أعلن القاضي في المحكمة الاتحادية العليا في العراق عبد الرحمن زيباري، اليوم الثلاثاء، انسحابه من عضوية المحكمة احتجاجاً على القرارات الصادرة عنها أخيراً، التي وصفها بـ"غير الصحيحة".
وهذه المرة الأولى التي يعلن فيها أحد أعضاء المحكمة الاتحادية العليا في العراق انسحابه منها إثر خلافات سياسية، فيما يؤكد خبراء في القانون أن هذا الانسحاب لن يؤثر على عقد جلسات المحكمة أو في صدور أي قرارات جديدة منها.
وقال زيباري، في مؤتمر صحافي عقده بمدينة أربيل: "لمست وجود نزعة في قرارات المحكمة المتتالية نحو العودة التدريجية إلى أُسس النظام المركزي للحكم، والابتعاد شيئاً فشيئاً عن أُسس ومبادئ النظام الاتحادي من خلال توسيع نطاق الصلاحيات الحصرية للسلطات الاتحادية".
وأضاف: "وجدت نفسي في موقع أصبحت فيها جهودي وإمكاناتي عاجزة عن تحقيق غايتها في الدفاع عن مصالح إقليم كردستان، بصفته إقليماً دستورياً معترفاً به في العديد من المواد الدستور الاتحادي، ولهذا أعلن انسحابي من المحكمة الاتحادية".
تطور خطير يمس جوهر الدولة ونظامها الاتحادي يتمثل باستقالة القاضي عبد الرحمن زيباري من المحكمة الاتحادية على خلفية قرارات وصفت بأنها معادية لكوردستان ومعارضة للنظام اللامركزي الفدرالي، بالإضافة إلى التوسع في تفسير مواد الدستور. pic.twitter.com/dAcFdKSBwU
— غيث التميمي GHAITH ALTAMIMI (@Ghaith19919) March 12, 2024
وختم القاضي عبد الرحمن زيباري بالقول إنه "لكل هذه الأسباب، ومن منطلق شعوري بالمسؤولية أمام شعب إقليم كردستان بجميع مكوناته وأمام مؤسساته وكيانه الدستوري، فإنني أعلن انسحابي من عضوية المحكمة الاتحادية العليا بعدما تسببت الحقائق التي ذكرتها أعلاه في تعذر تحقيق الأهداف التي شغلت المنصب من أجلها، ومن تغيير اتجاهات المحكمة التي أشرت إليها آنفاً".
وبعد نحو ساعة من إعلان القاضي زيباري استقالته من المحكمة، أصدرت الأخيرة بياناً مقتضباً اعتبرت فيه أن "انسحاب القاضي عبد الرحمن سليمان زيباري من عضوية المحكمة لا يؤثر على سير العمل فيها لوجود ثلاثة قضاة احتياط"، من دون ذكر أي تفاصيل أخرى.
الخبير في الشأن القانوني علي التميمي قال، في إيضاح مكتوب وزّعه على الصحافيين، إن "هذا الانسحاب لا يقدم ولا يؤخر. ووفقا لقانون المحكمة الاتحادية رقم 30 لعام 2005، ونظامها الداخلي رقم 1 لسنة 2022، فإن هناك ثلاثة قضاة احتياط، ويعوض المنسحبون أو المتوفون أو المتغيبون بأحد القضاة الاحتياط".
وبيّن التميمي أن "انسحاب أحد أعضاء المحكمة الاتحادية لا يؤثر على عمل المحكمة أو عقد جلستها أو اتخاذها القرارات، والمحكمة الاتحادية ستستمر بعملها وفق قانونها ونظامهم الداخلي".
وأضاف: "سيكون تعويض المنسحب من أحد الأعضاء الاحتياط، والشاغر من الاحتياط سيكون ترشيحاً جديداً ليعود العدد إلى ثلاثة، ويصدر فيه مرسوم جمهوري، وليس هناك أي أشكال قانوني بهذا الانسحاب على عمل المحكمة الاتحادية العليا في العراق".
وعملت بغداد خلال الفترة الماضية على تقليص صلاحيات إقليم كردستان، من خلال قرارات قضائية صادرة عن بالمحكمة الاتحادية العليا في بغداد.
المحكمة الاتحادية: قرارات غير مسبوقة
وخلال الأيام القليلة الماضية، أصدرت المحكمة الاتحادية العليا حزمة من القرارات غير المسبوقة، نزعت بموجبها تصرف حكومة الإقليم بالشؤون المالية، وفرضت أن توزع بغداد مرتبات موظفي إقليم كردستان، بمن فيهم قوات البشمركة والشرطة المحلية، البالغة أكثر من مليون وربع مليون موظف، وهو ما لم يكن معمولاً به من قبل، حيث تُرسل بغداد الأموال إلى حكومة الإقليم التي توزعها على موظفيها.
كذلك، أصدرت المحكمة أمراً بأن تتولى مفوضية الانتخابات العراقية تنظيم انتخابات برلمان إقليم كردستان، وأن تُلغى مفوضية الانتخابات التي تعمل بالإقليم منذ عام 2006.
وسبق ذلك قرار من المحكمة في عام 2022، ألغت فيه قانون النفط والغاز المعمول به في الإقليم، وألزمت أربيل بتسليم "كامل إنتاج النفط، من الحقول التي كانت وزارة الثروات الطبيعية في حكومة إقليم كردستان تستخرج النفط منها، وتسليمها للحكومة الاتحادية، المتمثلة بوزارة النفط العراقية، وتمكينها من استخدام صلاحياتها الدستورية بخصوص استكشاف النفط واستخراجه وتصديره".
القرارات المتتالية من القضاء العراقي ممثلاً بالمحكمة الاتحادية، تزامنت مع قرارات مماثلة للحكومة، من بينها توحيد الإجراءات القضائية بين المحاكم العراقية ومحاكم الإقليم وتسليم المطلوبين، وإلغاء إجراءات الرسوم الجمركية الخاصة بالإقليم، وحصرها بيد بغداد فقط، إلى جانب الحد من سلطة إقليم كردستان في منح تأشيرات الدخول للأراضي العراقية وحصرها بيد بغداد فيما يتعلق بالدول التي تفرض بغداد تأشيرة مسبقة للدخول إليها.