رغم أهمية الخبر الذي أعلن عنه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، قبل أيام، بشأن استعادة المعدات المسروقة من مصفاة بيجي، كبرى مصافي النفط العراقية في محافظة صلاح الدين، شمالي البلاد، بعد أكثر من 6 سنوات على تفكيكها وسرقتها من قبل فصائل مسلحة، عقب استعادة السيطرة على المدينة في العام 2015، إلا أن هذا الإعلان قوبل بمزيد من الأسئلة السياسية حول الجهة المتورطة بسرقة المعدات وكيفية عودتها.
وأعلن السوداني، خلال لقاء جمعه، الأربعاء الماضي، بشيوخ ووجهاء عشائر قضاء بيجي بمحافظة صلاح الدين، استعادة المواد والمعدات المسروقة من مصفاة بيجي (التي أنشئت في العام 1975)، ما أدى إلى تعطيل هذه المنشأة الهامة طيلة السنوات الماضية.
مصادر: سيناريو استعادة معدات مصفاة بيجي غامض بالنسبة للكثير من العاملين في رئاسة الحكومة
وبين السوداني أن المعدات والمواد والأجهزة المفصلية التي تمت استعادتها "يمكن أن تكلفنا عشرات ملايين الدولارات، ولو طلبناها ستحتاج سنوات لتصنيعها، واليوم باتت هذه المواد في الموقع، بما يضمن عودة المصفاة للعمل بكامل طاقتها التصميمية، التي ستجعلنا نكتفي ذاتياً في موضوع المشتقات النفطية".
السوداني: استعادة المعدات جاءت بتعاون من مواطن
وأشار إلى أن "استعادة تلك الأجهزة والمواد المسروقة جاءت بتعاون أحد المواطنين، الذي أعلن استعداده للمساهمة في استعادة المواد التي قد تصل حمولتها إلى 100 شاحنة".
الرواية الوحيدة عن استرداد المصفاة تحدث بها رئيس لجنة النفط والطاقة في البرلمان العراقي هيبت الحلبوسي، إذ أفاد بأن تاجراً من إقليم كردستان العراق، شمال البلاد، كان قد اشترى معدات المصفاة بعد معارك تحريرها من سيطرة تنظيم "داعش"، وأن التاجر خزنها من دون علمه أنها تعود إلى مصفاة بيجي، لكنه أوصى قبيل وفاته بضرورة إرجاعها إلى الحكومة العراقية (عندما علم لاحقاً أنها تعود للمصفاة)".
ولفت إلى أن "الشخص الذي أعاد المعدّات (وهو شقيق التاجر المتوفي)، أخبر السوداني أنهم رفضوا عرضاً من إحدى الدول لشراء تلك المعدات وتسهيل تهريبها إلى تلك الدولة المعينة، لكنهم رفضوا تنفيذاً للوصية".
وأضاف "لكن للأمانة أيضاً، يتوجب عليّ ذكر هذه التفصيلة التي تخص هذا الشخص، فقد كان رافضاً لبيع هذه المواد من الناحية الشرعية حتى قبل اكتشافه أمر الوصية. ففي عام 2018 أو 2019 ذهب إلى النجف وقدم طلباً إلى المرجع الأعلى علي السيستاني، واستفتاه في هذا الموضوع، وجاءت الإجابة على طلبه بالنص التالي "لا يجوز بيع هذه المواد لأنها تابعة للدولة، جُهِد الإمكان محاولة إرجاع المواد إلى أصحابها". كما ذهب الشخص ذاته، بحسب الحلبوسي، إلى مكتب السيد مقتدى الصدر، وتلقى إجابة مماثلة لما تلقاه من مكتب السيستاني.
وقال إنه قبل أربعة أشهر اتصل به أحد الأصدقاء، وقال إن هناك شخصاً يريد مقابلته، "وحدثني بتفاصيل كثيرة (عن معدات المصفاة)، وهو شقيق الشخص الذي اشترى المعدات، والذي توفي عام 2019. ثم جرى الاتصال برئيس الحكومة محمد شياع السوداني الذي طلب منه (من التاجر) الحضور إلى مكتبه، وكان فرحاً جداً باللقاء، ودار حديث طويل عن المصفاة".
وتُتهم "عصائب أهل الحق"، التي يتزعمها قيس الخزعلي، بسرقة معدات المصفاة، وهو ما تنفيه المليشيا باستمرار، رغم أن أنصار التيار الصدري وجهوا اتهامات مباشرة لها بالتورط بتفكيك المصفاة ونقلها خارج العراق، وذلك خلال الأزمة السياسية التي أعقبت انتخابات 2021 وما رافقها من توترات أمنية كبيرة بين الجانبين.
وكانت فصائل "الحشد" قد سيطرت على مدينة بيجي بشكل كامل، وضمنها المصفاة، نهاية العام 2015، بعد معارك استمرت نحو ثلاثة أشهر مع مقاتلي "داعش"، لتتم بعدها مرحلة من عمليات سرقة ونهب طاولت المصفاة.
سيناريو استعادة معدات مصفاة بيجي غامض
في السياق، قالت مصادر قريبة من مكتب السوداني إن "سيناريو استعادة معدات مصفاة بيجي غامض بالنسبة للكثير من العاملين في رئاسة الحكومة وجاء بشكل مفاجئ، وحتى أن زيارة السوداني الأخيرة إلى محافظة صلاح الدين كانت مفاجئة ولم يجر الإعلان قبلها عن أي محطات تضمنتها الزيارة".
وبيّنت المصادر، لـ"العربي الجديد"، أن "أبرز مهندسي هذه القصة هو مستشار بالمكتب الخاص لرئيس الوزراء ومقرب من عصائب أهل الحق، وعمل سابقاً مع إعلام الحشد الشعبي لأكثر من أربع سنوات".
وأضافت المصادر أن "الرواية لم ترق حتى للمسؤولين العراقيين، ولا سيما أنها أضافت مزيداً من الأسئلة إلى قصة سرقة معدات المصفاة الأكبر في العراق، بدلاً من الإجابة عن استفهامات كانت قد طرحتها الأوساط الصحافية والأمنية والتحقيقية، وحتى السياسية". وأوضحت أن "تفسيرات كثيرة تحدث عنها أقطاب رئاسة الحكومة، وتحديداً المسؤولين والمستشارين، وأبرزها أن هذه القصة محاولة غير مجدية لتبرئة مليشيا العصائب".
اتهام "العصائب" بتفكيك مصفاة بيجي
في المقابل، بيَّن العضو في الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في إقليم كردستان وفاء محمد كريم أن "أهالي مدينة بيجي ومحافظة صلاح الدين يعرفون من فكك وصادر المصفاة، وهذا الأمر لا يحتاج إلى حديث طويل لأنه موثق بالأدلة، وأن عناصر عصائب أهل الحق هي التي قامت بهذا الفعل".
وفاء محمد كريم: "عصائب أهل الحق" هي التي فككت وصادرت المصفاة
وأشار إلى أن "بعض المواد التي تمت سرقتها من مصفاة بيجي عبارة عن قطع غيار جديدة وغير مستخدمة، وبعضها مستهلكة، وجرى بيعها عبر أكثر من محافظة، وبعض المواد تم بيعها في السليمانية وخرجت إلى إيران، وهذا كله مثبت لدينا بالصور والوثائق، والكل يعرف بذلك".
وأضاف كريم أن "المواد التي أُعلن عن استعادتها، والتي أظهرتها الصور ومقاطع الفيديو، مواد ومعدات جديدة اشتراها أحد التجار في أربيل، وعند وصولها ومعرفة سلطات إقليم كردستان بمصدر تلك المواد، تم الحجز عليها ومنعه من التصرف بها".
وأشار إلى أن "الحكومة العراقية استعادت معدات مصفاة بيجي الجديدة من التاجر مقابل إعطائه قيمة الأموال التي اشتراها بها من قبل الذين سرقوا المصفاة، ولذلك فإن الحكومة لا تريد أن تكشف التفاصيل ولا اسم التاجر".
لكن ثامر ذيبان، عضو البرلمان العراقي عن حركة "صادقون"، الجناح السياسي لمليشيا "عصائب أهل الحق" بزعامة قيس الخزعلي، رد على تلك المعلومات في اتصال مع "العربي الجديد"، بأن "عصائب أهل الحق تحملت لسنوات الاتهامات من قوى سياسية وبعض وسائل الإعلام وبعض الجهات التي تعتبر نفسها وطنية، وآثرت على نفسها ألا ترد على اتهامات سرقة معدات مصفاة بيجي، لكن الحقيقة ظهرت بعد الإعلان الحكومي الأخير".
وأوضح ذيبان، لـ"العربي الجديد"، أن "الإعلام الممول من الخطوط السياسية والخارجية المناهضة للمقاومة الإسلامية سعى لتشويه سمعة عصائب أهل الحق، لكن مع ذلك فشلوا".
تشغيل مصفاة بيجي سيعزز قدرة العراق الغازية
بدوره، بين الخبير في الشأن النفطي كوفند شيرواني أن "الإعلان عن إعادة تشغيل مصفاة بيجي بكامل طاقتها الإنتاجية، سوف يدفع نحو الاكتفاء الذاتي الداخلي لمنع أي استيراد للمشتقات النفطية، وهذا الأمر سيعزز قدرة العراق الغازية".
وأوضح شيرواني، لـ"العربي الجديد"، أن "الحكومة العراقية الحالية لديها توجه حقيقي نحو تطوير القطاع النفطي على مختلف الأصعدة، خصوصاً بما يتعلق بقضية الغاز، من أجل توفير الغاز للمحطات الكهربائية وإيقاف أي استيراد للغاز الإيراني، وهذا الأمر سيوفر أموالاً طائلة جداً على خزينة الدولة العراقية".
وأضاف شيرواني أن "عودة تشغيل مصفاة بيجي قد تستغرق أكثر من عامين، لكن الأهم من ذلك وجود دعم سياسي لهذا التوجه، وعدم وضع أي معرقلات لإعادة هذه المصفاة للعمل، وهذا الأمر وارد لأهداف سياسية من أجل إبقاء العراق يستورد الغاز من إيران".
وسبق أن أكدت الحكومة العراقية أنه سيتم تشغيل المصفاة قريباً لتعمل بطاقتها التصميمية التي تقدر بـ150 ألف برميل نفط يومياً، مشيرة إلى أن ذلك سيغلق باب استيراد مشتقات النفط. وتعتبر مصفاة بيجي الأكبر في العراق، إذ كانت تقدر طاقتها الإنتاجية بمعالجة 310 آلاف برميل يومياً. واحتل تنظيم "داعش" المصفاة في مايو/ أيار 2014 بعد سيطرته على قضاء بيجي.