العراق: توظيف سياسي لفاجعة حريق مستشفى الناصرية

15 يوليو 2021
من تشييع ضحايا الحريق (كرار عيسى/الأناضول)
+ الخط -

مع استمرار عمليات جمع رفات وجثث ضحايا الحريق الذي اندلع ليلة الإثنين الماضي في مستشفى الحسين، في مدينة الناصرية، جنوبي العراق، وأفضى إلى مقتل وإصابة العشرات في حصيلة ما زالت غير نهائية، خرجت إلى الأضواء حالة غير جديدة على العراق بعد كل فاجعة من هذا القبيل، وتدور حول ما إذا كان الحريق مفتعلاً أو أنه حادث عرضي. وزاد هذا الجدل بيان لكتلة "سائرون"، التابعة للزعيم الديني مقتدى الصدر، والتي اتهمت فيه "الأيادي الخبيثة" بالتسبّب بحريق المستشفى، مطالبة بمحاسبتها. أعقبت ذلك تصريحات لنواب في البرلمان لمحوا فيها إلى وجود شبهات بأن الحريق مفتعل لأسباب سياسية تتعلق بالصراع الحالي والانتخابات المقررة في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، وأحد هؤلاء النائب نعيم العبودي، الذي قال إن "شخصية أمنية كبيرة أبلغتني قبل أسبوعين بأنه ربما تكون هناك استهدافات للمستشفيات".

ويُعتبر هذا الحريق الثاني من نوعه خلال أقل من 3 أشهر، عقب حريق مستشفى "ابن الخطيب" في بغداد، نهاية إبريل/ نيسان الماضي، وذهب ضحية ذلك أكثر من 100 شخص، وتبعته استقالة وزير الصحة حسن التميمي. إلا أن الحريق الأخير انتهى بتغيير مسؤول صحة محافظة ذي قار صدام الطويل، التابع لـ"التيار الصدري"، وتعيين سعدي الماجد مكانه، والذي كان قد ترشح في انتخابات 2018 البرلمانية إلى جانب تحالف "الفتح" الذي يمثّل الجناح السياسي لفصائل "الحشد الشعبي".


مسؤول في مكتب الكاظمي: التحقيقات أكدت عدم وجود أي شبهة جنائية في الحريق

 

وكشف مسؤول عراقي رفيع المستوى في مكتب رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، لـ"العربي الجديد"، أن التحقيقات التي تتولى الإشراف عليها وزارة الداخلية وجهات أمنية أخرى أكدت عدم وجود أي شبهة جنائية في الحريق، مضيفاً أن "الحادث عبارة عن فساد مالي واستهتار بأرواح الناس، لكن الأحزاب تريد توظيفه سياسياً بحسب مصالحها، وهي نجحت في ذلك". واعتبر أن "التراشق بالتهم بين التيار الصدري وكتل تابعة لتحالف الفتح وكذلك حزب الدعوة، في محاولة من كل طرف لإلقاء اللوم على الآخر، هي أولى تداعيات الحريق، والحكومة لن تكون طرفاً فيه".
وأضاف المسؤول أن "دائرة صحة ذي قار كحال باقي دوائر الدولة تصارع المحاصصة الحزبية والطائفية عدا عن آفة الفساد، يضاف إلى ذلك أن المنشآت الصحية كلها تعود إلى فترة السبعينيات والثمانينيات وما قبل ذلك ووصلت إلى عمرها الافتراضي ولا توجد أي صيانة لها، والمنشآت التي شُيدت، مثل مركز العزل الذي اندلع فيه الحريق، هي عبارة عن قنابل موقوتة يتم إيداع المرضى فيها، إذ لا توجد فتحات تهوية ولا مهارب خروج ولا منظومات إطفاء". ولفت إلى أن مراكز العزل التي شُيّدت بعد جائحة كورونا، هي في الأغلب عبارة عن بيوت جاهزة (كرفانات) تركها الأميركيون بعد انسحابهم الأول من العراق عام 2011، وأخرى جاءت بها منظمات دولية لصالح النازحين، والأخرى من مواقع موانئ وشركات نفطية في البصرة.
وصوّت مجلس الوزراء العراقي على شمول ضحايا حريق مستشفى الحسين بقانون الحقوق التقاعدية لمنتسبي الصحة، معتبراً إياهم شهداء، كما منح لجنة التحقيق التي تتولى العمل على الحادث أسبوعاً لإعلان النتائج.

من جهته، قال عضو البرلمان العراقي علي البديري إن "على الجميع الاعتراف بأن المحاصصة الحزبية والطائفية دمرت كل مؤسسات ودوائر العراق، بالتالي فإن المساهمة في إفشال الدوائر يؤدي إلى قتل المراجعين والمرضى في المستشفيات العراقية، وهو قتل عمد تمارسه جميع الكيانات السياسية التي تتصارع في سبيل نيل أكبر عدد من المناصب، سواء على المستوى الوزاري أو في المؤسسات الصغيرة، وقد بلغت المحاصصة الحزبية مرحلة خطيرة جداً، إذ إنها تطورت لتدخل حتى إدارة المدارس ضمن هذا المبدأ". وأضاف، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "حرائق المحاصيل الزراعية وتفخيخ وتفجير أبراج الطاقة، مفتعلة من قبل التنظيمات الإرهابية، ولكن ما نخشاه هو أن تدخل المستشفيات ضمن الصراعات السياسية بين الكتل والأحزاب العراقية".


الغرابي: الإهمال الحكومي لقطاع الصحة، يُساهم بقتل العراقيين، والحكومة وحدها تتحمّل هذه الجرائم

 

أما رئيس كيان "البيت الوطني" حسين الغرابي، فأشار إلى أن "أكثر ما يخشاه العراقيون أن تتحوّل الصراعات السياسية إلى حرب حرائق للمؤسسات الخدمية، من ضمنها المستشفيات، لا سيما أن العراق على موعد مع انتخابات قريبة"، مؤكداً لـ"العربي الجديد"، أن "الإهمال الحكومي لقطاع الصحة، يُساهم بقتل العراقيين، والحكومة وحدها تتحمّل هذه الجرائم، سواء كانت مفتعلة أو عرضية، أو لغايات سياسية، ومن المهم إبعاد الأحزاب عن إدارة المستشفيات لأن هذه الإدارة بطريقة المحاصصة لم تساهم إلا بمزيدٍ من الخراب والدمار".

لكن عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق علي البياتي لم يستبعد أن "تكون حوادث حرق المستشفيات مفتعلة"، معتبراً في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أن "كل شيء وارد، وقد تكون مفتعلة لصالح جهات لا نعرف إلى حد الآن ما غايتها، لكن المعروف أن الخاسر هو المريض العراقي الذي بات يفكر كثيراً قبل زيارة دوائر الصحة والمستشفيات الحكومية في البلاد". ورأى أن "استقالة الحكومة الحالية لن تكون الحل الأمثل، كما يظن بعض الناشطين والسياسيين، لأن المشكلة متراكمة في القطاع الصحي، ولكن استمرار الفشل وفقدان أرواح الناس في دوائر ومستشفيات الحكومة، قد يدفع للمطالبة الشعبية بهذا الاتجاه، خصوصاً أن العراقيين لم يروا إلى حد الآن أي نتائج للتحقيق الخاص بحريق مستشفى ابن الخطيب، كما لم تتمكن السلطات من تقديم المسؤولين عن الحريق إلى العدالة"، متابعاً "بطبيعة الحال فإن الإهمال والفساد وعدم إعطاء الأولوية للقطاع الصحي، وعدم معالجة الفساد المالي والإداري، قد يؤدي في النهاية إلى مزيدٍ من الفوضى والحرائق والخسائر البشرية".