لليوم الثاني على التوالي، واصلت الحكومة العراقية أمس الأحد، بالتعاون مع حكومة إقليم كردستان في أربيل، جهود تفكيك مقرات ومعسكرات الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة الموجودة داخل الأراضي العراقية الحدودية القريبة من إيران وفقاً للاتفاق الأمني، الذي كُشف عنه الشهر الماضي بين بغداد وطهران، فيما أكدت أطراف عراقية مختلفة وجود إرادة حقيقية لحسم هذا الملف قبل نهاية العام الحالي.
ونهاية أغسطس/آب الماضي، أعلنت كل من بغداد وطهران توقيع اتفاقية أمنية بين البلدين تقضي بتفكيك معسكرات المعارضة الكردية الإيرانية الموجودة في إقليم كردستان على الحدود مع إيران، شمالي العراق. وتقضي الاتفاقية بإيقاف طهران عملياتها العسكرية داخل البلدات الحدودية العراقية، مقابل قيام بغداد بتفكيك تجمعات تلك المعارضة وإبعادها عن الحدود مع إيران، وتسليمها المطلوبين منهم. وبموجب الاتفاق، تطالب طهران حكومة بغداد بنزع سلاح التنظيمات المعارضة والنشطة شمالي العراق حتى 19 سبتمبر/أيلول الحالي.
ستصل تعزيزات عسكرية جديدة اليوم الاثنين إلى الشريط الحدودي العراقي الإيراني
وأكد وزير الدفاع الإيراني محمد رضا آشتياني، أمس الأحد، أنه لا يوجد تمديد لـ"اتفاق نزع سلاح المعارضين لإيران في العراق". وبحسب وكالة "تسنيم" الإيرانية، فقد قال آشتياني: "تمديد الاتفاق ليس وارداً، وسنقيّم وضع تنفيذ الاتفاق الأمني مع العراق في الدقيقة 90، وسنتخذ القرار بناء على ذلك". وتأتي هذه التصريحات، فيما أرسلت إيران خلال الأيام الأخيرة، وحدات مدرعة ومدفعية وصواريخ ومسيّرات للسلاح البرّي للحرس الثوري إلى حدود شمال غرب البلاد مع العراق.
العراق يبدأ تفكيك تجمعات المعارضة الإيرانية
وبدأ العراق فعلياً أول من أمس السبت، تطبيق الاتفاقية الأمنية مع إيران، الخاصة بتفكيك تجمعات المعارضة الكردية الإيرانية الموجودة داخل الأراضي العراقية قرب الحدود مع إيران، فيما اندلعت اشتباكات مسلحة بين قوات الأمن العراقي وعناصر مسلحة من تلك الأحزاب، رفضت الانسحاب من مناطق وجودها قرب الحدود مع إيران، يوم الجمعة الماضي، بحسب بيان عراقي رسمي.
وأبلغ مسؤول عراقي بارز في قيادة قوات حرس الحدود بالعاصمة بغداد، "العربي الجديد"، أمس الأحد، بأن "تعزيزات عسكرية جديدة ستصل اليوم (الاثنين) إلى الشريط الحدودي العراقي الإيراني لمسك المنطقة مع استمرار عمليات إخلاء ثكنات ومقرات لأحزاب كردية إيرانية معارضة من الشريط الحدودي، وإنزال أعلام تابعة لها من المكان".
وأكد المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن العمل جارٍ في المرحلة الحالية على جعل 20 كيلومتراً عرضاً من الحدود الدولية العراقية مع إيران خالية من أي وجود مسلح للجماعات الإيرانية الكردية، كاشفاً عن تفجير بعض تلك الأحزاب عتاداً وذخيرة لها، بعدما رفضت تسليمها لأربيل أو بغداد.
وبيّن المسؤول العسكري أن "هناك تعاوناً كبيراً مع قوات البشمركة لمسك الشريط الحدودي العراقي الإيراني وتسهيل دخول القوات العسكرية العراقية للحدود وتم تشكيل غرفة عملية مشتركة ما بين الطرفين لهذه المهمة، لكن هناك تمرداً من قبل أجنحة وشخصيات بتلك الأحزاب، وتم استخدام القوة معهم لإخلاء مواقعهم".
وكشف المسؤول أيضاً أن "قوة عسكرية من قوات حرس الحدود وقوات البشمركة شنّت عملية مسح وتمشيط مساء السبت ونهار الأحد، في الشريط الحدودي العراقي الإيراني للبحث عن سلاح الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة"، لافتاً إلى أن "العملية الأمنية مستمرة مع استمرار نقل مقرات الأحزاب وعوائل تلك الأحزاب تحت إجراءات أمنية مشددة"، مضيفاً "إننا نسعى لحل الأزمة بهدوء، والإيرانيون وافقوا على أن تكون بمراحل شريطة أن تكون حدودهم نظيفة مع العراق".
وساطة طالباني وتصميم بغداد
من جهته، قال القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني، ثاني أكبر أحزاب إقليم كردستان، أحمد الهركي، لـ"العربي الجديد"، إن زيارة رئيس حزبهم بافل طالباني إلى طهران "كانت ناجحة بما يتعلق في ملف الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة، التي توجد داخل الإقليم، وطالباني لعب دوراً كبيراً لحسم هذا الملف".
وبيّن الهركي أن طالباني "لعب دور الوسيط لنقل تلك الأحزاب إلى مناطق بعيدة عن الشريط الحدودي العراقي الإيراني، إضافة إلى وساطة تحويل عمل تلك الأحزاب لسياسي مدني بعيداً عن أي عمل ونشاط عسكري، فالعراق لا يمكن أن يكون منطلقاً للاعتداء على دول الجوار".
مسؤول عراقي: العمل جارٍ حالياً على جعل 20 كيلومتراً عرضاً من الحدود العراقية مع إيران خالية من أي وجود مسلح
وأضاف القيادي في "الاتحاد الوطني" أن "التنسيق والتعاون على أعلى مستوى بين حكومة المركز وحكومة الإقليم لحسم ملف الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة، والإسراع بحسم هذا الملف من قبل العراق لمنع أي عمليات عسكرية إيرانية على الأراضي العراقية".
أما عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية مهدي تقي، فقال لـ"العربي الجديد"، إن "الحكومة العراقية مستمرة بتفكيك معسكرات المعارضة الكردية الإيرانية الموجودة في إقليم كردستان، وإيران لمست الجدية بذلك، وهناك اتفاق حصل أخيراً ما بين بغداد وطهران على تفكيك تلك المعسكرات على مراحل عدة ومنح العراق وقتاً لتنفيذ الاتفاق الأمني".
وبيّن تقي أن "القوات العراقية قادرة على مسك كامل الشريط الحدودي مع إيران من جهة إقليم كردستان، وهناك تقدم كبير بهذا الملف، لكن هناك قضايا أمنية لا يمكن الكشف عنها بشكل كامل أمام وسائل الإعلام، المتعلقة بقضية تفكيك الأحزاب ونقلهم إلى مناطق أخرى داخل الإقليم".
وأضاف تقي أن "الحكومة العراقية نجحت بشكل كبير في تحويل نشاط الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة إلى نشاط سياسي مدني ونزع السلاح منها ومنع أي نشاط عسكري، والعمل مستمر حالياً بالتنسيق مع الإقليم لإبعاد مقرات الأحزاب والمعسكرات على الشريط الحدودي مع إيران وفقاً للاتفاق الأمني، الذي يصب في مصلحة العراق لما يحفظ سيادة العراق".
وتستهدف هجمات إيرانية متكررة بلدات ومناطق حدودية عراقية في إقليم كردستان، تقول طهران إنها تؤوي مجموعات كردية تصنفها "إرهابية"، من أبرزها الحزب "الديمقراطي الكردستاني الإيراني" (حدكا)، حزب "كوملة" الكردي اليساري، حزب "الحياة الحرة" (بيجاك)، إضافة إلى منظمة "خبات" القومية الكردية.
وتنشط هذه القوى والأحزاب في مناطق وبلدات الشريط العراقي الإيراني الحدودي، وهي مناطق ذات تضاريس صعبة، أبرزها: مناطق جبال وقرى جومان، سيدكان، سوران، سيد صادق، خليفان، بالكايتي وقنديل وكويسنجق وحلبجة ورانيا ضمن إقليم كردستان العراق، شمالي أربيل وشرقي السليمانية. وتوجه اتهامات إيرانية لأطراف داخل إقليم كردستان بأنها توفر دعماً غير مباشر للأحزاب والجماعات الكردية المعارضة من باب التعاطف القومي الكردي.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول الماضيين، نفّذ الحرس الثوري الإيراني هجمات جوية وصاروخية ومدفعية واسعة، استهدفت مقرات ومواقع مختلفة لجماعات إيرانية كردية معارضة، شرقي السليمانية وشمال غربي أربيل، أسفرت عن مقتل وجرح العشرات من أعضاء تلك الجماعات بالإضافة إلى مواطنين عراقيين، عدا عن وقوع خسائر مادية بممتلكات عامة، في تلك المناطق.