العراق: تباينات داخل الائتلاف الحاكم بشأن الانتخابات المبكرة

05 ديسمبر 2022
من الانتخابات العراقية في النجف، أكتوبر 2021 (كرار عيسى/الأناضول)
+ الخط -

كان اجتماع 28 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، لقادة القوى السياسية العراقية الرئيسية في البلاد، بمثابة مؤشر آخر على إمكانية انتهاء فترة الهدوء السياسي المخيّم على البلاد منذ أكثر من شهرين.

وأظهر اجتماع ائتلاف "إدارة الدولة"، الذي يضم القوى السياسية المشاركة في تشكيل حكومة محمد شياع السوداني، خلافات حادة بين القيادات السياسية حول قضية إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة، وكذلك الانتخابات المحلية لمجالس المحافظات التي تأخر إجراؤها أكثر من 4 سنوات.

وشاركت القوى السياسية في اجتماع عُقد في منزل الرئيس الأسبق جلال الطالباني ببغداد، والذي يشغله حالياً نجله، زعيم حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني"، بافل الطالباني. وبدت طريقة توزيع مقاعد المجتمعين موزعة بعناية بحسب قرب الكتل السياسية عن بعضها، وفقاً لما أظهرت الصور المنشورة للمجتمعين.


قيادي في "الإطار التنسيقي": خلافات بشأن مواعيد انتخابات المحافظات، والانتخابات المبكرة

وبحسب مصادر مطلعة، فإن الاجتماع لم يفضِ لأي اتفاق حول ملف إجراء الانتخابات المبكرة، التي اعتبرت بعض أطراف الاجتماع عدم الإيفاء بها سبباً كافياً لنزول الصدريين إلى الشارع مرة أخرى.

كذلك شملت التباينات موعد وطريقة إجراء انتخابات مجالس المحافظات، التي تبدو على قدر كبير من الأهمية في الجنوب العراقي، الذي يضم 9 محافظات وتتنافس 7 قوى رئيسية فيه على المقاعد، التي يتيح لها الدستور انتخاب المحافظ ونائبيه.

وأصدر ائتلاف "إدارة الدولة" عقب الاجتماع بياناً جاء فيه أن "قوى وقادة الائتلاف ناقشوا بحضور رئيسي الوزراء محمد شياع السوداني، والبرلمان محمد الحلبوسي، تقريراً شاملاً عن قانون انتخابات مجالس المحافظات ومجلس النواب، فيما جرى بحث تفاصيل القانون من الناحيتين السياسية والفنية"، من دون ذكر مزيد من التفاصيل.

تباينات "إدارة الدولة" بشأن الانتخابات المبكرة

لكن قيادياً بارزاً في تحالف "الإطار التنسيقي"، قال لـ"العربي الجديد" إن "اجتماع ائتلاف إدارة الدولة شهد خلافات بشأن إجراء انتخابات مجالس المحافظات، والانتخابات البرلمانية المبكرة، وتركز الخلاف على شكل القانون الذي ستجرى به عمليتا الاقتراع، وكذلك موعد إجراء الانتخابات".

ولفت إلى أن "هناك من يريد جعل الاستحقاقين بنفس الموعد، وقسم آخر يُصرّ على إجراء انتخابات مجالس المحافظات قبل موعد الانتخابات البرلمانية المبكرة بما لا يقل عن 6 أشهر. كما أن هناك انقساماً حاداً حول تعديل قانون الانتخابات البرلمانية، فهناك من يريد البقاء على اعتبار المحافظة الواحدة عدة دوائر، وهناك من يريد جعل المحافظة دائرة واحدة والعودة إلى قانون (سانت ليغو) المعدل بصيغة 1.7".

و"سانت ليغو" هي طريقة رياضية في توزيع أصوات الناخبين على القوائم الانتخابية المشاركة، فتقسم الأصوات على 1.3 تصاعديّاً، حينها تحصل القوائم الصغيرة على فرص أكبر للفوز بمقاعد برلمانية. وكلما ارتفع القاسم الانتخابي 1.6 أو أكثر قلّت فرص تلك القوائم وزادت مقاعد الائتلافات الكبيرة.

وهذه الطريقة "غير متوازنة"، إذ يرى البعض أنها تمكّن الأحزاب التقليدية والتي تمتلك المناصب في الدولة والمال السياسي من الوصول إلى مجالس المحافظات بسهولة.

ووفقاً للقيادي نفسه في "الإطار التنسيقي"، فإن "بعض القيادات السياسية حذّرت خلال الاجتماع من أي تعديل على قانون الانتخابات بمعزل عن أخذ موافقة التيار الصدري، وهو ما دفع إلى تكليف بعض القيادات السياسية التي تحتفظ بعلاقة ودية مع التيار الصدري بالتواصل مع المقربين من مقتدى الصدر، لأخذ رأي الصدريين بشأن تعديل قانون الانتخابات البرلمانية المبكرة، إضافة الى موعد إجراء الانتخابات".

لكنه أشار إلى أنه "حتى الساعة لا يوجد أي تجاوب من التيار، الذي لا يصر على العزلة السياسة ورفض أي حوار مع أي طرف سياسي بشكل رسمي".

من جهته، يعتبر عقيل الرديني، القيادي في ائتلاف "النصر"، بقيادة رئيس الحكومة الأسبق حيدر العبادي، أن "الانقسام بمواقف الكتل والأحزاب السياسية بشأن إجراء الانتخابات المبكرة، والخلاف حول قانون الانتخابات لا يمكن إخفاءه".

وأضاف في حديثٍ مع "العربي الجديد" أنه "لا يوجد أي اتفاق حول شكل القانون الانتخابي ولا موعد ثابتاً لإجراء الانتخابات، وهذا ينطبق على انتخابات مجالس المحافظات أيضاً".

وأكد الرديني أن "جميع الأطراف السياسية تعمل على عدم اتخاذ أي خطوة تهدف الى التصعيد مع التيار الصدري، ولهذا هناك رأي متصاعد بشأن ضرورة أخذ موافقة الصدريين بخصوص قانون الانتخابات وكذلك التفاصيل الأخرى المتعلقة بإجراء الانتخابات".

واعتمد العراق في الانتخابات السابقة التي أجريت في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 على قانون انتخابات قسّم المحافظات إلى دوائر انتخابية متعددة، وذلك استجابة للضغوط الشعبية التي كانت تتمثل بالحراك الاحتجاجي الذي كان يطالب بإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، وتغيير مفوضية الانتخابات التي تم تغييرها بالفعل، والتصويت على قانون انتخابات جديد، بدعم من التيار الصدري، بزعامة مقتدى الصدر. لكن تصريحات أخيرة لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، قال فيها إنه مع العودة إلى القانون السابق للانتخابات، الذي عرّف عنه بعبارة "قانون انتخابات سانت ليغو".

التيار الصدري والانتخابات المبكرة

من جهته، قال مسؤول في الهيئة السياسية للتيار الصدري في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إن التيار "لن يتحاور مع أحد، وموقفه ثابت بشأن الانتخابات المبكرة وكذلك الإبقاء على قانون الانتخابات بدوائر انتخابية متعددة لكل محافظة ونحذر التلاعب بهما".

وأكد أن "التيار الصدري لن يسمح بتعديل قانون الانتخابات بشأن الفقرة المتعلقة بالدوائر الانتخابية، ولن يقبل بالعودة للدائرة الانتخابية الواحدة لكل محافظة، وأي حراك سياسي بهذا الخصوص، ربما يدفعنا للعودة للمشهد من أجل منع هذا التعديل عبر الطرق الشعبية، فنحن لن نعود للعمل السياسي خلال المرحلة المقبلة".


مسؤول في "التيار الصدري": لن نسمح بتعديل الدوائر الانتخابية

في المقابل، قال المحلل السياسي العراقي ماهر جودة لـ"العربي الجديد"، إن "الانتخابات ستكون قضية خلافية متصاعدة بالفترة المقبلة، وقد تكون نواة الأزمة الجديدة المقبلة بالمشهد السياسي".

وأضاف أن "أي حراك لتعديل قانون الانتخابات خارج إرادة الصدريين، سيكون إيذاناً لعودة الأزمة التي لم تحل أساساً، بل تم تجميدها، وهذا قد يعيد مشهد التظاهرات الشعبية في الشارع العراقي على مستوى بغداد وباقي المحافظات، وحتى سيناريو دخول البرلمان سيكون وارداً إذا أصرّت بعض الأطراف على المضي بتعديل القانون وفق ما يرفض التيار الصدري".

ويعتبر ملف الانتخابات المبكرة أحد أبرز مطالب الصدر، وتعهّد به السوداني في برنامجه الحكومي، الذي صوّت عليه البرلمان في 27 أكتوبر الماضي، والذي تضمّن تعديل قانون الانتخابات خلال 3 أشهر، وإجراء انتخابات مبكرة خلال عام واحد.

وللمرة الأولى منذ عام 2005 تتشكل الحكومة العراقية من دون مشاركة التيار الصدري الذي استقال نوابه بشكل نهائي من البرلمان في يونيو/ حزيران الماضي، بعد إخفاقه في تشكيل حكومة الأغلبية السياسية، التي عمل عليها الصدر، مع تحالف "السيادة" بزعامة خميس الخنجر ومحمد الحلبوسي، وزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني، إضافة إلى دعم هذا المشروع من قبل نواب مستقلين.