركيين، فهم يعتبرون "حزب الله" خصماً رئيسياً لهم خلال مواجهتهم لإيران.
ويرى قمورية أن الساحة اللبنانية دائماً ما تتأثر بتطوّرات المنطقة والعالم، سواء سلباً أو إيجاباً، وتتجه الأنظار اليوم إلى ثلاثة ملفات، أولها الملف الإيراني، حيث إنّه من المرتقب أن يعقد الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن مفاوضات مع إيران لإعادة إحياء الاتفاق النووي، علماً أنها لن تكون سهلة باعتبار أن الرئيس دونالد ترامب نسف الاتفاق خلال عهده، ما يفتح الباب أمام مناورات قد تطاول لبنان.
ويضيف: ثم الملف السوري والسياسة التي سينتهجها بايدن، لناحية التشدد وعودة الولايات المتحدة لاعباً أساسياً في سورية، ومن المحتمل زيادة تحالفاته مع الأكراد وتحسين العلاقات مع تركيا، وهو ما من شأنه أيضاً أن يؤثر على لبنان، من دون أن ننسى الملف الثالث، ألا وهو الإسرائيلي، وبالتزامن مع انعقاد مفاوضات ترسيم الحدود البحرية جنوباً، ومعروف وقوف بايدن إلى جانب العدو، ووضعه مصلحة إسرائيل فوق أي اعتبار.
من جهة ثانية، يلخّص عضو "كتلة التنمية والتحرير" (تمثل حركة أمل نيابياً)، النائب قاسم هاشم، في حديث لـ"العربي الجديد"، العقد الحكومية، ويربطها، أولاً، بحجم الحكومة وعدد الوزراء، حيث هناك اختلاف في الآراء بين 18 و24 وزيراً، ويرى الفريق المتمسّك بحكومة موسّعة وضمنه فريق رئيس الجمهورية، أنها ستكون أكثر تمثيلاً، في حين يصرّ الحريري على أن تكون مؤلفة من 18 وزيراً، وهذه من العثرات التي تجعل خطى التشكيل بطيئة.
المداورة في الحقائب الوزارية تعدّ من المسائل الخلافية أيضاً
ويضيف هاشم أن المداورة في الحقائب الوزارية تعدّ من المسائل الخلافية أيضاً، وتبادل الأفكار بين الأفرقاء مستمرّ، لكن ما من رأي واحد، ولم يعد خافياً أن الثنائي الشيعي يقف إلى جانب المداورة الشاملة لكل الوزارات بما فيها السيادية، باستثناء وزارة المال، وذلك انطلاقاً من طبيعة النظام، وضرورة مراعاة التوازن الطائفي والمذهبي.
ولم يستبعد المصدر ذاته تأثير العقوبات على مطالب باسيل، إذ توقّف عند تصريح رئيس "التيار الوطني الحرّ"، أمس الأحد، خلال ردّه على خطوة وزارة الخزانة، معتبراً أنها المرة الأولى التي يتحدّث فيها باسيل بشكلٍ مباشر ومن خارج الكواليس ومن دون مواربة عن رأيه في المعايير الحكومية وتداعيات الإخلال بها.
وقال باسيل أمس: "إذا لم يتم اعتماد معايير واضحة وموحّدة، فالحكومة ستتأخّر، ومن يؤخّرها هو من يضع معايير استنسابية ويخبئها بوعود متناقضة بهدفٍ واحدٍ هو تكبير حصّته فقط".
وفي معرض ردّه على محاولة الأميركيين التأثير على موقف الحريري من بوابة التلميح إلى فرض عقوبات على مقرّبين منه لإقصاء حزب الله وكف يده عن المشاورات الحكومية، يشير هاشم إلى أنّ لبنان "حتماً يتأثر بالعقوبات الأميركية، وكل شيء متوقع من الأميركيين، ما دام هناك تفلّت خارج عن كل الأصول وانتهاك لكل السيادات، وكأن هناك من نصّب الإدارة الأميركية حكماً وولياً على العالم".
بدوره، يقول عضو "تكتل لبنان القوي" (يرأسه باسيل)، النائب إدغار طرابلسي، لـ"العربي الجديد"، إنّ باسيل كان واضحاً منذ اللحظة الأولى بمسألة وحدة المعايير والمداورة الشاملة في الحقائب الوزارية، معتبراً، أنّ هناك تشتتاً وضياعاً في الصيغ التي ستعتمد من ناحية الشكل وتوزيع الوزارات في ظلّ معايير استنسابية ووعود تعطى لفريق وتقصي آخرين، وهنا على الحريري تحديد المعايير التي سيعمل على أساسها وتنطبق على جميع القوى السياسية من دون استثناء، ومبدأ وحدة المعايير تطرق إليه مراراً وتكراراً باسيل قبل فرض العقوبات عليه.
ويلفت طرابلسي إلى أنّ باسيل "سبق أن وافق على إلغاء نفسه والتيار لأن الحكومة المفترض تشكيلها صاحبة اختصاص ومن المستقلّين وغير الحزبيين، قبل أن يتبيّن أنها سياسية أو مدعومة سياسياً، وتبعاً لذلك لا نقبل بإلغائنا".