العراق... الغزو ليس وحده مسؤولاً

24 مارس 2023
لا يمكن تبرئة الغرب من مآلات الغزو (علي السعيدي/فرانس برس)
+ الخط -

في مثل هذه الأيام من العام 2003 شعر بعض عراقيي المهجر الأوروبي بحماسة لانتهاء حكم "البعث" العراقي.

أحد المهام الأساسية للغزو عبّر عنها الحاكم الأميركي وقتها بول بريمر، خارج عناوين الكذبة الكبرى عن "سلاح الدمار الشامل" لإنهاء حكم صدام حسين، وتقزيم العراق إلى ما هو عليه اليوم. لأجلها حُل الجيش، واجتث "البعث"، ونُصبت محاكم تفتيش لكوادر مؤسسات الدولة، بعدما استحضرت واشنطن معارضة الخارج لملء "فراغ الفوضى".

نعم، لا يمكن تبرئة الغرب من جريمة الغزو ومآلاته. ورغم ذلك ثمة ما هو عالق في ذاكرة عرب زمن الغزو، وأولئك الذين يراقبون انحدار الوضع في البلد النفطي، عن دور القوى التي جاءت بفضل الترتيبات الأميركية والإقليمية بعد 2003. العراقيون بأنفسهم يخوضون مواجهة مع قضايا الفساد، الذي نما كالفطر على هوامش الغزو.

إلا أنه على الجانب الآخر فمن الواضح كيف يُحال الشباب منذ عقدين إلى الاختيار بين الخضوع التام للواقع، بكل ما حمله من مشاهد فرز طائفي مقزز ومدمر، وقمع للمطالبين بالتغيير، أو ركوب موجات الهجرة عن بلدهم الثري. أرقام اللجوء والهجرة في أوروبا، وغيرها، توضح أن عراقيي ما بعد الغزو استمروا بالتدفق، واحتلوا في السنوات الأخيرة مرتبة متقدمة مع إخوتهم السوريين.

وثمة دالة كارثية أخرى لمَن يُمعن في مشهد ما بعد الغزو، تتمحور حول دور ومكانة العراق في المنطقة، كمؤشر إلى مدى اعتلال الوضع الذي تُحكم فيه البلدان من أحزاب دينية الهوى وخارجية الارتباط.

أحد ثوابت المشهد العراقي منذ 2003 هو هذا الكم من التناقض والازدواجية عند النخب الممسكة بالسلطة، تحت عناوين متعددة. فمن ناحية تودي تهمة "البعثية" بأصحابها إلى سجون ومنافٍ، فيما "البعثية" ذاتها الحاكمة في سورية (حزب البعث الاشتراكي)، تبدو "حتمية" و"أفضل" للسوريين، وعلى لسان من اشتكى من "بعث" العراق.

تلك، وغيرها كثير، توضح المستوى المُتصور عن حكم هذا البلد العربي المحوري في المنطقة، بإصرار البعض على جعله مُلحقاً إقليمياً، ومتعايشاً مع بؤس ومآسٍ متعمقة في داخله كقدر محتوم لعقود، من دون حيوية الساحة الحزبية العراقية، بيسارها ويمينها قبل 2003، حتى في المهاجر.

في محيطه العربي أيضاً، يبدو أن النموذج العراقي صار كفزاعة نموذجية عن "الفوضى والفشل"، وكفرجة دامية على مسار "حتمية" المصير إذا طالب الناس بالتغيير. ولعله المطلوب في بقاء آثار الغزو.

المساهمون