قبيل أيام من عودة البرلمان العراقي لعقد جلساته الاعتيادية بعد عطلته التشريعية الأولى التي استمرت أربعة أسابيع، تحتدم الخلافات داخل الكتل السياسية في البرلمان على رئاسة اللجان الدائمة، خصوصاً المهمة، مثل لجان الطاقة، والأمن والدفاع، والنزاهة والمالية والعلاقات الخارجية.
وتضغط القوى الرئيسية داخل مجلس النواب لتطبيق نظام المحاصصة المعمول به، في وقت تُطالَب فيه القوى المستقلة والمدنية بممارسة دورها المعارض الذي وعدت به قبل الانتخابات الأخيرة في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.
واعتمد البرلمان العراقي، منذ الدورات البرلمانية السابقة، مبدأ المحاصصة آليةً لتوزيع أعضاء البرلمان على اللجان وتقسيم رئاساتها. وهذا المبدأ يتم وفق الثقل أو الحجم البرلماني لكل كتلة الذي يعتمد على عدد مقاعدها، كما تُقسم هذه اللجان إلى (أ، ب، ج) حسب أهمية كل لجنة، على نفس تقسيم الحقائب الوزارية بين سيادية وغير سيادية.
وأرجأ البرلمان حسم رئاسة اللجان إلى فصله التشريعي الثاني الذي يبدأ في الثامن من يناير/كانون الثاني المقبل، بعد تعذّر حسم الخلافات حولها وانتهاء أعمال الفصل التشريعي.
اتفاق سياسي على ضرورة حسم رئاسة اللجان البرلمانية
بدوره، أقر النائب عن تحالف "الإطار التنسيقي" عارف الحمامي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أمس الخميس، بـ"استمرار الخلافات بين الكتل والأحزاب بشأن رئاسة اللجان البرلمانية، وخصوصاً المهمة منها". واعتبر أن هذه الخلافات "أمر طبيعي ضمن التنافس السياسي، لكن في النهاية توزيع اللجان سيكون وفق الاتفاقات المسبقة بين القوى السياسية".
الحمامي: توزيع اللجان سيكون وفق الاتفاقات المسبقة بين القوى السياسية
وبيّن الحمامي أن "هناك اتفاقاً سياسياً على حسم رئاسة اللجان البرلمانية في الفصل التشريعي الجديد خلال الأيام المقبلة، لكن لا اتفاق على تسمية أو توزيع رئاسة اللجان". ولفت إلى أنه "ستكون هناك خلافات، لكنها قابلة للحل من خلال التفاوض، كما حصل مع تشكيل الكابينة الوزارية لحكومة محمد شياع السوداني".
وشرح الحمامي التوجّه الحالي في توزيع مسؤولية رئاسة اللجان بين الكتل السياسية قائلاً إنه "سيكون وفق الأحجام البرلمانية لكل كتلة، وكل لجنة ستكون لها نقاط معينة، وكل 5 مقاعد برلمانية هي نقطة واحدة، وعلى هذا الأساس سيحسم ملف رئاسة اللجان". كما أكد أن "هناك اتفاقاً على جعل نائبين لكل رئيس لجنة، من أجل الوصول إلى اتفاق سياسي سريع لحسم هذا الملف".
ومن المقرر أن يستأنف البرلمان في الثامن من يناير المقبل، عمله التشريعي بعد العطلة التي أعلنها إثر انتهاء الفصل التشريعي الأول من عمره.
أبرز التحديات أمام البرلمان
تنتظر البرلمان ملفات مهمة عديدة، أبرزها تشريع قانون الموازنة المالية للعام الجديد، وقانون الأحوال المدنية وحرية التعبير المثيران للجدل. كما يُرتقب منه إعلان لجنة تعديل قانون الانتخابات البرلمانية الذي يوصف بأنه أبرز تحد أمام البرلمان والعملية السياسية في البلاد ككل، نتيجة معارضة "التيار الصدري"، المُقاطع للمشهد السياسي حالياً، أي تعديل على القانون الحالي.
من جانبه، لفت عضو البرلمان المستقل سجاد سالم، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن "النواب المستقلين سيسعون إلى الحصول على رئاسة بعض اللجان البرلمانية المهمة، حتى يكون هناك عمل تشريعي ورقابي حقيقي، بعيداً عن أي ضغوطات ومجاملات سياسية".
واتهم سالم من وصفها بـ"القوى المتنفذة بالعمل على إقصاء المدنيين والمستقلين". كما شدد على أن هذه القوى تسعى "للاستحواذ على رئاسة اللجان البرلمانية من خلال مبدأ المحاصصة والتوافق". وأكد أنها تهدف إلى إبقاء "العمل التشريعي والرقابي وفق الأهواء السياسية والحزبية ووفق المصالح الشخصية لبعض الزعماء، ولهذا سيكون هناك صراع ما بين تلك القوى على رئاسة هذه اللجان".
الشريفي: كل طرف سياسي يسعى إلى تقوية نفوذه البرلماني من خلال اللجان
ولفت سالم إلى أن "هناك تواصلا وتنسيقا ما بين عدد من النواب المستقلين من أجل توحيد المواقف بشأن رئاسة اللجان النيابية". وأشار إلى أن "هناك إصرارا على تسلم رئاسة بعض اللجان المهمة من قبل النواب المستقلين، حتى يكون هناك عمل رقابي حقيقي على عمل الحكومة ولا تكون هناك مجاملات عن أي خروقات أو شبهات".
في السياق ذاته، قال عضو تحالف "السيادة"، حسن الجبوري، لـ"العربي الجديد"، إن "حسم الخلاف على رئاسة اللجان، يعتمد على نتائج الحوارات التي ستُجرى بين هذه القوى خلال الأيام القليلة المقبلة".
وبيّن الجبوري أن "التفاوض على حسم رئاسة اللجان البرلمانية، سيكون أسهل بكثير من حسم الحقائب الوزارية". كما أكد أن هناك "تفاهماً كبيراً بين قوى ائتلاف إدارة الدولة، الذي يشكل الأغلبية البرلمانية داخل مجلس النواب، ولهذا سيكون الحسم سريعاً، لكن بعض الخلافات ستكون قوية على رئاسة لجان مهمة محددة".
وأوضح أنه "تبقى الاتفاقات السياسية هي الحاسمة لتوزيع اللجان، كما لا توجد أي نيّة لإقصاء أو تهميش النواب والكتل المستقلة". ولفت إلى أنه "ستكون هناك حوارات معها من أجل منحها رئاسة بعض اللجان وفق الاستحقاقات لها".
صراع على رئاسة اللجان البرلمانية المهمة
من ناحيته، قال المحلل السياسي أحمد الشريفي، لـ"العربي الجديد"، إن "الصراع والخلاف على رئاسة اللجان البرلمانية، وتحديداً المهمة منها، لن يكون مختلفاً عن الصراع على الحقائب الوزارية في الحكومة العراقية".
سالم: النواب المستقلون سيسعون إلى الحصول على رئاسة بعض اللجان
وبيّن الشريفي أن "الخلاف ما بين الكتل والأحزاب على رئاسة اللجان البرلمانية، سيكون حتى داخل التحالفات الواحدة من المكون نفسه". كما أشار إلى أن "كل طرف سياسي يسعى إلى تقوية نفوذه البرلماني من خلال هذه اللجان، كما حصل في ملف تشكيل الكابينة الوزارية".
وشدّد الشريفي على أنه "مرّ أكثر من عام على عمر مجلس النواب، واللجان البرلمانية لم تحسم أمرها بسبب الخلافات والصراعات السياسية". ولفت إلى أن "حسم هذا الملف لن يكون سهلاً وسيستغرق وقتاً كبيراً، خصوصاً مع وجود منافسة على تلك الرئاسات من قبل النواب المستقلين، والذين يشكلون عددا ليس بقليل تحت قبة البرلمان".
وكان مجلس النواب قد صوّت في مطلع دورته الحالية على وجود 25 لجنة دائمة، وهي: القانونية، والمالية، والأمن والدفاع، والنزاهة، والنفط والغاز، والثروات الطبيعية، والعلاقات الخارجية، والخدمات والإعمار، والكهرباء والطاقة، والاقتصاد والصناعة والتجارة، والاستثمار والتنمية، والتخطيط الاستراتيجي والخدمة الاتحادية، والصحة والبيئة، والأقاليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم، والنقل والاتصالات، والثقافة والسياحة والآثار والإعلام، والتربية، والتعليم العالي، والزراعة، والشباب والرياضة، والعمل ومنظمات المجتمع المدني، والهجرة والمهجرين والمصالحة المجتمعية، والشهداء والضحايا والسجناء، وحقوق الإنسان، والأوقاف والعشائر، والمرأة والأسرة والطفولة.