شهدت الساعات الأخيرة تطورات جديدة في المشهد السياسي المتأزم في العراق منذ ما يزيد عن خمسة أشهر، والمتعلق بالخلافات الحادة حول تشكيل الحكومة الجديدة، إذ أطلق تحالف "الإطار التنسيقي" حراكاً جديداً يستهدف مختلف القوى السياسية التي لديها تمثيل داخل البرلمان، لعرض مبادرة جديدة لا يبدو أنها تختلف كثيرا عن سابقتها.
وما يزال التحالف المدعوم من طهران مصرا على شرط تشكيل الكتلة الكبرى التي خولها الدستور بتشكيل الحكومة، من خلال الكتل السياسية الشيعية حصرا، ويتم بعد ذلك التفاوض على شكل الحكومة المقبلة ورئيسها وبرنامجها، وهو ما يرفضه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذي ذهب الشهر الماضي في تحالف عابر للهويات الطائفية، بشراكته مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، وتحالف "السيادة"، بعدد مقاعد بلغ نحو 180 نائبا.
وحتى ساعة متأخرة من ليلة أمس السبت، واصل زعماء تحالف "الإطار التنسيقي" اجتماعا في بغداد استمر عدة ساعات، انتهى ببيان أكد فيه استعداده للحوار مع جميع الكتل والنواب المستقلين للخروج من الأزمة الحالية، داعياً إلى "تحمل المسؤولية وعدم الإصرار على معادلة كسر الإرادات التي من شأنها أن تزيد المشهد تعقيدا بدون جدوى، والمتضرر الوحيد منها هو الشعب العراقي".
ولخص مبادرته بعدة نقاط، أبرزها "تسجيل الكتلة الأكثر عددا من الطرفين (الإطار التنسيقي والتيار الصدري) لضمان حق المكون (المكون الشيعي)، واكتمال الاستحقاق الوطني للمكونات الأخرى بالرئاسات الثلاث"، وفقا للبيان، مبيناً أنه "بعد إعلان الكتلة الأكثر عددا يتم الاتفاق على المرشح لمنصب رئيس الوزراء وفق الشروط والمعايير المطلوبة، كالكفاءة والنزاهة والاستقلالية، ويكون ذلك عبر لجنة مشتركة من الإطار التنسيقي والكتلة الصدرية".
ولا تحمل مبادرة "الإطار التنسيقي" أي جديد عن الأسابيع الماضية، إذ إن أساس الخلاف الحالي داخل العملية السياسية العراقية هو إصرار التحالف على فكرة العودة إلى البيوتات الطائفية واختيار حكومة توافقية، وهو ما يجده الصدر وحلفاؤه "غير صالح، كما لا يمكن تكرار أخطاء الحكومات السابقة"، مشددا على تجربة الاعتماد على مخرجات الانتخابات بمفهوم حكومة الأغلبية.
النائب محمد الزيادي، عضو تحالف "دولة القانون"، الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، قال اليوم الأحد للصحافيين في بغداد، إن "الإطار التنسيقي سلم الكتل السياسية مبادرته، وإنه ينتظر اليوم أو غدا الرد عليها لغرض بدء المشاورات السريعة قبل موعد السادس من إبريل/ نيسان الحالي". وأضاف أن "جلسة انتخاب رئيس الجمهورية لن تُحدد ما لم نصل إلى اتفاق لغرض حسم جميع الأمور، حينها يمكن إعلان موعد اختيار الرئيس".
وفيما اعتبر عضو تحالف "الإطار التنسيقي"، كاظم الحيدري، أنه "لا مانع من ذهاب مقتدى الصدر وحده إلى المعارضة"، في تلميح آخر إلى أن القوى السياسية المنضوية ضمن هذا التحالف تسعى لقبول رهان زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، بتشكيل حكومة خلال مدة أربعين يوما.
وأضاف الحيدري، في تصريحات صحافية، أنه لا توجد أي مبادرات إيجابية حتى الآن تتعلق بالمبادرة السياسية التي أطلقتها قوى "الإطار التنسيقي".
في المقابل، قال قيادي في تحالف "السيادة"، الذي يقدم نفسه ممثلا سياسيا عن العرب السنة في العراق، لـ"العربي الجديد"، إن "الموقف ثابت في تحالفهم مع الصدر"، وأضاف، في اتصال هاتفي طالبا عدم ذكر اسمه، أن "العراق يستحق أن يخرج من خانة المحاصصة الطائفية والقومية والذهاب لفضاء أوسع. نحن نثق بمشروع الصدر، ولن نذهب بأي خيار آخر بعيدا عن تحالفنا"، في إشارة إلى تحالف "إنقاذ وطن"، الذي يضم التيار الصدري والحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف "السيادة".
التيار الصدري يتمسك بخيار "الأغلبية الحاكمة"
وجدد التيار الصدري أنه لن يكون جزءاً من أية حكومة توافقية، وأنه متمسك بدعم خيار الأغلبية الحاكمة والأقلية المعارضة.
وقال النائب عن التيار، أحمد الربيعي، في تصريح لقناة العراقية الرسمية، إن "الصدر يرى أنه من الضروري تعديل سلوك العملية السياسية وفق منهاج يضمن ديمومتها وسلامتها، تعطي نتائج التنمية والخدمة للشعب العراقي، لكن دون العودة لمنهج التوافقات، لأنه لن يأتي بتغيير يلبي طموح العراقيين".
وشدد على أن "دعوة الصدر للإطار التنسيقي بتشكيل الحكومة لا تعني اعتزاله للعمل السياسي، بل هو يعطي الإطار فرصة لتشكيل الأغلبية إن استطاع"، مؤكدا أن "التيار الصدري لن يدخل بأية حكومة توافقية، وهو يريد تشكيل الحكومة وفق آلية منتجة عبر أغلبية حاكمة وأقلية معارضة". وأضاف: "لا نريد تعطيل العملية السياسية، بل نريد أن تكون هناك أغلبية وطنية، وإعطاء فرصة لمن يقولون إن لديهم حلولا، وسنسمح بكل ما فيه مصلحة الوطن".
يجري ذلك على إثر فشل البرلمان العراقي، للمرة الثانية على التوالي خلال أقل من أسبوع، في المضي بجلسة انتخاب رئيس جديد للبلاد، بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني المطلوب لعقدها بواقع 220 نائباً من أصل 329 نائباً.
العامري يتهم لندن بالتدخل في الأزمة
في السياق ذاته، اتهم زعيم تحالف "الفتح"، الجناح السياسي لـ"الحشد الشعبي"، هادي العامري، بريطانيا بالتدخل في الأزمة السياسية العراقية الحالية. وقال بيان لمكتب العامري عقب لقاء الأخير مع السفير البريطاني في بغداد مارك باريسون ريتشاردسون، إن العامري أكد خلال استقباله سفير المملكة المتحدة لدى العراق مارك برايسون-ريتشاردسون في مكتبه ببغداد، أن "العملية السياسية منذ 2003 إلى اليوم بنيت على ثلاثة مرتكزات رئيسية، هي الاتفاق والشراكة والتوازن".
وحسب البيان، فإن العامري أبلغ السفير البريطاني أنه "لدينا معلومات من جهات مخابراتية أجنبية تؤكد تدخلكم المستمر في الوضع السياسي"، وفقا لقوله، مضيفا أن "عدم الاستقرار السياسي يولد عدم استقرار أمني، وبالتالي أخشى من الرجوع إلى الفترات التي آلمت العراق".