على عكس القوى السياسية الدينية النافذة في العراق والتي باشرت بالاتحاد عبر صناعة تحالفات سياسية قوية لخوض الانتخابات المقررة في 10 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، تشهد التكتلات والقوى السياسية المدنية والعلمانية خلافات واسعة على مستوى تنظيم صفوفها والدخول في تحالفات مماثلة، أو اختيار وتوزيع ممثليها بين المحافظات والترويج لمشروعها.
ويعزو مراقبون وممثلون من تلك الكيانات، التي تشكَّل أغلبها عقب الاحتجاجات الشعبية التي عمت مدن جنوب العراق ووسطه والعاصمة بغداد، ذلك إلى وجود خلافات شخصية بين تلك القوى المدنية، تنعكس في الفترة الأخيرة على مسألة توحدها أمام القوى الإسلامية الشيعية والسنية المهيمنة على المشهد السياسي بعد عام 2003. وتشهد الانتخابات المقبلة كثافة في عدد المرشحين لخوض السباق على المقاعد البرلمانية من جهة، وأعداد التحالفات من جهة أخرى. وأعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، أنها "صادقت على 44 تحالفاً و267 حزباً، وجميعها أحزاب مرخصة تمتلك شهادات تأسيس. بالتالي بلغ مجموع المرشحين نحو 3523 مرشحاً لغاية الآن، منهم 1002 مرشح قدمتهم التحالفات، والأحزاب قدمت 1634 مرشحاً. أما المرشحون المستقلون فعددهم 887 مرشحاً، ومن ضمن العدد الكلي للمرشحين تمت مراعاة الكوتا النسائية بواقع 25 في المائة، مع وجود 963 مرشحة". وأشارت إلى أن "عدد المرشحين الحالي ليس نهائياً، بانتظار اكتمال إجراءات التحقق وورودها إلى المفوضية، حول أهلية كل مرشح على حدة، فقد يكون على أحد المرشحين جنحة ما أو شهادة مزورة. وبعد كل ذلك، سيصادق مجلس المفوضين بطبيعة الحال، على الأسماء النهائية للمرشحين".
بلغ مجموع المرشحين نحو 3523 مرشحاً لغاية الآن
وكشفت مصادر سياسية مطلعة على عمل المفوضية لـ"العربي الجديد"، أن "نحو 85 في المائة من عدد المرشحين في الانتخابات البرلمانية المقبلة، ينتمون للأحزاب والقوى السياسية النافذة في البلاد. أما العدد المتبقي فهو لمرشحي القوى المدنية الجديدة، التي سجلت نفسها أخيراً كقوى ناشئة عقب احتجاجات أكتوبر/تشرين الأول 2019". وأوضحت أن "معظم الأحزاب التقليدية وضعت الخطط المستقبلية لإجراء التحالفات بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات، في حين تغيب إلى حد الآن الرؤية السياسية لدى الكيانات المدنية، القديمة والجديدة".
ولفتت المصادر إلى أن "نحو 30 كياناً سياسياً من بين المسجلين لدى المفوضية يعتمد على مبادئ ومخرجات تظاهرات تشرين، إلا أن الحقيقي منها والذي يمثل المتظاهرين والناشطين هو أقل من 10 كيانات، أبرزها البيت الوطني وحركة نازل آخذ حقي والمدّ وامتداد". وأشارت إلى أنه "توجد بين هذه الحركات البارزة خلافات معظمها تندرج في إطار عدم الانسجام الشخصي، واختلافات بوجهات النظر. وحركة امتداد، التي يقودها ناشطون من مدينة الناصرية بمحافظة ذي قار، جنوبي العراق، تؤيد الدخول في الانتخابات عبر مرشحين عنها، إلا أن حركة البيت الوطني لا تزال مترددة وتجد التأني خياراً جيداً، لا سيما أنها تنتظر تحقيق بعض مطالب المتظاهرين التي تتلخص بحصر السلاح بيد الدولة، إضافة إلى إيجاد البيئة الانتخابية الآمنة، وحماية المرشحين المدنيين. وبالتالي فإن من الصعب الحديث عن تحالفات حالية أو مستقبلية بين الكيانات المدنية". واعتبرت أن "بقاء هذه الحركات في حالة التشرذم الحالية، قد لا يسعفها في الحصول على مقاعد مناسبة في البرلمان، تناسب توجّه الشارع ونقمته على الأحزاب الدينية".
في السياق، قال عضو حركة "امتداد"، سلام الموسوي لـ"العربي الجديد"، إن "التغيير عبر الانتخابات هو الأسلم من الناحية التطبيقية بالنسبة لجميع الناشطين، لكنه الأخطر في الوقت نفسه. وهناك من الجمهور من يطلب منّا مواقف حازمة بوجه الأحزاب التقليدية، وصناعة تحالفات مدنية، وفي الوقت نفسه فإن معظم قادة الكيانات الجديدة، لا سيما في مناطق جنوب العراق، هم حالياً في أربيل، عاصمة إقليم كردستان، بسبب التهديدات التي تطلقها الجماعات المسلحة والمليشيات".
وأوضح أن "هناك اختلافات بوجهات النظر بين الحركات السياسية الجديدة، ولكن السبب الرئيسي الذي يمنع استكمال إجراءات التحالفات، هو عدم وجود البيئة الآمنة لإجراء الانتخابات التي كان رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي قد وعد بها. كما أن الأحزاب التقليدية وما تمتلك من أذرع مسلحة تحرم الناشطين العراقيين من تنسيق أعمالهم وتحالفهم، لأنها تدرك حجم خطورة المستقبل السياسي بالنسبة لقوى السلاح".
التغيير عبر الانتخابات هو الأسلم من الناحية التطبيقية بالنسبة لجميع الناشطين
من جهتها، بيَّنت رئيسة "الجبهة المدنية العراقية" النائب السابق في البرلمان، شروق العبايجي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "أحزاب السلطة في العراق منذ 2005 وإلى الآن متمرسة بإدارة الانتخابات وفق مصالحها ولديها الأدوات لخدمتها. وهي تتحضر للانتخابات بشكل قوي من الناحية العملية للسيطرة على العملية الانتخابية، وليس لديها أي مشاعر لحل مشاكل العراقيين أو مراعاة مخرجات التظاهرات". وأضافت أن "الأحزاب رتبت جميع أوراقها لصناعة التحالفات الانتخابية والسياسية المستقبلية، بما يخدم طموحاتها في نيل مزيدٍ من المناصب والاستيلاء على أموال الدولة، على عكس القوى المدنية والوطنية التي تريد التغيير عبر الوسائل السلمية ومن ضمنها الانتخابات. وهذا هو سبب التأخر في إعلان التحالفات بين القوى المدنية. كما أن شروط سلامة الانتخابات من ناحية آليات وأجهزة احتساب الأصوات لا تزال غير واضحة، ناهيك عن عدم تحقق ملفات محاسبة قتلة المتظاهرين الذي يُعد شرطاً أساسياً لضمان عدم تكرار مجازر بالناشطين والمتظاهرين".
ولفتت إلى أن "الأحزاب التقليدية تمكنت أيضاً من تأسيس كيانات سياسية لركوب موجة تظاهرات تشرين سياسياً، من خلال المشاركة بالانتخابات المقبلة مستغلة العناوين والشعارات التي طرحها المتظاهرون خلال السنوات الماضية، وهذا الأمر يُشكل هو الآخر إحراجاً للمتظاهرين". ولفتت إلى أن "بعض الكيانات السياسية الجديدة مترددة في التحالف مع أي طرف آخر يتفق معها بالتوجه السياسي، بسبب تماهي بعض الكيانات الجديدة مع أحزاب السلطة".
ولا تنطبق حالة الانقسام على القوى المدنية الجديدة فقط، بل إن القوى المدنية القديمة والمعروفة اختارت هي الأخرى الانزواء في تحالفات ضيقة، مثل الحزب الشيوعي العراقي، الذي كان قد تحالف عام 2018 مع "التيار الصدري" بزعامة مقتدى الصدر. لكنه اختار في هذه الانتخابات اللجوء إلى للتحالف مع قوى غير معروفة مثل "التيار الاجتماعي الديمقراطي"، وكذلك "حزب البصمة"، لكي يتأسس من خلال ذلك "التحالف المدني الديمقراطي" برئاسة علي الرفيعي، الذي قال لـ"العربي الجديد"، إنه "يستعد للانتخابات عبر تقديم مرشحين سيُشاركون في السباق نحو البرلمان". وأوضح أن "القوى السياسية المنحدرة من تظاهرات تشرين لم تتمكن من بلورة أفكارها السياسية بعد، ولا حتى خيار المشاركة في الانتخابات أو عدمها، كما أن بعضها فضّل التحالف مع قوى تقليدية، كما حصل مع كيانين سياسيين من تشرين توجّها للتحالف مع كيان قوة الدولة المدعوم من عمار الحكيم وحيدر العبادي".