العراق: مقتدى الصدر يستفيد من تشتت حلف خصومه

17 سبتمبر 2024
تظاهرة لمناصري الصدر، النجف، 14 ديسبمر 2023 (قاسم الكعبي/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **عزلة مقتدى الصدر ومكاسبه السياسية:** يواصل مقتدى الصدر عزلته عن العمل السياسي، مستفيداً من تعثر خصومه السياسيين بعد انسحابه في يونيو 2022، حيث يرى الأزمات السياسية كمكاسب مجانية له.

- **توقف الأنشطة الاجتماعية للتيار الصدري:** الأنشطة الاجتماعية للتيار الصدري توقفت تقريباً منذ مارس، رغم ظهور الكتلة الصدرية المستقيلة في بعض الأنشطة، ولم يبادر الصدر بأي حركة سياسية باستثناء دعوته لتظاهرة مليونية دعماً لغزة.

- **غموض مستقبل الصدر السياسي:** مستقبل عودة الصدر للعمل السياسي غير واضح، حيث لا يريد التحالف مع أي طرف سياسي، ويتابع تشتت الأحزاب دون إصدار أي موقف، منتظراً اللحظة المناسبة للعودة.

يواصل زعيم التيار الوطني الشيعي (التيار الصدري سابقاً) مقتدى الصدر عزلته التامة عن العمل السياسي، رغم الأحداث السريعة والصراع المحتدم ما بين أطراف داخل تحالف الإطار التنسيقي الحاكم، أبرزهم زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، وزعيم جماعة عصائب أهل الحق، قيس الخزعلي، وبين رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، عقب الهزة الكبيرة جرّاء الكشف عن "شبكة التنصت"، الشهر الماضي، داخل مكتب رئيس الحكومة، والتي افتضح أمرها وسبّبت أزمة سياسية واسعة.

مكاسب مقتدى الصدر

كل هذا يحدث والصدر يتابع من منزله في المدينة القديمة وسط النجف، جنوبي البلاد، من دون أن يصدر منه أي تعليق، ولا حتى من قيادات التيار الصدري الآخرين. غير أن هناك من يؤكد أن مقتدى الصدر ينظر إلى المشكلات السياسية العاصفة بالحكومة والأحزاب الداعمة لها، على أنها مكاسب مجانية له، وكأنه يجني ثمار قراره بالانسحاب من العملية السياسية، في 15 يونيو/ حزيران 2022، إثر أزمة تشكيل الحكومة عقب انتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2021، والتي فاز فيها الصدر بالمرتبة الأولى. وحال رفض القوى الشيعية فكرة حكومة الأغلبية الانتخابية التي دعا إليها الصدر حينها، وإصرار خصومه من القوى الشيعية الأخرى على منهج حكومة المحاصصة الطائفية، من دون تشكيله الحكومة. يبدو مقتدى الصدر مرتاحاً بتعثر غريمه السياسي وخصمه التقليدي، "الإطار التنسيقي"، والذي يمر في أسوأ مراحله مع تردي العلاقة بين مكونات هذا التحالف، ولا سيما جماعة عصائب أهل الحق بزعامة الخزعلي، أبرز الداعمين لحكومة السوداني، لكنه حالياً أبرز المعارضين والرافضين لاستمرارها، جرّاء تضرر الخزعلي سياسياً وشخصياً من شبكة "التنصت". يأتي ذلك بالإضافة إلى خلاف المالكي مع السوداني، حيث يدعو المالكي حالياً إلى إجراء انتخابات مبكرة لإنهاء ولاية الحكومة الحالية.

رغم ذلك كله، لا يظهر أن مقتدى الصدر يتجهز للعودة إلى العمل السياسي، بل إن الأنشطة الاجتماعية لجماعات التيار الصدري، في مارس/ آذار الماضي، وتحديداً من قبل أعضاء الكتلة الصدرية المستقيلة، وعددها 73 عضواً، توقفت تقريباً. مع العلم أن تلك الكتلة ظهرت في أكثر من صورة ومقطع مصور خلال الأشهر الماضية، في أنشطة للتواصل مع جماهيرها الشعبية، بعد نحو عام ونصف العام من الاستقالة الجماعية احتجاجاً على منعها من تشكيل حكومة "الأغلبية النيابية". وبحسب خبراء ومختصين بالشأن العراقي، حصل الصدر على مكاسب بالمجان من أزمات "الإطار التنسيقي"، بسبب "شبكة التنصت" وسرقة مبالغ الأمانات الضريبية، المعروفة باسم "سرقة القرن" (إبّان حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي عام 2022)، والتي تتهم فيها جهات سياسية، بعضها يُعتقد أنها ضمن تحالف "الإطار التنسيقي". ومع ذلك، فإن الصدر لم يبادر بأي حركة سياسية، لكنه قبل أسبوعين دعا إلى تظاهرة مليونية دعماً لغزة، "على ألا يشارك فيها الفاسدون" في إشارة إلى أنصار "الإطار التنسيقي". وسبق أن أكد القيادي السابق في التيار الصدري، بهاء الأعرجي، في مقابلة تلفزيونية، أن "التيار الصدري سيشارك في الانتخابات، ومن المحتمل أن يتحالف مع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، فضلاً عن الزعيم الكردي مسعود البارزاني".

مصادر: مسألة عودة الصدر إلى العمل السياسي وتوقيتها، غير معروفة لغاية الآن

لا تحالفات

لكن هذا الحديث لا ينسجم مع الصمت المطبق للصدر بشأن خياراته السياسية، فيما تقول مصادر من التيار الصدري، لـ"العربي الجديد"، إن "العودة إلى العمل السياسي لا تزال غير واضحة بالنسبة للتحالفات مع الصدريين، وقد لا تحدث مطلقاً، لأن الصدر لا يريد التحالف مع أي طرف، بما في ذلك الأحزاب المدنية والحركات السياسية الناشئة". وتشير المصادر، وهي من مدن بغداد والنجف وذي قار، إلى أن "الصدر يتابع ما يحدث من تشتت داخل معظم الأحزاب، وليس فقط الأحزاب الشيعية، من دون أن يصدر أي موقف بشأنه، ولا نعرف إن كان يعتبرها انتصارات لقرار استقالة نوابه وانسحابه من العملية السياسية أم لا، لكنه بكل تأكيد يخشى انهيار النظام جرّاء المشاكل". ويبيّن أحد المصادر أن "مسألة عودة الصدر إلى العمل السياسي وتوقيتها، غير معروفة لغاية الآن، لكن المؤكد أن مقتدى الصدر لن يتحالف مع أي طرف سياسي". ويضيف أنه "إن عاد ولم يتمكن من تشكيل الحكومة مرة ثانية، فإن كتلته الكبيرة في البرلمان ستكون عقبة في طريق أي قانون لا يعجب الصدر".

تقارير عربية
التحديثات الحية

عصام حسين: مقتدى الصدر لا يقترب من من حكومة السوداني

من جهته، يقول الناشط السياسي المقرب من التيار الصدري عصام حسين، إن "الصدر لديه قواعده وجماهيره، وما يحدث حالياً من مشاكل داخل الإطار التنسيقي وفضيحة سرقة القرن، أثرت على جمهور الإطار التنسيقي بشكل مباشر، لا سيما أنها فضحت هذه الأحزاب، وأن أحد الأطراف (بينها) يتجسس على بقية الأطراف". ويعتبر، في حديث مع "العربي الجديد"، أن مقتدى الصدر "كان قد قرأ الساحة السياسية في وقت مبكر، وكان يعرف أن مشاركة هذه الأحزاب بأي شكل من الأشكال، يزيد ويفاقم المشاكل نتيجة الصراع السياسي، الذي يعتمد بالدرجة الأساس على موارد الدولة والسعي المحموم للسيطرة على المال العام". ويشير حسين إلى أن "ما يحدث هو نهاية حتمية لتحول السياسة إلى عملية للسيطرة على المال، وأن أغلب الأحزاب التقليدية المعروفة، كانت تقوم بتنظيم الناخبين مالياً، ما أسفر عن صعود أحزاب غير مقبولة". ويوضح أن "التنافس الانتخابي في المستقبل سيكون ضعيفاً جداً، وفي حال عاد مقتدى الصدر ستكون أمام تياره فرصة كبيرة، لنصرة تطوير مشروع الإصلاح". ولا يعتقد حسين أن الصدر يقترب من حكومة السوداني "لا سيما أنها لم تثبت نزاهتها، ورافقتها فضائح مالية وصعود نجم التجار، كما أن السوداني بات يسيطر على هيئة الحشد الشعبي (كجزء من القوات المسلحة العراقية)، بينما بقية الأحزاب تملك فصائلها الخاصة".

ومن هذه المعطيات لا يدل شيء على عودة مقتدى الصدر إلى العمل السياسي والمشاركة في الانتخابات، تحت العنوان الجديد لتياره، التيار الوطني الشيعي. لكنه قد ينتظر اللحظة المناسبة للعودة، خصوصاً أن جمهور الصدر، بالإضافة إلى جماهير بقية الأحزاب، تعرف عن الصدر تذبذبه في المواقف وقراراته المفاجئة في اللحظات الحاسمة. ولعل أبرزها الموقف من الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، وآخرها الاشتباك المسلح عند مدخل المنطقة الخضراء، وسط بغداد، مع قوات من الحشد الشعبي، في أغسطس/ آب 2022، والذي راح ضحيته نحو 70 مسلحاً من طرفي الاشتباك.

المساهمون