لم تتأخر ارتدادات محاولة الاغتيال التي استهدفت رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، فجر أمس الأول الأحد، لتظهر على الساحة العراقية، إذ سارع قائد "فيلق القدس" الإيراني إسماعيل قاآني لزيارة بغداد في محاولة للملمة تداعيات العملية وتأكيد عدم مسؤولية طهران عنها، وذلك فيما برزت مؤشرات على محاولة تحييد المليشيات الموالية لإيران عما حصل وتحميل المسؤولية لأفراد. لكن تطوراً سياسياً آخر برز بعد ساعات من محاولة الاغتيال، وهو إعلان المفوضية العليا للانتخابات، انتهاء عمليات إعادة فرز أكثر من ألفي محطة انتخابية في عموم مدن البلاد، من دون تغيير في نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والتي تسبّبت بموجة غضب كبيرة للفصائل الموالية لطهران بعد خسارتها الكثير من المقاعد، ما دفعها للتصعيد وصولاً إلى احتجاج أنصارها الجمعة أمام المنطقة الخضراء وسقوط قتيلين منهم، وما تبع ذلك من تهديدات للكاظمي سبقت محاولة استهداف مقر إقامته فجر الأحد.
وأعلنت المفوضية العليا للانتخابات، في بيان أمس، الانتهاء من إجراءات النظر في الطعون التي قدمتها القوى المعترضة على نتائج الانتخابات، بعد إعادة عد وفرز أصوات أكثر من ألفي محطة انتخابية يدوياً، مؤكدة أن نتائج عمليات العد والفرز اليدوي للمحطات المشكو منها أظهرت تطابقاً في النتائج المعلنة، وهو ما يعني تضاؤل آمال القوى المعترضة بحصول تغييرات ملموسة في الخريطة الأخيرة للبرلمان المقبل. كما أكد البيان رفع نتائج النظر بالطعون وتدقيقها إلى الهيئة القضائية للانتخابات، في إشارة إلى انتهاء عمليات العد والفرز بشكل نهائي وانتقال النتائج الى مرحلة قضائية، وهي المرحلة الأخيرة قبل الإعلان النهائي عن نتائج الانتخابات.
وما زالت القوى الحليفة لإيران، ترفض الاعتراف بنتائج الانتخابات وتحشد أنصارها قرب المنطقة الخضراء منذ نحو أربعة أسابيع. وجدد عضو تحالف "الفتح"، الجناح السياسي لـ"الحشد الشعبي"، فاضل الفتلاوي، المطالبة بإعادة العد والفرز اليدوي لكل محطات الاقتراع، معتبراً في تصريح أمس، أن هذا "مطلب أساسي لهم قبل الحديث عن القبول بالنتائج والبدء بمرحلة الاستعداد لتكوين التحالفات السياسية". فيما تحدث القيادي في التحالف ذاته، محمد البياتي، عن أن "التزوير في الانتخابات لم يعد محل الشك، بل توثّق وأصبح بالدليل"، معتبراً في تصريح صحافي أن "قرار مجلس القضاء الأعلى سيكون هو الفيصل في هذه الأزمة".
جاء هذا التطور فيما كان قاآني يزور بغداد، حيث التقى الكاظمي والرئيس العراقي برهم صالح وقادة أحزاب وزعماء فصائل حليفة لطهران. وأكد التلفزيون الإيراني أن قاآني أكد خلال هذه اللقاءات دعم "استقرار ووحدة وأمن العراق". وجاءت الزيارة فيما واصلت قيادة العمليات العراقية المشتركة حالة التأهب في بغداد، مع استمرار نشر الوحدات القتالية التابعة للجيش في محيط المنطقة الخضراء وأحياء مجاورة لها. وشوهدت لأول مرة منذ سنوات مدرعات الجيش العراقي تجوب مناطق بغداد مع أسلحة ثقيلة وعربات مصفحة مع تحليق كثيف للطائرات، في إجراء اعتبره مراقبون بأنه استعراض قوة الدولة أكثر من كونه تخوّفا من حدوث مواجهات أو حدث أمني ببغداد.
زيارة قاآني إلى بغداد تهدف للتهدئة واحتواء الأزمة بين الكاظمي وزعماء فصائل مسلحة
وأكد مسؤولان عراقيان في بغداد، لـ"العربي الجديد"، أن زيارة قاآني إلى بغداد تهدف للتهدئة واحتواء الأزمة بين الكاظمي وزعماء فصائل مسلحة. وقال أحدهما في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن الهجوم على مقر الكاظمي "مثال بسيط على فوضى القرار داخل الفصائل المسلحة وتمرد جماعات داخلها، وقد نشهد انشقاقات داخلها أيضاً"، محمّلاً رئيس "الحشد الشعبي" فالح الفياض ومساعده عبد العزيز المحمداوي مسؤولية الأوضاع الحالية في بغداد. وكشف المسؤول ذاته أن أصابع الاتهام الحالية تشير إلى مجموعة داخل فصيل مسلح نافذ تقف وراء الهجوم على مقر الكاظمي رداً على مقتل اثنين من المحتجين من أنصار القوى الخاسرة في الانتخابات ليلة الجمعة الماضية قرب المنطقة الخضراء، من دون علم قيادة هذا الفصيل المسلح، لافتاً إلى أن التحقيق في الهجوم أحزر نتائج مهمة، والمعلومات الحالية تؤكد تورط هذه المجموعة بالهجوم، وأحد المنفذين قريب لواحد من الشخصين اللذين قضيا في مواجهات الجمعة الماضية. وأوضح أن "وساطة الجنرال قاآني وزعماء سياسيين شيعة أيضاً في الوقت الحالي تهدف إلى عدم كشف الحكومة عن اسم الفصيل الذي ينتمي إليه المنفذون، والاكتفاء بالإعلان عن التعرف عليهم والتأكيد أنهم يتعاونون مع اللجنة الأمنية في (هيئة الحشد الشعبي) من أجل إلقاء القبض عليهم".
وفي السياق، نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤولين أمنيين ومصادر مقربة من الجماعات المسلحة أن الهجوم نفذته جماعة مسلحة واحدة على الأقل من التي تدعمها إيران. وقالت إن الطائرات المسيّرة والمتفجرات المستخدمة في الهجوم إيرانية الصنع. وقال المسؤولان الأمنيان إن "كتائب حزب الله" و"عصائب أهل الحق" نفذتاه جنباً إلى جنب. فيما قال مصدر في جماعة مسلحة إن "كتائب حزب الله" متورطة وإنه لا يستطيع تأكيد دور "العصائب"، وفق "رويترز".
"رويترز": "كتائب حزب الله" و"عصائب أهل الحق" نفذتا الهجوم جنباً إلى جنب
لكن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة، قال رداً على سؤال عما إذا كانت إيران مستعدة للوساطة بين الأطراف العراقية، إن "الظروف الراهنة في العراق ليست مناسبة للوساطة، وهناك حكومة عراقية مستقرة تعمل في إطار القانون الأساسي". وأضاف في مؤتمره الصحافي الأسبوعي، أمس، أن "ما يهمنا هو الحفاظ على الاستقرار والأمن في العراق"، داعياً التيارات السياسية العراقية إلى "المساعدة في استتباب الاستقرار" في هذا البلد. واعتبر أن "هناك متآمرين لا يريدون انتقالاً سلمياً للسلطة في العراق"، داعياً الولايات المتحدة إلى إخراج قواتها من العراق، واصفاً حضورهم بأنه "مصدر لللاأمن".
ولم تقتصر زيارة قاآني على تهدئة الأوضاع، إذ نقلت وكالة "أسوشيتد برس" عن سياسيين عراقيين لم تسمهما، أن قاآني زار بغداد ليؤكد أن طهران وحلفاءها ليس لهم علاقة بالهجوم. ونقل السياسيان عن قاآني قوله "إيران لا علاقة لها بهذا الهجوم". وأشارا إلى أنه أكد أن طهران لا تعارض تسمية الكتل الشيعية لأي شخصية سياسية في البرلمان المنتخب حديثاً ليصبح رئيس الوزراء المقبل.
لكن عضو تيار "الحكمة" النائب السابق محمد اللكاش، اعتبر أن "وجود قاآني في بغداد لا يعني بالضرورة الوصول إلى التهدئة"، مضيفاً أن مبادرة قاآني الحالية "خطوة جيدة بحكم أن إيران جارة ولديها مصالح مع العراق". ولفت في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الأوضاع تأثرت كثيراً من تداعيات الأزمة السياسية في البلاد، بالتالي فإن حادثة الاغتيال الفاشلة للكاظمي تدل على عمق التوتر الحاصل".
أما عضو تحالف "الفتح"، عامر الفايز، الفائز في الانتخابات الأخيرة، فقال في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "وصول الأزمة لمحاولة اغتيال رئيس الحكومة يعني أن الانفلات بلغ مرحلة كبيرة"، مشدداً على أن "جميع الكيانات السياسية والفصائل العراقية والقوى المعترضة على انتخابات أكتوبر/تشرين الأول الماضي تقف ضد استهداف القانون والدولة العراقية"، متوقعاً أن "تتجه الأمور خلال الأيام المقبلة إلى التهدئة".
إلى ذلك، بيَّن الخبير الأمني سرمد البياتي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "زيارة قاآني تهدف إلى التهدئة، ويبدو أن إيران غير راضية عن التصرف الأخير بمحاولة الاغتيال الفاشلة للكاظمي، لكن هناك فصائل مسلحة باتت تتعامل مع إيران كطرف ضمن محور كامل، ولا تستمع للرسائل الإيرانية".