علمت "العربي الجديد" من مصادر عراقية رفيعة المستوى في بغداد، أن رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي شكل وفداً وزارياً رفيعاً، يضم أيضاً قيادات أمنية وعسكرية، لبحث مسألة بلدة جرف الصخر شمال محافظة بابل. وتسيطر على المنطقة مجموعة من المليشيات المرتبطة بإيران، أبرزها "كتائب حزب الله"، و"النجباء"، وجند الإمام"، و"الخراساني"، و"عصائب أهل الحق"، وتمنع القوات العراقية الحكومية من دخولها منذ استعادة السيطرة على البلدة نهاية 2014. وجرت محاولات سابقة، في حكومتي حيدر العبادي، وعادل عبد المهدي، بدفع من الأمم المتحدة وأطراف سياسية، لحل موضوع جرف الصخر، إلا أنها باءت بالفشل. وتحدث مسؤولون وسياسيون عراقيون، عن وساطات عديدة انتهت بالفشل، شملت زيارة بيروت وطهران لبحث ملف البلدة.
وأمس الأحد، أبلغ مسؤول عراقي بارز في بغداد، "العربي الجديد"، أن حكومة الكاظمي بدأت فعلاً التحرك نحو ملف جرف الصخر، وهي شكلت خلية عمل من مستشار الأمن الوطني قاسم الأعرجي، ورئيس أركان الجيش الفريق عبد الأمير يارالله، ورئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، إضافة إلى وكيل وزارة الهجرة والمهجرين كريم النوري، وقيادات أمنية وعسكرية مختلفة. وستعمل الخلية على بدء مفاوضات مع زعماء الفصائل التي تسيطر على جرف الصخر، ومحاولة إقناعها بالسماح للوفد الدخول للبلدة والاطلاع على أحوالها، وبحث إمكانية تطبيع الأوضاع فيها، وإعادة أهلها إليها قبيل الانتخابات في يونيو/حزيران المقبل، على غرار اتفاقية تطبيع الأوضاع في مدينة سنجار، غربي الموصل الشهر الماضي، الموقعة بين أربيل وبغداد. وأضاف المسؤول أن الخلية باشرت فعلاً اتصالاتها، وقد يتطلب الأمر لقاءات مع أطراف أخرى غير تلك الموجودة في العراق، (من دون أن يسميها) إذ إن رفض فتح البلدة وإعادة أهلها إليها كان قد صدر بشكل شخصي من قبل زعيم "فيلق القدس" الإيراني السابق قاسم سليماني، وفقاً لقوله.
قد يتطلب الأمر إجراء الخلية لقاءات مع أطراف غير تلك الموجودة في العراق
وحول توقعات أن تنجح المحاولة الحكومية الجديدة في استعادة السيطرة على جرف الصخر، قال المسؤول إنه من المرجح السماح بدخول الوفد الحكومي للبلدة بالفترة المقبلة، وأن يتم التقاط صور ومقاطع فيديو فيها. وقد يصار للإعلان أنها بحاجة لمزيد من الإجراءات لإعادة سكانها إليها، لكن عملياً لا توجد نية حقيقية للجماعات المسلحة بتسليم البلدة والانسحاب منها. وحالياً يطرحون موضوع انسحاب القوات الأميركية من العراق مقابل الانسحاب من البلدة، على اعتبار أنها موقع استراتيجي وتعتبر بوابة جنوب العراق للقادمين من بغداد.
ومنذ مطلع الشهر الحالي، تواصل وزارة الهجرة العراقية، بالتعاون مع وزارتي الدفاع والداخلية، عمليات إغلاق متسارعة للمخيمات شمال وغربي البلاد، عبر إعادة من فيها إلى مناطقهم. وقد أغلق فعلاً أكثر من 10 مخيمات لغاية الآن، ضمن مساعي الحكومة لإغلاق صفحة النزوح قبل موعد إجراء الانتخابات. لكن مدن وبلدات جرف الصخر ويثرب، والعوجة، والعويسات، وعزيز بلد، والسعدية ومناطق أخرى، تقف حجر عثرة، إذ ما زال خليط من المليشيات الموالية لإيران تسيطر عليها وترفض الانسحاب منها أو إعادة أهلها إليها.
وفي السياق، قال عضو البرلمان العراقي رعد الدهلكي إن "حكومات حيدر العبادي وعادل عبدالمهدي فشلت خلال السنوات الماضية بدخول البلدة، ومعرفة أسرار منع النازحين من العودة إلى منازلهم. ولا يمكن التنبؤ بما ستصل إليه حكومة الكاظمي بهذا الملف". وأوضح، لـ"العربي الجديد"، أن "البلدة (جرف الصخر) باتت تشبه المعتقل الكبير، وليس هناك أي جهة تجرؤ على الدخول إليها، ولا بد أن ينتهي هذا الملف بقوة وحزم من قبل الحكومة العراقية". ولفت إلى أن "النازحين في المخيمات من أهالي جرف الصخر، باتوا بلا سكن ولا مُستقر بعد إغلاق مخيمات النزوح وبلدتهم مغلقة، وهذه أزمة جديدة تضاف إلى أزمات العراق". وأوضح "يوجد في العراق حالياً أكثر من مليون نازح. ورغم أن جميع المناطق التي احتلها تنظيم داعش تم تحريرها، إلا أن بعضها باتت معزولة عن العالم بسبب سيطرة فصائل مسلحة وأحزاب عليها".
ويسيطر على جرف الصخر حالياً خليط من المليشيات، الأكثر ارتباطاً بإيران، أبرزها "كتائب حزب الله" و"سرايا الخراساني" و"عصائب أهل الحق" و"كتائب الإمام علي" وحركة "النجباء". وتصنف هذه المليشيات نفسها على أنها "فصائل المقاومة الإسلامية"، وتمتلك أجنحة مسلحة في سورية، تقاتل إلى جانب نظام بشار الأسد. وتُبرر، بصيغة دائمة، منعها لنازحي جرف الصخر من العودة إليها، بأن البلدة لا تزال تمثل مطمعاً لعناصر "داعش"، أو أنها مليئة بالألغام، إلا أن ما يُسرّب من مصادر محلية وأخرى أمنية، يشير إلى غير ذلك.
لا توجد نية حقيقية للجماعات المسلحة بتسليم البلدة والانسحاب منها
وتواصلت "العربي الجديد" مع أحمد الجنابي، وهو نازح من جرف الصخر، ويستقر حالياً في شقة صغيرة ببابل. وقال إن "البلدة لا تخضع لسيطرة الدولة، وإنما لمليشيات تمنع دخول أي أسر إليها. وحاول أكثر من مرة أن يدخلها أهلها ليطمئنوا على أملاكهم وبساتينهم، إلا أن عناصر الفصائل المسلحة واجهوا الأهالي بالرصاص الحي ومنعوهم من الاقتراب". وأوضح أن "أقرباءه من نفس البلدة يسكنون حالياً في أكثر من مخيم للنزوح سيُغلق قريباً، وهم لا يعرفون إلى أين سيتوجهون بعد إغلاق مخيماتهم". وتحررت جرف الصخر من سيطرة تنظيم "داعش"، الذي احتلها بعد انسحاب القوات العراقية منها، منذ ست سنوات. إلا أن تحريرها فتح المجال أمام المليشيات للسيطرة عليها بحجة تأمينها. ومنذ عام 2014 تستقر فيها عدة فصائل موالية لإيران وتضع قطعاتها العسكرية فيها، ولا تسمح لسكانها بالعودة إليها.