- الأمراء الأيزيديون يحظون بدعم من أحزاب سياسية، ما يضع شكوكاً حول شرعيتهم ويعكس التعقيدات السياسية والدينية داخل المجتمع الأيزيدي.
- الصراع على الإمارة والدعم السياسي يعمق مشاكل الأيزيديين، مهدداً وحدتهم وجهود إعادة الإعمار والتصدي لتحديات النزوح وتغيير قضيتهم العالمية.
صار لديانة الأيزيديين في العراق والعالم خمسة أمراء، بعد الإعلان عن تنصيب أمير جديد، الشهر الماضي، لتتعمق بذلك الخلافات داخل المكون الأيزيدي الذي يعاني التهميش والتشتيت والنزوح، على الرغم من وجود أربعة أمراء متوزعين في بلدان متفرقة، فيما قال نشطاء وصحافيون من الأيزيديين إن هؤلاء الأمراء لا يمثلون الشعب الأيزيدي، بل إنهم يبحثون عن المصالح المادية، بدعمٍ من أحزاب سياسية تريد السيطرة على القرار السياسي الأيزيدي.
ونصّب سالم نجمان داود بك، نفسه أميراً جديداً في مراسيم جرت منتصف إبريل/نيسان الماضي، في العاصمة بغداد، سبقه بفترة قصيرة، تنصيب أميرين آخرين في مدينتي شيخان وسنجار بمحافظة نينوى. وقال سالم في تصريحات إنه "نال موافقة الحكومة الاتحادية قبل أن يصبح أميراً، ولديه وثائق وأدلة رسمية تثبت تنصيبه أميراً". ولاقى هذا التنصيب امتعاضاً من قبل وجهاء ومواطنين من المكون الأيزيدي العراقي، قالوا إن جهات سياسية تقف خلف تنصيب سالم أميرا خامسا على الأيزيديين ومن دون دعمٍ شعبي أو ديني.
مصادر أيزيدية: الأمراء الحاليون حصلوا على دعم من أحزاب سياسية من بغداد وإقليم كردستان
ويوجد حالياً خمسة أمراء أيزيديين في العراق والعالم، هم حازم تحسين بك، الذي تم تعيينه في معبد لالش في مدينة شيخان، وأنور معاوية، ونايف بن داود، وأمية معاوية، الذي أعلن نفسه أميراً على الأيزيديين في ألمانيا وأوروبا، وسالم نجمان هو الأحدث بين الأمراء، وتم دعمه من بعض الأيزيديين في بغداد. ووفق العرف الأيزيدي، فإن انتخاب الأمير للديانة في العراق والعالم يكون عبر تحديد مرشح من داخل العائلة الأميرية، فيما تكون الكلمة النهائية للمجلس الروحاني، الذي يضم إدارة شؤون الأيزيديين وهي مؤسسة تضم مناصب منها "بابا شيخ" و"الشيخ الوزير"، و"رئيس القوالين".
وتتلخص مهام "الأمير" في الديانة الأيزيدية، التي تعتبر إحدى الديانات غير التبشيرية القديمة في العراق، بكونه ممثلاً عن أبناء الديانة في جميع الأنشطة والفعاليات، وله سلطة اتخاذ قرارات باسمهم. وتنحصر شروط الاختيار في أن يكون من العائلة الأميرية التي باتت تتفرع اليوم إلى 24 عائلة، ويجب أن يحصل المُرشح للمنصب على غالبية أصوات العائلات الأربع والعشرين. لكن من ناحية الاستفتاء في شؤون الدين فإن "بابا الشيخ"، هو من يتولى هذه المهمة، ويجري اختياره بناء على تكليف من العوائل الأميرية المكلفة.
إضعاف لموقف الأيزيديين
ويتحدث أيزيديون أن السباق على إمارة الأيزيديين البالغ عددهم في العراق نحو 400 ألف شخص، ويتركزون في سنجار غرب نينوى على الحدود مع سورية، زاد من مشاكل المكون المرهق بالتشتيت والنزوح، فيما يذهب آخرون إلى أن ما يحصل من تنافس وتشظ يشبه "إبادة جديدة" ويمثل إضعافاً للموقف الأيزيدي.
وبحسب مصادر أيزيدية مطلعة على كواليس الإمارات الأيزيدية، فإن "الأمراء الحاليين حصلوا على دعم من أحزاب سياسية من بغداد وإقليم كردستان، من أجل السيطرة على الرأي السياسي للمكون العراقي القديم". وأوضحت، لـ"العربي الجديد"، أن "الأمير حازم تحسين بك، يُعتبر من المقربين للحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في إقليم كردستان، أما أنور معاوية فهو يقترب كثيراً من حزب سنّي نافذ في بغداد، وأما البقية فهم قريبون من أحزاب داخل تحالف الإطار التنسيقي الذي يدير الحكومة العراقية الحالية".
من جهته، أكد الناشط السياسي الأيزيدي نصر حاجي الدوملي أن "الأمير الفعلي والحقيقي للأيزيديين هو حازم تحسين سعيد علي بك، وقد تم انتخابه ضمن آليات أيزيدية معمول بها منذ القدم، ومن خلال أعراف الديانة الأيزيدية وبمباركة بيت الإمارة، وتنصيبه في معبد لالش بحضور المجلس الروحاني، على عكس الآخرين الذين أعلنوا أنفسهم أمراء". ولم ينف الدوملي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، وجود تدخلات سياسية، و"يتضح ذلك عندما نرى تنصيب شخص في بغداد، وأغلبية الحضور من غير الأيزيديين". وأضاف أن "هناك أجندات غير أيزيدية تسعى للتأثير على الأيزيديين وجهات معينة تدفع باتجاه تغيير موضوع القضية الأيزيدية التي باتت عالمية ودولية، وتشتيت مكون الأيزيديين وتغييب مطالبه وخلق زعزعة، كما حدث في حالة تنصيب سالم نجمان".
تسابق على الموقع لأسباب مادية
من جهته، بيَّن الصحافي الأيزيدي العراقي سامان داود أن "الأمراء الخمسة، أغلبهم قاموا بإعلان تنصيب أنفسهم على الأيزيديين ومن دون الرجوع إلى الشعب، وهم يتبعون جهات سياسية مختلفة، وهناك تسابق واهتمام بهذا الموقع لأسباب مادية، لأن مداخيل مالية تصل إلى قرابة المليار دينار عراقي كل سنة في معبد لالش، وهو حالياً بيد الأمير حازم تحسين بك، وهو مدعوم من السلطات الكردية بشكلٍ كبير، أما بقية الأمراء فتدعمهم أحزاب سنّية وشيعية".
سامان داود: كثرة الأمراء تؤدي إلى إضعاف الأيزيديين وتسهل عملية تشتيتهم
وأضاف داود، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "دعم الأحزاب السياسية للأمراء يهدف إلى السيطرة على الرأي السياسي الأيزيدي، خصوصاً أن كل أمير بات يتخذ اتجاهاً سياسياً معيناً، حتى وإن كان يضر بالأيزيديين، وهذا الأمر أدى إلى تشتت كبير على الأيزيديين وهو استمرار لما فعله تنظيم داعش بهم. ويمكن وصف ما يحدث حالياً على أنه إبادة من نوع آخر". وتابع أن "كثرة الأمراء تؤدي إلى إضعاف الأيزيديين أكثر من السابق، وتسهل عملية تشتيتهم، وتجعل الأيزيديين في بغداد وإقليم كردستان أضعف، والحكومات العراقية تتحمل المسؤولية".
وتأتي هذه الخلافات وزيادة عدد الأمراء في وقتٍ لم تعد فيه آلاف العوائل الأيزيدية النازحة إلى ديارها، بسبب احتلال تنظيم داعش لمحافظة نينوى وارتكابه أفظع الجرائم في بلدة سنجار، فيما لا يزال مصير أكثر من ألفي مختطف مجهولاً. وتعاني سنجار من الدمار وتعدد الإدارات، وجرّاء ذلك تزداد طلبات هجرة الأيزيديين إلى دول الاتحاد الأوروبي، وبلدان أخرى مثل كندا، بسبب الصعوبات التي يواجهونها في مناطقهم.