شهدت العاصمة العراقية بغداد ومدن عدة جنوب ووسط البلاد، فجر أمس الأحد، سلسلة هجمات من أنصار "التيار الصدري" على مقرات ومكاتب حزب الدعوة الإسلامية، تخللتها هجمات مسلحة بقذائف الهاون وحرق صور زعيم الحزب، رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، مع شعارات مناوئة للأخير تتوعد بالرد على نحو أوسع في حال تكرار "الإساءة".
الاحتكاك الجديد بين الصدريين وحزب الدعوة، الذي قابلته حكومة محمد شياع السوداني والأجهزة الأمنية بالصمت، جاء بعد اتهام "التيار الصدري" لحسابات الكترونية مرتبطة بحزب الدعوة بتوجيه إساءات للمرجع الراحل محمد الصدر (والد زعيم التيار مقتدى الصدر)، أعقبتها تعليقات منددة من أعضاء بارزين في التيار، ثم هجمات متزامنة بدت أنها منسّقة أكثر من كونها عفوية.
ويأتي الاحتكاك الجديد بالتزامن مع مرور عام كامل على تسريب التسجيلات الصوتية للمالكي، والذي كشف من خلالها عداوته لزعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر، وتهديده بضربه في معقله في حي الحنانة بمحافظة النجف، من دون أن يكشف القضاء عن أي إجراءات له كان قد وعد سابقاً باتخاذها.
هجمات للصدريين على مقرات "الدعوة"
وطاولت هجمات الصدريين فجر أمس الأحد مكاتب حزب الدعوة الرئيسة في بغداد، والنجف، وبابل، وكربلاء، وديالى، وواسط، والبصرة، وميسان، بين الساعة 2 و4 فجراً، كان أعنفها على مكتب حزب الدعوة في النجف الذي استُهدف بواسطة قاذفة محمولة على الكتف، وأُحرقت صور المالكي وسط الشارع.
وجاءت ردة الفعل الصدرية عقب توجيه القيادي في "التيار الصدري" حسن العذاري، الاتهام لحزب الدعوة بالإساءة إلى المرجع الديني محمد الصدر، عبر جيوش الكترونية وحسابات مرتبطة بحزب الدعوة، فيما رد الأخير ببيان مطول حذر مما سماه "فتنة عمياء". ونأى "الدعوة" بنفسه عن الإساءة للمرجع محمد الصدر، معرباً عن استغرابه من هذا الاتهام. كما استنكر "حملة الاعتداءات على مكاتب حزب الدعوة الإسلامية وحرقها"، مطالباً البرلمان بتشريع قانون يُجّرم "المساس بمراجع الدين".
مسؤول عراقي في قيادة عمليات الفرات الأوسط التابعة للجيش جنوبي العراق، قال لـ"العربي الجديد"، إن قوات الأمن لم ترصد أي خسائر أو إصابات، كون مقرات الحزب كانت خالية من الأشخاص، لكن عدداً منها تعرض للحرق أو التخريب. وأوضح أن "المهاجمين من أعضاء التيار الصدري، ويظهر أنهم كانوا يتحركون بشكل متفق عليه سابقاً، على غرار أحداث سابقة للتيار الصدري".
وعن الوضع في الجنوب، قال المسؤول إن "عودة الصدريين للتحرك مجدداً يعني أن فترة الانكفاء سياسياً وشعبياً للصدريين انتهت، وعلينا توقّع المزيد، خصوصاً مع قرب الانتخابات المحلية"، واصفاً ما حدث فجر الأحد، بأنه "استعراض قوة أمام باقي الأحزاب المنافسة".
عضو في "التيار الصدري": التحرك نحو إغلاق بعض مقرات حزب الدعوة، جاء ضمن توجيهات صادرة من قيادة التيار
من جهته، قال عضو بارز في "التيار الصدري"، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن "تحرك التيار الصدري نحو إغلاق بعض مقرات حزب الدعوة في مدن عراقية مختلفة، جاء ضمن توجيهات مركزية صادرة من قيادة التيار"، مضيفاً أن "هذا التوجّه رد فعل على توجيه الإساءة للمرجع الصدر من قبل شخصيات ومنصات تابعة بشكل رسمي لحزب الدعوة ومدعومة بشكل مباشر من زعيم الحزب نوري المالكي وحركة البشائر التي يتزعمها ياسر المالكي صهر زعيم حزب الدعوة".
وبيّن القيادي أن "التوجيه شدد على ضرورة عدم الاحتكاك مع أعضاء حزب الدعوة في المقرات، وحتى حراس الأمن المكلفين بحماية مقرات الحزب، وتم اختيار مقرات خالية من أي تواجد لمنع حصول أي احتكاك"، مضيفاً "هذا الحراك لإظهار وجود الصدريين في الساحة، وإيصال رسائل بأن العودة للحياة السياسية قريبة للتيار".
"الدعوة" لا ينوي التصعيد
في المقابل، قال القيادي في حزب "الدعوة" رسول راضي أبو حسنة، لـ"العربي الجديد"، إنهم "لا ينوون التصعيد وهناك توجيه بذلك"، مبيناً أن "حزب الدعوة وأنصاره ليسوا مع أي تصعيد مقابل التعدي على مقرات الحزب، خصوصاً أننا لا نريد زعزعة الاستقرار السياسي والأمني الذي يشهده العراق بعد تشكيل حكومة محمد شياع السوداني".
وأضاف أبو حسنة: "دائماً ما نعمل على حل أي خلاف من خلال لغة الحوار والعقل، ولا نستخدم الشارع العراقي، لأننا ندرك جيداً خطورة استخدام الشارع، خصوصاً مع وجود أطراف داخلية وخارجية يمكن أن تستغل ذلك لإثارة الفتنة داخل المجتمع العراقي، ولهذا لن يكون هناك أي لجوء لشارع".
قيادي في "الدعوة": لا ننوي التصعيد وهناك توجيهات بذلك
وتعليقاً على هذه التطورات، قال رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، لـ"العربي الجديد"، إن "ما حصل يمثّل حالة احتقان سياسي كبير جداً من قبل التيار الصدري تجاه بعض التجاوزات التي تُرتكب بحق رمزية التيار الصدري المتمثلة بالمرجع محمد الصدر".
وأضاف: "هناك من يعمل على تغذية هذا الاحتقان، وهذا خطأ، خصوصاً أن للتيار الصدري قوة جماهيرية كبيرة، ولا يزال هذا الجمهور يعتقد أن عملية إقصاء زعيم التيار مقتدى الصدر من المشهد تمثل استراتيجية اتُّبعت من قبل أحزاب شيعية ضمن الإطار التنسيقي، هدفها ليس فقط إنهاء المستقبل السياسي للصدريين، وإنما المس بالرمزية الدينية للتيار".
ورأى الشمري أن "هذا الانفجار الشعبي الصدري، إذا لم تكن هناك خطة لتداركه من قبل بعض قادة الإطار التنسيقي، قد يتوسع خلال المرحلة المقبلة، خصوصاً ان هناك من يعمل على استدراج التيار الصدري لمواجهة أخرى، وهذا قد يحمل تداعيات كبيرة جداً على مستوى الشارع العراقي بشكل كامل".
وتابع: "على الرغم من أن التيار الصدري لم يعلن بشكل رسمي حتى الآن العودة إلى المشهد السياسي، لكن الإشارات التي صدرت من قبل زعيم التيار مقتدى الصدر أو المقربين منه وقيادات التيار، تؤكد أن عودة الصدريين للساحة السياسية قائمة وبقوة، كما أن استمرار استفزاز أنصار التيار الصدري، سيعيد الصدريين للمواجهة السياسية".
ويعود الخلاف بين الصدر والمالكي إلى العام 2008 (إبان الاحتلال الأميركي للعراق) عندما أطلق المالكي خلال ترؤسه الحكومة الأولى له، عملية عسكرية واسعة في البصرة ومحافظات جنوبية أخرى سميت "صولة الفرسان"، جرى خلالها قتل واعتقال المئات من عناصر "التيار الصدري" خلال مواجهات واسعة استمرت لأسابيع. وكانت العملية تحت عنوان ضبط الأمن وسيادة القانون في تلك المناطق، لكن مراقبين أكدوا أنّ صراع النفوذ كان هو المحرك الأول لتلك العمليات آنذاك.
وبعد الانتخابات البرلمانية التي أجريت في مارس/آذار 2010، عارض الصدر بشدة التجديد للمالكي لولاية ثانية، إلا أنّ الضغوط الإيرانية التي مورست على الصدر (الذي كان متواجداً في إيران) وعلى قوى سياسية أخرى، أدت إلى تمرير حكومة المالكي الثانية التي استمر خلالها الشد والجذب بينهما.
وتجددت الخلافات بين الطرفين بعد مشاركة نواب من كتلة "الأحرار" الصدرية في حراك لاستجواب وإقالة المالكي عام 2012 على خلفية اتهامات بالفساد وسوء استخدام السلطة.
وبعد سقوط الموصل ومدن عراقية أخرى بيد تنظيم "داعش" عام 2014، وجّه الصدريون اتهامات للمالكي بالتسبب بسيطرة التنظيم على ثلث الأراضي العراقية. وكان الصدر من المؤيدين لتولي حيدر العبادي رئاسة الحكومة التي تشكّلت عام 2014، ما أثار غضب المالكي الذي كان يسعى لولاية ثالثة.