أربكت زيارة زعيم "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني، مطلع الأسبوع الماضي، إلى بغداد، حسابات القوى الرافضة لنتائج الانتخابات النيابية التي أجريت في 10 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، مع تأكيد مصادر سياسية متطابقة في أحاديث مع "العربي الجديد"، وجود تباين واضح في وجهات النظر بين قوى ومكونات المعسكر الرافض للنتائج، الذي نظّم نفسه أخيراً تحت ما يعرف بـ"الإطار التنسيقي للقوى السياسية الشيعية". وتحفّظت طهران على مطلب إلغاء الانتخابات وعلى التصعيد بوجه حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي من قبل حلفائها، الذين حشدوا أنصارهم في الشارع في استعراض للقوة. كما أن كتلتي تحالف "النصر" و"الحكمة"، المنخرطتين داخل "الإطار التنسيقي"، تتحفظان على خطاب بعض أطرافه. وكان قاآني قد التقى قادة الكتل السياسية المقرّبة من طهران خلال زيارته إلى بغداد، كما عقد لقاءً مغلقاً مع الكاظمي، والرئيس العراقي برهم صالح. ووفقاً لتسريبات أعقبت الزيارة، وأكدها لاحقاً السفير الإيراني في بغداد إيرج مسجدي، فإن الجنرال الإيراني أبلغ قادة الكتل والفصائل المسلحة بعدم موافقة إيران على مطلب إلغاء الانتخابات، ولا على لغة التهديد التي استعملتها بعض الفصائل المسلحة. وطالب بالتوافق على حكومة بين القوى الشيعية الرئيسية، في إشارة إلى استبعاد خيار حكومة الأغلبية السياسية التي طرحها في وقت سابق مقرّبون من زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر.
يرفض عمار الحكيم وحيدر العبادي إلغاء الانتخابات
وأعقبت ذلك تصريحات لرئيس مجلس القضاء الأعلى، القاضي فائق زيدان، قال فيها إنه لا دليل قانونياً يثبت تزوير الانتخابات حتى الآن، في رد ضمني على بيان لـ"الإطار التنسيقي"، تحدث فيه عن وجود أدلة تثبت حصول عمليات تزوير من دون أن يقدمها.
وفي هذا السياق تحدث سياسيان، أحدهما نائب في البرلمان المنتهية ولايته، لـ"العربي الجديد"، عن تباين كبير في مواقف الكتل المنضوية في "الإطار التنسيقي" في ما يتعلق بموضوع الاعتراض على نتائج الانتخابات. ويرفض عمار الحكيم وحيدر العبادي الذهاب لإلغاء الانتخابات ويعتبران أنها ستجر البلاد إلى فوضى أكبر، مع تبنيهما خيار التفاهم على إطار عمل مشترك بين الكتل الشيعية حيال الحكومة الجديدة التوافقية التي لا تقصي أي طرف يرغب بالمشاركة فيها. وكشف أحد السياسيين أن تحالف "النصر" و"الحكمة" قد يتجه للابتعاد عن "الإطار التنسيقي"، في الأيام المقبلة. فيما ذكر الآخر، وهو عضو بارز في تحالف "النصر" بزعامة العبادي، أن لغة تهديد الدولة والطعن بعملية الانتخابات ككل وتبني نظرية المؤامرة في تزوير النتائج يرفضه التحالف، ويعتبر أن ذلك يؤسس لفوضى سياسية كبيرة في البلاد، خصوصاً أنه لم يتم تقديم أي دليل لغاية الآن. وشدّد على أن تحالفه "يرفض خطاب إهانة الدولة ومهاجمة المؤسسات والتلويح بالشارع في الأزمات السياسية".
لكن تقارير محلية عراقية، أحدها لصحيفة "العالم الجديد"، بعددها الصادر أمس الاثنين، تحدثت عن أن الموقف من الكاظمي كان من ضمن الخلافات في صفوف الفصائل المسلحة التي تمتلك تمثيلاً سياسياً داخل تحالف "الفتح"، بعد تبرئة أحد الفصائل الكاظمي من مسؤولية مقتل مُحتجّين في تظاهرات مطلع الشهر الحالي أمام المنطقة الخضراء. وعن ذلك، أكد عضو حركة "حقوق"، الجناح السياسي لمليشيا "كتائب حزب الله"، عباس العرداوي، أن الكيانات السياسية ضمن "الإطار التنسيقي" تطالب حالياً بعدّ وفرز جميع محطات المحافظات العراقية، عدا إقليم كردستان، يدوياً. وكشف في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أنهم يمتلكون "مئات الأدلة والطعون التي تثبت استلاب الحقوق الانتخابية وسرقة أصوات بعض القوى السياسية على حساب قوى أخرى". وبشأن الحديث عن تفكك "الإطار التنسيقي"، ذكر العرداوي أن "الاختلاف بوجهات النظر بين القوى السياسية، إضافة إلى تبدل التوجهات هو أمر وارد، لكن لغاية الآن لا يوجد أي حدث رسمي يرمز إلى انسحاب بعض القادة، بالتالي فإن ما يجمعهم هو التضرر من نتائج الانتخابات وليس المصالح".
انقسمت الفصائل حيال الموقف من الكاظمي
لكن المحلل أحمد العبيدي أشار، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إلى أن "الإطار التنسيقي قد يتفكك في أي لحظة ويعود قادة الأحزاب إلى مواقعهم الحزبية، ما أن يتم التوصل إلى حل بشأن تشكيل الحكومة الجديدة". واعتبر أن "انسحاب أي أحزاب معينة من الإطار هو أمر لا بد من تحققه، سواء حالياً أو خلال الأسابيع المقبلة، وتحديداً العبادي، غير المنسجم منذ سنوات مع قوى السلاح والفصائل المسلحة الموالية لطهران". وأوضح أن "الإطار التنسيقي كمعسكر سياسي متجانس موجود قبل إجراء الانتخابات، باستثناء تحالفي العبادي والحكيم، ما يعني أنه سيستمر كمسمى لكن وظيفته تتغير بين فترة وأخرى، وإذا خرجت بعض القوى منه حالياً فإنه سيعود في ظروف ثانية ولهدف آخر بحسب المصالح".
ويضمّ "الإطار التنسيقي للقوى السياسية الشيعية"، الذي ظهر أول مرة في المشهد السياسي العراقي عقب الإعلان عن نتائج الانتخابات، الشهر الماضي، كغطاء يجمع القوى الحليفة لإيران، قبل أن يتحول لتجمع يضم عدة كتل سياسية شيعية تشترك في رفضها لنتائج الانتخابات ككل. ومن أبرز تلك الكتل "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، وتحالف "الفتح" بقيادة هادي العامري، و"عطاء" برئاسة رئيس "الحشد الشعبي" فالح الفياض، إضافة إلى "تيار الحكمة" بزعامة عمار الحكيم، وتحالف "النصر" بقيادة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي.