العراق: عودة المطالبات بإنهاء مهمات القوات الأميركية من بوابة تشكيل الحكومة

26 أكتوبر 2022
تتولى القوات الأميركية تدريب نظيرتها العراقية (توماس كوكس/فرانس برس)
+ الخط -

مجدداً يُعاد فتح ملف القوات الأميركية العاملة تحت مظلة التحالف الدولي لمحاربة تنظيم "داعش" في العراق، والتي تحولت عملياً، في نهاية العام الماضي، إلى مهام استشارية بدلاً من قتالية بناء على الاتفاق الذي وقعته بغداد وواشنطن في هذا الإطار، بعد 14 شهراً من جولات الحوار بين الطرفين، وضغوط قادتها فصائل وجماعات مسلحة حليفة لإيران على رئيس حكومة تصريف الأعمال مصطفى الكاظمي.

إثارة الملف هذه المرة تأتي من خلال شروط طرحتها في الأيام الماضية قوى داخل تحالف "الإطار التنسيقي" على رئيس الوزراء المكلف محمد شياع السوداني، طالبته بتضمين برنامجه الحكومي فقرة إعادة النظر بالوجود العسكري الغربي عموماً، والأميركي تحديداً، والعمل على إنهائه، وفقاً لما أكده نائبان عن التحالف، وقال أحدهما، لـ"العربي الجديد"، إن "العراق لم يعد بحاجة لتلك القوات"، التي وصفها بـ"احتلال مبطن". 

وتوجد القوات الأميركية، التي أعلن رسمياً عن تحول مهامها إلى استشارية في 31 ديسمبر/ كانون الأول 2021، ضمن الاتفاق الموقع بين البلدين، وبعديد لا يتجاوز ألفي عسكري، في ثلاثة مواقع رئيسية بالعراق، هي قاعدة "عين الأسد"، الواقعة على بعد 130 كيلومتراً من مدينة الرمادي، مركز محافظة الأنبار، غربي البلاد، وقاعدة "حرير"، شمال أربيل، ضمن إقليم كردستان، أقصى شمالي العراق، إلى جانب معسكر "فيكتوريا"، الملاصق لمطار بغداد، والذي توجد فيه وحدة مهام وتحليل معلومات استخبارية.

جنرال عراقي: الطلعات الجوية الأميركية توفر على العراق مبالغ كبيرة

وتتولى تلك القوات برامج تدريب وتأهيل فرق الجيش العراقي وجهاز مكافحة الإرهاب، إلى جانب الإشراف وتوفير الدعم للآليات والأسلحة الأميركية.

العراق يحتاج للغطاء الجوي الأميركي

لكن المهام الرئيسية، والتي يصرّ قادة عراقيون على أنهم ما زالوا بحاجة إليها، هي الغطاء الجوي للطيران الأميركي الذي يوفر المعلومات للقوات العراقية، خصوصاً في ما يتعلق بالصحراء الغربية وسلسلة جبال شمال العراق، وسرعته في الاستجابة وتنفيذ ضربات عبر الانطلاق من قاعدة أنجرليك التركية وقواعد أخرى في الخليج العربي.

ومع قرب انتهاء العام الأول من العمل باتفاق تحويل القوات الأميركية من قتالية إلى استشارية، المبرم في يوليو/تموز 2021 بزيارة الكاظمي إلى واشنطن وعقده سلسلة اجتماعات مع المسؤولين في الإدارة الأميركية، أكد جنرال عراقي بارز في بغداد، لـ"العربي الجديد"، أن بلاده ما زالت بحاجة للوجود الأميركي، وكشف عن أن توصية وزارة الدفاع الأخيرة في هذا الشأن ستكون ملزمة للحكومة المقبلة في مسألة التعاون مع الولايات المتحدة، وأي إخلال بالاتفاق المبرم يعني تحول أسطول طائرات "أف 16" إلى كومة خردة لا يمكن تشغيلها من قبل العراقيين، وكذلك وحدات دبابات "أبرامز" الأميركية.

توفير مبالغ كبيرة على العراق

وشدد على أن "التحالف الدولي والقوات الأميركية توفر على العراق سنوياً مبالغ كبيرة عن طلعات جوية لرصد جيوب داعش، حيث تقوم بهذه المهمة بدلاً عن الطيران العراقي".

وبيّن أن "لدى التحالف الدولي برامج حالياً يقدمها للجيش وجهاز مكافحة الإرهاب وفرقة الرد السريع وقوات البيشمركة، إلى جانب توفير المعلومات والأمور الفنية والتقنية، من الصور والبيانات الجوية للعراق".

إلا أن نائبين عن تحالف "الإطار التنسيقي" أكدا، لـ"العربي الجديد"، "طرح هذا الملف فعلياً على السوداني، وهو إنهاء الوجود العسكري الأميركي على الأرض واستبداله باتفاق تعاون آخر على غرار اتفاقيات بين واشنطن ودول أخرى بالمنطقة لا تستدعي وجود قوات لها في تلك الدول".

وقال نائب إن "السوداني لم يرد على أي من الشروط أو المقترحات التي عرضت عليه في برنامج حكومته حتى الآن"، فيما تحدث آخر عن "معلومات تشير إلى أن حكومة الكاظمي لم تقدم أي معلومات بشأن عديد القوات الموجودة على الأرض فعلياً، وهل جميعهم استشاريون أم قتاليون، ومصير منظومة الباتريوت الأميركية الموجودة حتى الآن في قاعدة عين الأسد".

لقاء بين السوداني والسفيرة الأميركية

وفي ثاني لقاء من نوعه يجمع السوداني بالسفيرة الأميركية ببغداد آلينا رومانوسكي، قال المكتب الحكومي العراقي إن السوداني عقد اجتماعا مع رومانوسكي، أمس الثلاثاء، بحضور قائد قوات التحالف الدولي للحرب على "داعش" بقيادة واشنطن الجنرال ماثيو مكفارلن والوفد المرافق لهما.

وكان السوداني قد بحث، الأسبوع الماضي، مع السفيرة الأميركية لدى العراق آلينا رومانوسكي جملة من الملفات، من بينها التعاون الأمني. وذكر بيان صدر عن مكتب السوداني، وقتها، أن اجتماعاً جرى بين الطرفين، بحثا فيه "تنمية المصالح المشتركة والعمل على تعزيز الأمن والاستقرار في العراق والمنطقة خلال المرحلة المقبلة".

كما شهد اللقاء، بحسب البيان، "تأكيد السوداني على رغبة العراق في ترسيخ علاقة شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة، من خلال تعزيز العمل على اتفاقية الإطار الاستراتيجي في جوانبها المختلفة، الاقتصادية والتعليمية والثقافية والسياسية وقضايا مواجهة آثار التغير المناخي، فضلاً عن التعاون الأمني في مجال تقديم الدعم والمشورة لتمكين القوات الأمنية العراقية".

وعلى أثر لقاء جمع الرئيس الأميركي جو بايدن والكاظمي، في يوليو/ تموز العام الماضي، جرى الاتفاق على إنهاء "المهام القتالية" لقوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق، لتنحصر مهام تلك القوات في التدريب والاستشارة فقط.

حكومة السوداني ستراجع الاتفاق مع واشنطن

من جهته، أشار محمد البصري، عضو تحالف "الفتح" التابع لرئيس منظمة "بدر" هادي العامري، إلى أن "الحكومة الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني ستُراجع ملف الاتفاق الأمني بين بغداد وواشنطن".

وبيّن، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "قوات التحالف تمارس أدواراً مشبوهة في العراق، وهي لا تكتفي بتدريب القوات العراقية أو تقديم الاستشارات كما تدعي، بل إنها تتجاوز أحياناً حدود الأمن العسكري، وتسعى إلى مراقبة نشاطات بعض الأحزاب وفصائل المقاومة الإسلامية وتتبع قادتها. بالتالي فإنها تمثل خطراً على أمن العراق، بعد انتفاء الحاجة إليها وانتهاء تنظيم داعش".

من جهته، بيَّن الخبير الأمني العراقي المقرب من أجهزة الاستخبارات العراقية فاضل أبو رغيف، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "العراق لا يزال بحاجة إلى التحالف الدولي في ملفات التدريب والتسليح".


محمد البصري: حكومة السوداني ستُراجع ملف الاتفاق الأمني بين بغداد وواشنطن
 

وأكد أن "حكومة السوداني تدرك ذلك، رغم وجود جهات تريد أن تُنهي عمل التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق. وبما أن السوداني يريد الانفتاح على العالم، عدا الكيان الصهيوني، فإن العلاقات الطيبة مع الولايات المتحدة الأميركية ودول الخليج العربي والتعاون الأمني سيستمران".

أما العميد المتقاعد في الجيش العراقي عماد علو فقد أوضح أن "هناك تدريبات كثيرة تقوم بها فرق التحالف الدولي للقوات المحلية، تتعلق باستقدام الأسلحة التي تشتريها بغداد وأربيل من واشنطن والاتحاد الأوروبي".

التحالف يدرب العراقيين على صيانة الأسلحة

وأشار إلى أن فرق التحالف الدولي "تدرب القوات العراقية على صيانة الأسلحة، وتطوير القدرات القتالية في قواعد عسكرية مثل عين الأسد وحرير، إضافة إلى تدريبات يقدمها المستشارون المدنيون لإدامة طائرات إف 16 في قاعدة بلد بمحافظة صلاح الدين، وملفات متعلقة بجهاز مكافحة الإرهاب الذي يعتمد بشكل كبير على قوة دلتا الأميركية".

ووقعت الاتفاقية الأمنية بين رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، والرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن، في بغداد، عام 2008، والتي تنص على انسحاب تدريجي للقوات الأميركية من العراق لغاية 2011. لكن الجدل حول جدوى الاتفاقية بقي مستمراً، ليتحول إلى ملف صراع سياسي بين الأحزاب العراقية.

وتضم اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة، المعروفة اختصاراً بـ"صوفا"، 30 مادة. وتبدأ من موضوع الانسحاب الأميركي من البلاد، ومصير الأموال العراقية المودعة في البنك الفيدرالي الأميركي، مروراً بإعفاء العراق من ديونه ومساعدته على إنهاء الديون الدولية الأخرى المترتبة عليه.

كما تتضمن مساعدته للخروج من عقوبات الفصل السابع بالأمم المتحدة التي فرضت على العراق عقب حرب الخليج 1991، انتهاء بإدارة المنطقة الخضراء وتسليم السلطات العراقية مهام أمنها، والتزام واشنطن بالدفاع عن البلد وتدخّلها متى ما استدعت الحاجة ذلك، وهو ما استندت الولايات المتحدة إليه في تدخلها عام 2014، بعد اجتياح تنظيم "داعش" مساحات شاسعة من العراق.