يطرح سياسيون عراقيون، أخيراً، سيناريو اللجوء إلى تحشيد الشارع من قبل القوى السياسية كإحدى أقرب أوراق الضغط للتحقق خلال الفترة المقبلة، في ظل انسداد سياسي غير مسبوق بالبلاد يدخل شهره السابع على التوالي منذ إجراء الانتخابات التشريعية في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول العام الماضي، وسط مخاوف من أن يؤدي ذلك إلى اتساع حدة الأزمة وخلق فوضى أمنية، خاصة في بغداد ومدن جنوب ووسط.
وخلال الأسابيع الماضية، صدرت إشارات عدة من قبل قوى سياسية مختلفة حول التظاهرات والنزول إلى الشارع للضغط من أجل الإسراع في تشكيل الحكومة، لعل من أوضحها خطاب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الأسبوع الماضي، الذي ألمح إلى ذلك صراحه بقوله مخاطباً خصومه بالأزمة السياسية الحالية تحالف "الإطار التنسيقي"، بالقول: "إن لم تتقوا الله فتقوا غضبة الحليم والمظلوم فللمظلوم زأرة لن تكونوا في مأمن منها ولات حين مناص".
ونقلت تقارير محلية عراقية عن مسؤولين في التيار الصدري بمحافظة بابل جنوبي بغداد، الخميس الماضي، فتح باب التطوع في صفوف الجناح المسلح للتيار المتمثل بفصيل "سرايا سلام"، وهو الاسم الجديد الذي اكتسبته جماعة "جيش المهدي"، التي أسسها الصدر عقب الغزو الأميركي للبلاد عام 2003.
ووضع القبول في صفوف الجماعة لجميع المكونات من العراقيين، وهو تطور جديد في أدبيات الجماعة الدينية، فسّرها مراقبون على أنها رسالة تأكيد على مشروع الصدر القائم على حكومة أغلبية وطنية وتحالفات عابرة للهويات الثانوية والفرعية.
وأظهرت صور تجمع عشرات الشباب عند مقرّ للتيار الصدري لتسجيل أسماءهم، بينما أكدت مصادر محلية بأن غالبيتهم العظمى من العاطلين عن العمل والذين يسعون إلى الحصول على مكان في صفوف الجماعة أملاً بضمهم لاحقاً إلى "الحشد الشعبي"، الذي يتقاضى أفراده مرتبات شهرية تبلغ نحو 900 دولار شهرياً.
وفي السياق، أكد عضو بارز في التيار الصدري ببغداد، في حديث لـ"العربي الجديد"، اليوم الأحد، بأنهم "أقرب إلى النزول للشارع أكثر من أي وقت مضى"، مضيفاً أن "مصادرة حق التيار الصدري بتشكيل الحكومة، بصفته الفائز في الانتخابات أو محاولة الالتفاف عليها، سيتم الرد عليه بتظاهرات مليونية في بغداد وجنوب ووسط العراق وكل مكان في البلاد"، وفقاً لتعبيره.
وتحدث عن توجيهات لمكاتب وفروع وممثليات التيار الصدري في كل المحافظات والمدن بالاستعداد لمثل هذا الخيار، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن لجنة تنظيم التظاهرات أُعيد تفعليها مجدداً.
كذلك تحدّث عن أن "الملايين من جمهور التيار الصدري سينزلون للشارع متى ما أمر الصدر بذلك".
واعتبر أن "خيار التظاهرات سيكون الأخير للتعامل مع الأزمة السياسية ومواجهة أي التفاف أو محاولة سلب حق التيار الصدري بتشكيل الحكومة".
المحلل السياسي المقرب من التيار الصدري أحمد التميمي اعتبر أن "التيار ما زال يملك خطوة متقدمة على بقية الكتل السياسية المتفاوضة على تشكيل الحكومة الجديدة"، مستبعداً اللجوء إلى الشارع في الوقت الحالي.
وحول خيار التظاهرات، قال إن "هناك من يُسرّب وجود استعدادات للتظاهر بدافع جس نبض الشارع الصدري وجعلهم في تهيّؤ مستمر، وكذلك يلوح للكتل السياسية والخصوم بأنه ما زال يملك ورقة مهمة لو استخدمت فإن ضررها كبير على القوى الأخرى ".
ووفقاً للتميمي فإن "الصدر بالمقابل يتخوف من استخدام ورقة الشارع لأسباب من بينها احتمالية اختراق التظاهرات من الخصوم السياسيين وقد تقع فيها أحداث مفتعلة لا يريدها على الرغم من خبرة الصدريين في تنظيم التظاهرات الكبيرة في السنوات الماضية من خلال اللجان الدائمة بالتيار الصدري".
لكن فاضل موات، عضو تحالف "دولة القانون"، بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، حذّر من استمرار التلويح بالشارع في هذا الأزمة، معتبراً أن "استخدام الشارع في التفاوض والضغط على المتنافسين أمر يعقد المشهد ويزيد من المشاكل، لأن الكتل السياسية الأخرى لها جمهورها فلو استخدمت هذا الجمهور بطريقة فرض الإرادات حتماً ستحصل بعض التصرفات التي لا تتناسب مع العمل والتحرك السياسي".
وأوضح موات مخاطر زج الشارع، قائلاً إن "البلد في وضع معقد والملف الأمني مرتبك، والوضع الاقتصادي متذبذب والتدخلات الخارجية كثيرة والكتل السياسية متباعدة في التفكير ولا وجود لمفاوضات جدية، لذلك فإن أي محاولة لزج الشارع بهذا الصراع السياسي قد تنقلب على الجميع وتؤدي إلى مزيد من التعقيد والفوضى، لذلك ننصح الجميع بعدم اللجوء للشارع".
وتساءل "لماذا يرفض التيار الصدري التفاوض مع كتلة الإطار التنسيقي ويغلق الباب ويضع شروطاً تعجيزية ويأتي مرة أخرى ويتهمنا بذلك، هل من المنطقي أن نترك التفاوض والاتفاق السياسي ونذهب لتحريك الشارع والتهيؤ لذلك؟".
وختم "لدينا كامل المعلومات عن وجود استعدادات ونية للتظاهر (من قبل التيار الصدري) سعياً لفرض إرادة سياسية معينة ونعتقد أنها لن تنجح ومن يريد فرضها لن يستطيع".
ورد عضو التيار الصدري إياد الغريباوي على الجدل الدائر حالياً حيال النزول للشارع والتظاهر لدعم موقف الصدر السياسي بالقول: "مستعدون إن كانت تظاهرة مركزية فنحن جاهزون وإن كانت في كل المحافظات أيضاً سنكون موجودين كل حسب محافظته، لكن لم نبلغ بوجود مثل نية للتظاهر كهذه".
ويبيّن الغريباوي حقيقة وجود دعوة للتظاهر بالقول إنه "لا نخفي حقيقة وجود رغبة من القاعدة الشعبية الجماهيرية للتظاهر لتبيان الموقف من الالتفاف الذي حصل على فوز الكتلة الصدرية ومحاولة البعض لسلب أحقيتها في تشكيل الحكومة. لا بد من أن نوضح رأينا هذه أصواتنا وإرادتنا وهنالك من يريد سرقتها مصادرتها، لكن في النهاية القرار بيد السيد مقتدى الصدر".
ويعتبر أعضاء في الحراك المدني الشعبي محاولة زج الشارع بالأزمة الحالية ستكون لجماهير القوى السياسية وليس المواطنين العاديين.
ويقول الناشط علي طراد، لـ"العربي الجديد"، إن "الحراك الشعبي معروف وهو عفوي وغير مرتبط بقوة أو طرف سياسي، والاحتجاجات التي يجرى التلويح بها، تبقى محصورة بجماهير القوى السياسية، وهذا شأنها لكننا لا نقبل أن يستغل عنوان الحراك الشعبي الذي انطلق نهاية عام 2019 بالأزمة السياسية الحالية تحت أي عنوان".