استمع إلى الملخص
- شهادات تحكي عن دفع عائلات مبالغ باهظة للخروج من غزة، مع استخدام منصة "GoFundMe" لجمع التبرعات، وتقدير أرباح العرجاني بملايين الدولارات من هذه العمليات.
- رغم دفاع العرجاني عن خدماته كـ"V.I.P" ومساهمته في إعادة إعمار غزة، تشير الشهادات إلى استغلال شديد للفلسطينيين في ظروفهم الصعبة، مما يثير تساؤلات حول الأخلاقيات والمسؤولية.
أبرزت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير نشرته، الخميس، عمليات الاستغلال التي تديرها شركة "هلا" التابعة لمجموعة شركات يقودها رجل الأعمال المصري، إبراهيم العرجاني، وتستهدف الفلسطينيين الساعين إلى الخروج من قطاع غزّة.
واشتهر اسم العرجاني خلال الحرب الإسرائيلية على غزّة مقترناً بعمليات ابتزاز وصلت إلى طلب مبالغ طائلة مقابل تنسيق السفر عبر معبر رفح إلى مصر التي تعتبر الوجهة الوحيدة للقطاع المعزول والمحاصر نحو العالم الخارجي. واعتبر الرجل في مقابلة مع الصحيفة أن ما نشر من تقارير عن عمليات الابتزاز الحاصلة حملة ضده من وسائل إعلام مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين، وقال إنه ينقل المسافرين "بسيارات جميلة" ويوفر لهم الطعام.
وأوردت الصحيفة شهادات عديدة لأشخاص مرّوا بواحدة من أسوأ عمليات الاستغلال في ظل الحرب، عن دفعهم مبالغ تصل إلى ما بين ثمانية آلاف إلى 15 ألف دولار لوسطاء غير رسميين من مصر أو قطاع غزّة لقاء الخروج من القطاع، وقال آخرون للصحيفة إنهم دفعوا لشركة هلا (المدرجة منذ فترة طويلة على موقع العرجاني غروب، أزيلت أخيراً) مبالغ تصل إلى خمسة آلاف دولار عن الشخص البالغ و2500 دولار عن الطفل.
وعمدت عائلات كثيرة في قطاع غزّة في ظل الحرب إلى إخراج أطفالها، وفي حالاتٍ كثيرة بقي الأبوان في القطاع. وأمّا ما يخص عائلة لديها خمسة أطفال، فإن مبلغ إخراجهم بواسطة "هلا" يصل إلى 12500 دولار، وهو مبلغ يبدو توفره لدى عائلة غزّية شردت من منزلها في رحلات نزوح مريرة، ضرباً من الخيال. لذا لجأ عديدون من الأشخاص والعائلات إلى موقع "غو فاند مي" (GoFundMe) لطلب تبرّعات من متبرّعين من خارج القطاع.
وفي ظل هذه الفوضى والظروف المعقدة وحاجة الغزّيين الملحّة إلى الخروج من القطاع، كان العرجاني يحقق عبر شركة "هلا" دخلاً هائلاً، وصل إلى 88 مليون دولار في ظرف أسابيع وفقاً لتحقيق سابق نشرته صحيفة ذا تايمز في إبريل/ نيسان الماضي. بينما قدر الناشط السياسي الفلسطيني، رامي شعث، في تقرير نشره "العربي الجديد"، في فبراير/ شباط الماضي أن قيمة المبلغ الذي جباه العرجاني من معبر رفح، منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة، يقارب 150 مليون دولار، حدّاً أدنى. لكن الرجل المتهم بإدارة فوضى الابتزاز هذه، نفى لـ"نيويورك تايمز" أن يكون قد فرض مبالغ من هذا القبيل، وقال إن شركة "هلا" تأخذ 2500 دولار لقاء سفر البالغين ولا شيء للأطفال، متهماً وسائل إعلام بشن حملة ضده.
وفي مقابلة مع صحافيين من "نيويورك تايمز" في مكتبه بالقاهرة، وصف العرجاني "هلا" بأنها شركة سياحة، "مثل أي شركة موجودة في المطار"، وأنشئت في عام 2017 لتوفير خدمة "V.I.P" للمسافرين الفلسطينيين الذين يرغبون في تجربة عبور متطوّرة عبر مدينة رفح، أقصى جنوب قطاع غزّة.
وقال أيضاً إنه مجرّد مساهم أو شريك في أي شركة لها أعمال تتعلق بغزّة، لكنه زعم إن شركاته لعبت دوراً رئيسياً في إعادة إعمار القطاع، بما في ذلك إزالة الأنقاض، بعد حرب 2021.
وإضافة إلى ذلك، بحسب الصحيفة، يؤجّر العرجاني شاحنات لمساعدة المجموعات التي تنقل الإمدادات إلى القطاع، ويشتري بعضاً من تلك الإمدادات نفسها. وبعد اندلاع الحرب ظهر الرجل على الحدود بين مصر وغزّة، وتعهد بدعم الفلسطينيين في غزة قائلاً "لن نتردّد إنهم إخواننا". وهو تصريح تثبت شهادات غزّيين تعرّضوا للابتزاز أنه فارغ من مضمونه.
إحدى الشهادات التي أوردتها الصحيفة كانت لطبيب الأطفال في شمال اسكتلندا، سالم غيدا، كان من بين عديدين ممّن تقطعت بهم السبل، وخضعوا مجبرين لعملية الابتزاز، لأن لا منفذ آخر غير المعبر مع مصر، والذي دُمّر تماماً خلال الأيام الأخيرة في ظل الاجتياح الإسرائيلي للمدينة.
برّر العرجاني طلب 2500 دولار فقط بحسب زعمه، بأن المبلغ ضروري لأن الخدمة التي تقدمها هلا هي "V.I.P وفلسطينيون يكذبونه
وتقول الصحيفة إنه "في يناير/ كانون الثاني بعد أن أرسلت شقيقة الدكتور غيدا رسالة نصية من غزّة تقول إن والدهما يعاني نوبات صرع"، بدأ الطبيب البحث عن طريقة لإخراج عائلته بأي ثمن. ووفق شهادته، إضافة إلى آخرين على دراية بعملية الدفع بحسب الصحيفة، تجعل شركة هلا "الناس يمرّون بعملية بيروقراطية معقدة لتسجيل أحبائهم. وتطلب من أحد أفراد الأسرة زيارة مكاتبها في القاهرة ودفع ثمن الخدمة من خلال فواتير بقيمة مائة دولار صادرة في عام 2013 أو بعده"، في حين نفى العرجاني للصحيفة علمه بهذه الممارسة، زاعماً أن الذين دفعوا هذه الفواتير تعرّضوا للاحتيال من وسطاء غير قانونيين. وفي نهاية المطاف، عندما سافر غيدا إلى القاهرة لتسجيل والديه وأخته وابن أخيه، كان قد جمع حوالي 25 ألف دولار لإتمام المبلغ المطلوب لسفر أفراد عائلته.
ولم يرد المسؤولون في الشركة على أسئلة الصحيفة عبر البريد الإلكتروني عن إجبار الغزّيين على دفع خمسة آلاف دولار عن الشخص البالغ و2500 عن الطفل، في حين برّر العرجاني طلب 2500 دولار فقط بحسب زعمه، بأن المبلغ ضروري لأن الخدمة التي تقدمها هلا هي "V.I.P"، مضيفاً أن تكاليف التشغيل ارتفعت كثيراً خلال الحرب.
وقال فلسطيني آخر من دير البلح أوردت الصحيفة شهادته إنه شعر كما لو كان يتعامل مع المستفيدين من الحرب، لأنه كان يتعرّض لضغوط مالية خلال الفترة الأكثر ضعفاً في حياته. وذكرت الصحيفة إن الرجل البالغ 48 عاماً كان عليه أن يجمع 37500 دولار لضمان خروج زوجته وأطفاله السبعة، لكنه تمكّن من جمع 7330 دولاراً فقط على "GoFundMe".
العرجاني: يتم نقلهم بسيارة BMW جميلة
وقال العرجاني للصحيفة: "أنا أساعدهم فقط عندما يريدون الخروج عبر خدمة VIP. وأضاف: "يتناولون وجبة الإفطار، ثم يُنقلون إلى القاهرة بسيارات BMW جميلة، للحصول على استراحة، ثم يتوجّهون إلى وجهتهم. دورنا تقديم أفضل خدمة ممكنة، هذا كل شيء".
لكن فلسطينيين عديدين غادروا عبر "هلا" خلال الحرب قالوا إنهم لم يحصلوا على هذه الخدمة، ونُقلوا إلى القاهرة في حافلة صغيرة مع وجبة طعام"، وفقاً للصحيفة. وقال العرجاني إن الطلب المتزايد في زمن الحرب على الخدمات مثل الرحلة من رفح إلى القاهرة أجبر الشركة على رفع أسعارها.
وعندما سألته الصحيفة عن "علاقات شركته بالحكومة المصرية والاتهامات بأنها تستفيد من العقود المربحة"، أصر على أنه يتعرّض للتشهير من وسائل الإعلام المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين.
ونقلت الصحيفة عن السفير الفلسطيني في مصر دياب اللوح أن نحو مائة ألف فلسطيني غادر غزّة خلال ثمانية أشهر من الحرب. وعلى الرغم من أن هناك من تمكّنوا من الخروج من خلال اتصالات مع منظمّات أو حكومات أجنبية، لم يكن لدى عديدين منهم طريق آخر غير شركة "هلا".
وفي بيان صدر في منتصف شهر مايو/ أيار، قال موقع GoFundMe إنه تُبرِّعَ بأكثر من 150 مليون دولار لجمع الأموال المتعلقة بالحرب في غزّة، وإن حوالي 19 الف حملة أنشئت على منصتها، بما في ذلك عمليات الإجلاء والرعاية الطبية والغذاء. وقال فلسطيني يبلغ 30 عاماً للصحيفة إنه لجأ إلى الموقع، وجمعت عائلته أكثر من 55 ألف دولار لدفع تكاليف مغادرة 12 فرداً.