لاقت دعوة زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر، أمس السبت، للقوى السياسية التي جاءت بعد الغزو الأميركي للبلاد سنة 2003، بانسحابها من المشهد السياسي وعدم مشاركتها بالانتخابات المقبلة، وترك الخيار للعراقيين في اختيار قوى جديدة، ردود فعل متباينة بين من اعتبرها غير واقعية ومناكفة، وآخرين عدوها حلاً للبلاد بولادة عقد سياسي جديد.
وفي موقف تصعيدي جديد، أعلن مقتدى الصدر، أمس السبت، استعداده لتوقيع اتفاقية خلال 72 ساعة تتضمن عدم خوض جميع القوى السياسية، التي شاركت في العملية السياسية بعد الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، الانتخابات المقبلة، بما فيها تياره.
وقال قيادي بارز في "التيار الصدري"، لـ"العربي الجديد"، إن الصدر طرح هذه الفكرة عام 2020، لكن الفكرة لاقت الرفض الشديد من قبل جميع القوى السياسية، مشيراً إلى أن الفكرة حالياً ستلاقي الرفض السابق نفسه، إذ إنه "لا يوجد جهة مستعدة لترك نفوذها الذي حققته خلال السنوات الماضية في مؤسسات الدولة".
وبيّن القيادي، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن تكرار هذه الفكرة والدعوة من قبل الصدر تأتي من أجل رفع سقف المطالب لتحقيق ما يريده من مطالب أقل كتلك المتعلقة بحل مجلس النواب والذهاب نحو الانتخابات المبكرة.
وأضاف أن "هذه الدعوة تأتي من أجل التجهيز للتصعيد الشعبي المقبل، إذا لم تُنفَّذ مطالب الصدريين، المعتصمين داخل المنطقة الخضراء منذ شهر تقريباً".
وبحسب القيادي، فإن التيار "يجهز لتصعيد شعبي جديد ما بعد انتهاء مهلة الصدر، خصوصاً أن التصعيد المرتقب سيكون مدعوماً من قبل قوى تشرين والقوى المدنية الأخرى التي تؤيد وتساند دعوة الصدر لانسحاب الكتل والأحزاب المتنفذة والحاكمة من المشهد خلال المرحلة المقبلة، لكونها فشلت وأصبحت جزءاً من الفساد وخراب البلاد".
قيادي في الإطار: طرح الصدر غير قابل للتنفيذ
من جهته، قال القيادي في تحالف "الإطار التنسيقي"، علي الفتلاوي، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن ما طرحه زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر "غير قابل للتنفيذ على أرض الواقع، وهو يعرف ذلك جيداً، إذ لا يمكن فرض أمر كهذا على الكتل والأحزاب بسبب رغبة طرف سياسي معين".
وبين الفتلاوي أن "الكتل والأحزاب لها جمهور كبير، وهذا الجمهور لن يرضى بأي تهميش لدور هذه الأطراف السياسية، لكونها ممثلة عنه في تطلعاته كافة، كما أنه لا يوجد أي نص دستوري وقانوني يؤيد ما يريده الصدر، فالدستور يؤكد مشاركة أي عراقي بالعمل السياسي والانتخابي، ولا يمكن أي جهة مصادرة هذا الحق القانوني والشرعي".
وقال إن ما طرحه زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر "مرفوض ليس من قبل الأطراف السياسية الشيعية، بل من قبل كل الكتل والأحزاب السياسية"، معتبراً أن الصدر "يريد كسب ودّ الشارع العراقي غير الصدري بطرح هكذا دعوة يعرف جيداً أنها لن تنفذ على أرض الواقع، وستكون مرفوضة بالأغلبية السياسية، كما هو يريد رفع سقف المطالب للضغط بشكل أكبر على الإطار".
"الاتحاد الوطني الكردستاني": لا يوجد هناك ما يجبر القوى على الغياب في المرحلة المقبلة
إلى ذلك، قال القيادي في "الاتحاد الوطني الكردستاني" غياث السورجي، خلال حديث مع "العربي الجديد": "ليس هناك ما يجبر القوى السياسية على الغياب في المرحلة المقبلة، سواء المشهد السياسي أو الانتخابي".
محلل سياسي: "لا يوجد حزب أو كتلة لديها حتى الاستعداد لمناقشة فكرة ترك العمل الحكومي والانتخابي والسياسي، وهذا الأمر سيلاقي الرفض حتى من قبل حلفاء الصدر في (الحزب الديمقراطي الكردستاني)، وتحالف (السيادة)".
وأضاف: "يحق للجميع المشاركة في العمل السياسي والانتخابي، ولا يمكن فرض أي شيء على الأطراف السياسية بترك هذه المشاركة، فلا يوجد نص دستوري وقانوني يمنع مشاركة أي جهة سياسية خلال المرحلة المقبلة، بل الجميع متفق على مشاركة الجميع بكل القرارات دون تهميش أو إقصاء أي طرف سياسي".
وأكد أن ما طرحه الصدر "سيبقى مطروحاً بشكل افتراضي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لكن في الواقع لا يمكن تطبيق هذه الدعوة، فليس هناك أي جهة سياسية تريد ترك المشهد السياسي والانتخابي، بل كل الأطراف تريد أن تكون جزءاً من المرحلة المقبلة على مختلف الأصعدة".
"قوى التغيير الديمقراطية": دعوة الصدر مدعومة من القوى المدنية
في المقابل، يقول علي طه، القيادي في "قوى التغيير الديمقراطية" الذي يجمع عدداً من قوى تشرين وقوى مدنية، أبرزها "الحزب الشيوعي العراقي"، خلال حديث مع "العربي الجديد"، إن "دعوة الصدر مدعومة بقوة من جميع قوى تشرين والقوى المدنية، وهي تعد من أبرز مطالب هذه القوى، التي تحمّل الطبقة السياسية جميع عمليات الفساد والفشل التي شهدها العراق طوال السنوات الماضية".
وبين طه أن "تطبيق دعوة الصدر على أرض الواقع أمر غير ممكن، لأن الطبقة السياسية مستعدة لفعل أي شيء وكل شيء من أجل ضمان بقاء نفوذها في السلطة والدولة العراقية، ولهذا دعوة الصدر بكل تأكيد ستلاقي رفضاً من جميع الكتل والأحزاب التي تهيمن وتسيطر على الدولة العراقية منذ سنين طويلة"، بحسبه.
وأكد أن جماهير كبيرة من قوى تشرين والقوى المدنية ستكون مؤيدة بقوة من خلال الشارع العراقي لتطبيق دعوة الصدر على أرض الواقع، وأن "المدنيين وجماهير تشرين سيشاركون في أي تصعيد شعبي صدري مرتقب، من أجل تحقيق أبرز المطالب التي اندلعت من أجلها ثورة تشرين".
ورقة ضغط وإحراج للخصوم
وحول ذلك، قال المحلل السياسي أحمد الشريفي لـ"العربي الجديد"، إن دعوة زعيم "التيار الصدري" لانسحاب الكتل والأحزاب المشاركة بالعملية السياسية من العمل الحكومي والانتخابي المقبل "ورقة ضغط وإحراج لخصومه أكثر من كونها قابلة للتحقق".
وبحسب الشريفي، لا يوجد حزب أو كتلة لديها حتى الاستعداد لمناقشة فكرة ترك العمل الحكومي والانتخابي والسياسي، و"هذا الأمر سيلاقي الرفض حتى من قبل حلفاء الصدر في (الحزب الديمقراطي الكردستاني)، وتحالف (السيادة)".
وأضاف أن دعوة الصدر جاءت من أجل الضغط بشكل أكبر على قوى "الإطار التنسيقي" لتنفيذ مطالب "التيار الصدري" بحلّ مجلس النواب والذهاب نحو انتخابات مبكرة. وأشار إلى أن اليومين المقبلين سيشهدان تصعيداً جديداً من قبل الصدريين بعد انتهاء مهلة الصدر التي منحها للقوى السياسية للانسحاب من المشهد المقبل.
يجري ذلك في ظل انسداد الحلول السياسية للأزمة في البلاد، حيث أدت مقاطعة قوى سياسية عراقية بارزة، ومنها "التيار الصدري"، لاجتماع كان مقرراً الخميس الماضي، برعاية رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، إلى تأجيله لإشعار آخر، في خطوة تكشف مدى تعثر الحلول.
ويتضاعف القلق في الشارع العراقي من استمرار الأزمة السياسية الأطول في البلاد منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003، بعد دخول المليشيات والجماعات المسلحة الحليفة لإيران على خط الأزمة، بالاصطفاف مع قوى "الإطار التنسيقي" ضد "التيار الصدري" بزعامة مقتدى الصدر، الذي تصدّر الانتخابات الأخيرة التي أجريت في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي.