تشهد الكيانات السياسية الجديدة بالعراق، التي تنوي المشاركة في الانتخابات المبكرة المقرر إجراؤها في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، انقسامات بين الناشطين في صفوفها واختلافات بوجهات النظر، الأمر الذي أدى خلال الشهرين الماضيين إلى حدوث بعض الانشقاقات التي يرى البعض أنها تهدد فرص بروزها على الساحة السياسية.
وظهرت خلال الأشهر الماضية كيانات سياسية تضم عدداً من الناشطين والمتظاهرين البارزين الذين شاركوا في "تظاهرات تشرين" 2019، والذين اختاروا أخيراً اللجوء إلى المشاركة السياسية لإجراء الإصلاح الذي يطلبونه في مؤسسات الدولة العراقية، وضمن الكيانات البارزة "حركة امتداد"، و"نازل آخذ حقي"، و"البيت الوطني"، إضافة إلى كيانات أخرى تشير أصابع الاتهام إلى أنها مدعومة من جهات سياسية أخرى مثل "حركة وعي" التي يقودها البرلماني السابق صلاح العرباوي، و"تيار المرحلة" الذي يديره فريق من مستشاري رئيس الحكومة العراقية، مصطفى الكاظمي.
ظهرت خلال الأشهر الماضية كيانات سياسية، تضم عدداً من الناشطين والمتظاهرين البارزين الذين شاركوا في "تظاهرات تشرين" 2019
وبحسب ناشط عراقي بارز، فإن "حركة امتداد"، التي يقودها الناشطان المتحدران من مدينة الناصرية علاء الركابي ومحمد عفلوك، تشهد انشقاقات ورحيل عدد من الناشطين بسبب خلافات حادة بين قيادات التكتل السياسي الجديد الذي قدم نفسه على أنه من نتاج التظاهرات الشعبية في العراق، مضيفا لـ"العربي الجديد"، أن أحد أسباب الخلافات هو ميل الركابي إلى جذب شخصيات إسلامية للعمل معهم وهو ما يرفضه آخرون بشدة.
وأوضح الناشط، الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن كيان "البيت الوطني" الذي يقوده ناشطون من محافظات متفرقة ويتزعمهم حسين الغرابي، شهد أيضا الأسبوع الماضي انسحاب 5 من أعضائه البارزين بسبب الخلاف حول توزيع المهام.
وأشار المصدر ذاته إلى أن المنسحبين اعترضوا على منح مهام لأسماء متهمة بإحداث الشغب وافتعال توترات أمنية خلال فترة اشتداد التظاهرات العراقية، موضحاً أن "هذا الانسحاب أضرَّ بالكيان، لا سيما وأنه لم يُسجل لحد الآن في مفوضية الانتخابات ككيان سياسي مستقل، الأمر الذي يؤدي إلى احتمالية إلغاء وجوده أصلاً".
من جانبه، أكد الناشط السياسي عمر محمد، أن "ضعف التنسيق والتأخر في التنظيم الحزبي والسياسي للكيانات الجديدة أديا إلى حدوث جملة من الأخطاء"، معتبراً في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الانسحاب الكامل للمحتجين من الساحات أدى إلى تراجع تأثير المحتجين على المستويين الشعبي والسياسي".
وتابع قائلا: "هناك شريحة كبيرة من مؤيدي التظاهرات وانتفاضة تشرين، انخفض معدل تأييدها للاحتجاجات التي حصلت بسبب اللجوء إلى المشاركة، على اعتبار أن المتظاهرين الذين خرجوا في 2019، لم يرغب أحد منهم بالمشاركة السياسية في هذه العملية بقدر ما كان الهدف تغييرها".
من جهته، اعتبر عضو "الحزب الشيوعي العراقي" أيهم رشاد في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الكيانات الجديدة لديها الفهم الكافي للعملية السياسية الحالية، وكيفية التوغل والحصول على أصوات الناخبين، إضافة إلى الترويج الانتخابي ومضايقة أحزاب السلطة وإزعاج المليشيات، وهي قادرة على أن تحقق إنجازات مهمة خلال المرحلة المقبلة".
لكن رشاد أشار إلى أن "بعض أعضاء هذه الحركات الجديدة يهدفون إلى التسلط والحصول على مكاسب ومناصب، وهو ما يدفع البقية إلى التصادم الذي عادة ما ينتهي بالتبرؤ والانسحاب".
أما السياسي العراقي سعد المطلبي، فقد لفت في اتصالٍ هاتفي مع "العربي الجديد"، إلى أن "الحماس وحده لا يكفي لتأسيس كيان سياسي عراقي، بل إنه يحتاج إلى عقول مفكرة لتضع الخطط بعيدة المدى والأهداف والاستراتيجيات"، مؤكداً على "ضرورة وجود سياسيين معروفين بنزاهتهم إلى جانب الناشطين والكيانات الجديدة من أجل إضافة الخبرة السياسية وإصلاح ذات البين في حال حدوث أية مشاكل".
أما الباحث والمحلل السياسي العراقي عبد الله الركابي، فأكد أن "حدوث الخلافات داخل الكيانات السياسية الجديدة هو أمر طبيعي، والحال نفسه يحدث مع الكيانات السياسية التقليدية والأحزاب المعروفة، ولعل أوضح مثال هو حزب الدعوة الذي يعتبر من أقدم الأحزاب العراقية، فهو بات مفتتاً بسبب تسلط قادته"، معتبراً في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "الخلافات المبكرة في العمل السياسي هي أمر محبط لكنه صحي؛ كونها تُنهي الاختلافات قبل الشروع بأي مشاريع كبيرة".