يواجه تحالف "الفتح"، الذي يمثل الواجهة السياسية لفصائل "الحشد الشعبي" في العراق، تحديات تهدد بتشظيه وخروج عدد من الكتل المنضوية فيه منه، قبيل الانتخابات المقرر إجراؤها في 10 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، وذلك بحسب مصادر من داخل التحالف تحدثت لـ"العربي الجديد". وأشارت المصادر إلى وجود خلافات وصفتها بـ"غير السهلة"، بين قادة الكتل السياسية داخل التحالف، عدا عن بروز رغبة لأطراف فيه، بالمشاركة في الانتخابات خارج التحالف، بسبب مخاوف من تراجع حظوظها في الحصول على عدد المقاعد المنشود في البرلمان المقبل، جرّاء تراجع صورة التكتل السياسي، بسبب الاتهامات الموجهة لعدد من الفصائل التي تتبع "الحشد" بقمع المتظاهرين وتصفية ناشطين خلال الاحتجاجات التي اجتاحت مدن جنوب ووسط العراق والعاصمة بغداد نهاية عام 2019، وهو ما تنفيه بشدة تلك الفصائل.
وخلال الأشهر الماضية، برزت خلافات حادة داخل تحالف "الفتح"، الذي يضم كتلاً سياسية مهمة عدة، أبرزها "بدر"، "صادقون"، "سند"، "عطاء"، و"المجلس الإسلامي الأعلى"، وكلها تمتلك أجنحة مسلحة تعمل ضمن هيئة "الحشد الشعبي". وكان التحالف قد حصل على 48 مقعداً في البرلمان في الانتخابات الماضية. وتتمحور الخلافات حول ملفات مرتبطة بطبيعة التعامل مع ملف الوجود الأميركي، واستمرار التصعيد ضدّ واشنطن في العراق، والانفتاح العراقي على السعودية، فضلاً عن مسألة منح فرصة لحكومة مصطفى الكاظمي للعمل على العبور بالبلاد إلى مرحلة ما بعد الانتخابات المبكرة، عدا عن خلافات داخلية برزت خلال تفاهمات القوى السياسية على تحديد وتسمية الدوائر الانتخابية الثلاث والثمانين ضمن قانون الانتخابات.
هادي العامري يتولى حراكاً من أجل الاستمرار بمكونات التحالف ذاتها في الانتخابات المقبلة
وبحسب مصادر سياسية تابعة لكتلة "سند"، التي يديرها القيادي في الحشد الشعبي، أحمد الأسدي، والمنضوية ضمن تحالف "الفتح"، فإنّ رئيس منظمة "بدر" هادي العامري، يتولى حراكاً من خلال استضافته في منزله قيادات عدة في التحالف، من أجل الاستمرار بالمشروع نفسه والمكونات ذاتها في الانتخابات المقبلة، وهناك تدخل لشخصيات إيرانية كذلك، من أجل التأكيد على دخول تحالف "الفتح" موحداً في انتخابات أكتوبر، وحل الخلافات بين منظمة "بدر" وحركة "عصائب أهل الحق" داخل التحالف الواحد.
وكشفت المصادر لـ"العربي الجديد"، أنّ "المجلس الإسلامي الأعلى"، أحد كتل التحالف الرئيسة، "قد يكون أول من يخرج من التحالف للمشاركة بمفرده في الانتخابات"، موضحةً أنّ "احتمالات دخول كتلة دولة القانون بزعامة نوري المالكي، مع الفتح بقائمة واحدة، لم تعد مطروحة، وهناك عملياً حالة تنافس بين الطرفين، على جذب الشخصيات والواجهات الاجتماعية في الجنوب".
من جانبه، أقرّ القيادي في "الحشد الشعبي"، سعد السعدي، في حديث مع "العربي الجديد"، بوجود ما وصفها بـ"خلافات في وجهات النظر بين الكيانات السياسية المنضوية في تحالف الفتح"، إلا أنه أكد أنها "لا تمثّل تهديداً لوحدة التحالف أو عقبة في المضي بمشروعه السياسي". وأضاف: "الفتح لديه جماهير، وهذه الجماهير إسلامية وثابتة في دعم الخيّرين من أبناء الخط الجهادي، والسياسيين غير الملوثين بأي فساد مالي أو إداري"، معتبراً أنّ "الانتخابات المقبلة ستشهد حظوظاً جيّدة لتحالف الفتح، كما أن قادة التحالف سيكونون أكثر حكمة في عدم التعامل مع بعض الوجوه غير المرغوبة من قبل الشعب العراقي".
بدوره، أكد عضو البرلمان العراقي السابق رزاق الحيدري، أنّ "تحالف الفتح وغيره من التحالفات السياسية والكيانات والأحزاب، تعرضت للتصدع بفعل ما أفرزته التظاهرات، من زيادة في منسوب الغضب والوعي بأهمية التوجه نحو اختيار ممثلين ووجوه جديدة". وتابع في حديث مع "العربي الجديد" أن "تحالف الفتح هو أحد الجهات التي قد تتأثر على مستوى التشكيل السياسي، وربما على مستوى النتائج أيضاً في الانتخابات المقبلة".
"المجلس الإسلامي الأعلى" قد يكون أول الخارجين من التحالف
واعتبر الحيدري أنّ "الكيانات والأحزاب السياسية الحالية عليها مدّ جسور الثقة بينها وبين الشعب العراقي الذي فقد الثقة تماماً بكل المسميات والفعاليات الديمقراطية، بسبب عمليات الفساد المالي والإداري، وبالتالي فهي أمام حالة وجودية صعبة، لكن بطبيعة الحال لا تزال هذه الكيانات لديها جماهير".
لكن الباحث والمحلل السياسي العراقي غالب الشابندر، رأى في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "الكيانات السياسية الشيعية، وتحديداً التي تعتمد على الحشد الشعبي كقوة شعبية وعسكرية، لا تمتلك خياراً غير الالتئام، سواء قبل الانتخابات أو من خلال التحالفات التي تتشكل بعد إعلان النتائج، وذلك من أجل تشكيل الحكومة وتقاسم المناصب"، معتبراً أن "هذه الكيانات تروّج لفكرة أنها تحمي العراق، في حين أنها لا تمتلك أي برامج سياسية واضحة أو مناهج انتخابية مقنعة بالنسبة للناخبين". وأوضح أن "هناك استغلالاً انتخابياً وسياسياً للحشد الشعبي، وهو ما يُخالف أساس تشكيل هذه القوة الأمنية التي كان من المفترض أن تبقى وظيفتها عسكرية لحماية الأراضي العراقية والدفاع عنها ومواجهة التنظيمات الإرهابية، ولكن هناك أطراف داخلية وخارجية عملت على حرف القوة الشعبية المقهورة، والتي تعاني من مشاكل خدمية وحياتية، إلى مشاريع سياسية تخدم جهات محددة، وتنال حصصا في الدولة العراقية".
من جهته، اعتبر الناشط السياسي المدني عمار النعيمي، أنّ "مستقبل تحالف الفتح ومصيره، يتوقف على العراقيين أنفسهم في الانتخابات المقبلة". وأشار في حديث مع "العربي الجديد"، إلى تأثير عوامل عدة على التحالف "كالتسريبات المتكررة حول أن التجمع السياسي لفصائل الحشد الشعبي (تحالف الفتح) يشهد تراجعاً من حيث الجماهيرية، فضلاً عن الخلافات الداخلية، إضافة إلى الابتعاد الدولي عنه، إذ إن التظاهرات أضعفت كثيراً كل الأحزاب السياسية التي تمتلك أجنحة مسلحة، بعدما باتت الأخيرة تهدد السلم المجتمعي والتظاهر السلمي، وحتى الفعاليات السياسية التي يؤسسها المدنيون والعلمانيون في البلاد". واعتبر أنّ "وجود تحالف الفتح أو غيره في العملية السياسية بأي شكل من الأشكال، سيعتمد على وعي العراقيين، الذي نعوّل عليه كثيراً، كونه الأداة الوحيدة التي يمكن من خلالها التغيير اليوم".