العراق: هل يسعى الصدر إلى ضرب شرعية النظام السياسي؟

06 ديسمبر 2023
دعا الصدر أنصاره لمقاطعة انتخابات المحافظات (الأناضول)
+ الخط -

تكررت على لسان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، ومقربين منه، خلال الأسابيع الماضية مفردة "الشرعية". أشار الرجل، في دعوته الخاصة بمقاطعة الانتخابات المحلية (مجالس المحافظات) المقرر إجراؤها في 18 ديسمبر/كانون الأول الحالي، إلى أنها "تقلل من شرعيتها داخلياً وخارجياً"، في خطاب جديد ولافت في مناهضته أحزاب تحالف "الإطار التنسيقي"، الذي يتضمن الكيانات السياسية الشيعية والفصائل المسلحة وصولاً لبقية الأحزاب المشتركة في إدارة الدولة والحكومة الحالية، ما يفسر توجها سياسيا يحضّر له الصدر، لا سيما أن مصادر قريبة منه أفادت بأنه يسعى إلى صناعة تحالف مبدئي قوامه الصدريون والمدنيون المعارضون لبدء مرحلة جديدة.

الصدر: مقاطعة الانتخابات تقلل من شرعيتها

ودعا الصدر، في 12 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أنصاره إلى مقاطعة انتخابات مجالس المحافظات. وكتب، على منصة "إكس"، إن "من أهم ما يميز القاعدة الصدرية هو وحدة صفها وطاعتها وإخلاصها، وإن مشاركتكم للفاسدين تحزنني كثيراً، ومقاطعتكم للانتخابات أمر يفرحني ويغيظ العدا (الأعداء)، ويقلل من شرعية الانتخابات دولياً وداخلياً ويقلص من هيمنة الفاسدين والتبعيين".


قيادي صدري: الصدر دخل مرحلة جديدة من مناهضته الأحزاب النافذة في البلاد

وفي خطبة الجمعة بمسجد الكوفة، في مدينة النجف التي يسكن فيها الصدر، قال إمام وخطيب الصلاة كاظم الحسيني، إن "النظام إذا نخره الفساد وأصبح عقيماً لا يلد إلا الخراب والدمار، ولا معنى لمحاولة إعادة إنتاجه".

وأضاف أن "غرض مقتدى الصدر من المقاطعة هو سلب الشرعية الدولية والمحلية عن عملية سياسية تأسست على المحاصصة، ونما جذرها على الفساد، ولم تنفع كل محاولات التعديل، لأنه أصبح عصياً عليه، والمشاركة تعني إعطاء الشرعية لنظام اعترف أصحابه أنفسهم أنه فاسد ولا يرجى منه خير للبلد".

وكان الصدر قد انسحب، في 15 يونيو/حزيران 2022، من العملية السياسية في البلاد، مؤكداً عدم المشاركة في أي انتخابات مقبلة حتى لا يشترك مع الساسة "الفاسدين".

وجاء إعلان الصدر، خلال اجتماعه في النجف وقتها بنواب الكتلة الصدرية (الفائزة بالانتخابات) الذين قدموا استقالاتهم من البرلمان بعد 8 أشهر على إجراء الانتخابات التشريعية التي أجريت في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 2021. عقب ذلك، تمكن تحالف "الإطار التنسيقي"، من تشكيل حكومة محمد شياع السوداني، بالاتفاق مع الأحزاب الكردية والسنية.

تغيير في تفكير الصدر

وأفادت معلومات من صدريين مقربين من الصدر، بأن "تغييراً طرأ على تفكير الصدر، وهو حالياً ترك خطابه المعروف بشأن إصلاح النظام، وأمسى يتحدث عن شرعية النظام، في بداية تُشير إلى نية التغيير الشامل في المنظومة السياسية الحاكمة منذ العام 2005 ولغاية الآن".

وقال قيادي من التيار الصدري، لـ"العربي الجديد"، إن "اللهجة تغيرت لدى الصدر، وإنه دخل مرحلة جديدة من مناهضته الأحزاب النافذة في البلاد".

وأضاف القيادي، الذي اشترط عدم ذكر اسمه، أن "الصدر وصل إلى طريق مسدود في التعامل مع الأحزاب العراقية، وهو لا يقصد الشيعية فقط، بل السنية والكردية، والأحزاب التي تنطق بلسان الأقليات، وهي لا تمثل الأقليات، وهذا يعني أن منهجاً سياسياً يُولد حالياً في الحنانة (الحي الذي يسكن فيه الصدر)".

وأكد أن "الصدر التقى عدداً من الصحافيين المعروفين بمعارضتهم للنظام الحالي، والنشطاء البارزين والمدونين، في بادرة لتوحيد الجهود السياسية والاجتماعية والانطلاق بمرحلة جديدة".

"الإطار التنسيقي" يبدأ حملة مناهضة

في غضون ذلك، تواصل اتساع دائرة المقاطعة الشعبية للانتخابات المحلية المقرر إجراؤها في 18 ديسمبر الحالي، فيما تزداد مخاوف تحالف "الإطار التنسيقي" الحاكم في البلاد مما سمّاه "اختلال التوازنات"، في وقت بدأ فيه التحالف بحملة مناهضة.

ودفعت دعوات جديدة لتأجيل الانتخابات، ظهرت من فعاليات اجتماعية وصحافيين، بزعيم "تيار الحكمة" المنضوي ضمن "الإطار التنسيقي" عمار الحكيم إلى التحذير من دعوات عدم المشاركة ومنع الناس من ذلك، معتبراً أنها ستخلق نتائج "غير متوازنة في تمثيل المكونات الاجتماعية".


حسام الحاج: الصدر يتجه للضرب في شرعية وعمق النظام الحالي

في الأثناء، قال الناشط السياسي القريب من التيار الصدري عصام حسين إن "تحالف الإطار التنسيقي، يتحدث عن أن الانتخابات حتى وإن اشترك فيها 1 في المائة من الشعب العراقي شرعية، وهذا الحديث قانوني ولم يخرج عن القانون العراقي، وهم يريدون ذلك بالفعل، من أجل الحصول على الاعتراف الدولي والأميركي ومن الأمم المتحدة أيضاً".

وأضاف حسين، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "أكثر من 90 بالمائة من الشعب العراقي ناقم على العملية السياسية والنظام الذي تحكمه قوى الفساد والسرقة والجماعات التي تمارس الإرهاب والقتل والتجاوز على القانون". وبين أن "النظام الحالي لا يمثل العراقيين، بدليل العزوف الكبير في الانتخابات المقبلة".

وأشار حسام الحاج، القيادي في جماعة "رفض"، وهي إحدى الحركات المدنية الناشطة سياسياً في البلاد، إلى أن "هناك جملة من التساؤلات تحيط بالحالة العراقية الحالية".

وأوضح أن "أبرزها هي هل أن معادلة الحكم الحالية جاءت من محركات شرعية، وهل النظام الحالي يمثل المجتمع العراقي، وهل يتمتع هذا النظام برافعة اجتماعية تؤيده أو تسانده؟".

وأضاف: "في الحقيقة فإن النظام الحالي يمثل فئات صغيرة من المجتمع، وقد ظهر ذلك واضحاً عقب انتخابات 2021، حين أقدم الخاسرون في الانتخابات على اتباع كل الطرق الشرعية، وغير الشرعية، للاستحواذ على السلطة مرة أخرى".

توجه الحكومة لرشوة المجتمع

وقال الحاج، لـ"العربي الجديد"، إن "الحكومة الحالية تعرف هذه الأجواء، ولذلك فقد توجهت لرشوة المجتمع وإسكات الأصوات المعارضة والمدونين لردم الفجوة الواضحة ما بين النظام والعراقيين".

وأضاف: "بصراحة تتوفر الشرعية القانونية لهذه المعادلة، لكن من المؤكد أن المشروعية الاجتماعية، وهي القبول الجماهيري والتمثيل الشعبي، غير موجودة، وبالتالي فإن الصدر يعني ذلك بشكلٍ أكيد. والأكيد أن الصدر يتجه إلى الضرب في شرعية وعمق النظام الحالي، وهذا ما يتسق ما بين الصدريين وأغلبية العراقيين". 

أما أستاذ الإعلام السياسي في جامعة بغداد علاء مصطفى، فقد لفت إلى أن "مقاطعة الصدر، ومعارضته الشديدة للوضع السياسي الحالي، هما بسبب البند الذي ورد في منهاج حكومة السوداني، وهو إجراء الانتخابات المبكرة، بعد عام على تشكيل الحكومة، وكان من المفترض أن تكون انتخابات برلمانية، لكن الأحزاب حولتها إلى انتخابات مجالس محافظات".

وأوضح، لـ"العربي الجديد"، أن "السوداني حافظ خلال الفترة الماضية على المحافظين التابعين للتيار الصدري، في ثلاث محافظات، لكن سيصعب عليه الإبقاء على هؤلاء المحافظين بعد إجراء الانتخابات المحلية".

النظام رتّب أوراقه إقليمياً ودولياً

وأعلن مصطفى أنه "لا يعتقد أن الصدر يريد أن يسقط شرعية النظام، لا سيما وأن هذا النظام يستفيد من الأزمات، وقد رتب أوراقه إقليمياً ودولياً، وهو الآن باقٍ، لكن هناك بعض المتغيرات التي قد تؤدي إلى تأثره، خصوصاً في حال أفرزت الانتخابات الأميركية صعود الجمهوريين، فإن هذا الأمر سيؤثر على الوضع العراقي".

ومن المفترض أن يتنافس قرابة 70 حزباً وتحالفاً سياسياً وأكثر من 6 آلاف مرشح على مقاعد مجالس المحافظات في الانتخابات المحلية.

وتتولى مجالس المحافظات المُنتخبة مهمة اختيار المحافظ ومسؤولي المحافظة التنفيذيين، ولها صلاحيات الإقالة والتعيين، وإقرار خطة المشاريع بحسب الموازنة المالية المخصصة للمحافظة من الحكومة المركزية في بغداد، وفقاً للدستور. وستكون هذه أول انتخابات محلية تُجرى في العراق منذ إبريل/ نيسان 2013.