لا تزال تهيمن على المشهد السياسي أصداء إعلان مقربين من رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، عدم نيته الترشح في الانتخابات المبكرة المقررة في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، الذي تزامن مع إعلان مماثل لتيار سياسي مقرب منه، ما اعتبره مراقبون ونواب أنه نابع من ضغوط سياسية.
وأمس الأول نقلت وسائل إعلام عراقية مقربة من الكاظمي، أنّ الأخير لا ينوي الترشح في الانتخابات المقبلة، ولا دعم أو مشاركة أي تكتل سياسي انتخابي، أعقبته تصريحات نقلها عنه مكتبه، جاء فيها أنّ "الحكومة الحالية حكومة خدمات، ولا تسعى إلى التنافس الانتخابي لتحقيق أهداف سياسية، وعلى الوزراء أن يتذكروا أنهم جاؤوا لأسباب خدماتية، وليس لأهداف سياسية". وأضاف الكاظمي، وفق المصدر ذاته، أنّ "على الوزراء عدم استغلال وزاراتهم للانتخابات، وأرفض رفضاً قاطعاً أي استغلال لإمكانات الدولة من قبل المرشحين للانتخابات".
في غضون ذلك، أعلن عبد الرحمن الجبوري، وهو قيادي في تيار "المرحلة"، الذي يشارك فيه مقربون من رئيس الوزراء، بينهم مستشارون في الحكومة، انسحاب التيار من السباق الانتخابي المقبل. وأوضح أنه "تمَّ تجميد تيار المرحلة كتنظيم وعمل سياسي ونتطلع إلى دور قوي وفعال في دعم وإسناد الشخصيات المستقلة والتيارات الوطنية المشاركة بالانتخابات، وأن عملنا التنظيمي مستمر، لكن ضيق الوقت وعدم توافقنا على الائتلافات حالا دون ذلك".
وحول أسباب قرار الكاظمي الابتعاد عن السباق الانتخابي، كشف مسؤول عراقي أنّ القرار "يتعلق بشروط سابقة من قبل القوى السياسية التي وافقت على تكليف الكاظمي رئاسة الحكومة، تقضي بعدم ترشحه للانتخابات المقبلة"، مضيفاً، في حديث لـ"العربي الجديد"، بشرط عدم ذكر اسمه، أنّ "القرار الذي اتخذه الكاظمي جاء عقب اجتماعات مع عدد من القوى السياسية الشيعية التي تولت أمر تكليفه كمرشح تسوية لرئاسة الحكومة في مايو/ أيار الماضي".
من جانبه، قال رئيس كتلة "إرادة"، البرلمانية، النائب حسين عرب، إنّ "الاتفاق المبرم سابقاً مع الكاظمي، هو السبب وراء إبعاده عن السباق الانتخابي".
وقبيل تسلم الكاظمي رئاسة الوزراء، في مايو/ أيار 2020، اعترضت عليه القوى السياسية الكبيرة (القوى الشيعية)، ولم تقدم الدعم له إلا بعد عدّة شروط، منها ألا يخوض الانتخابات، وألا يدعم أي كتلة تشارك فيها، وهو ما قبِل به الكاظمي.
وأوضح عرب، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "المشاركة بالانتخابات منوطة بالحزب والكيان السياسي، وأن هناك عشرات الأحزاب التي تم تسجيلها رسمياً في البلاد، لكن ليس بالضرورة أن كل تلك الأحزاب ستشارك في الانتخابات"، مبيّناً أن "تيار المرحلة الذي عدّ مدعوماً من قبل الكاظمي، أصبح اليوم خارج التنافس الانتخابي".
وعزا سبب خروج التيار عن التنافس الانتخابي إلى "الاتفاق المبرم سابقاً بين الكتل السياسية الشيعية والكاظمي، التي اشترطت عليه عدم مشاركته في الانتخابات، وعدم دعم أي حزب أو كتلة في حال حصوله على رئاسة الوزراء، والكاظمي ملتزم التعهدات والشروط، ولا يستطيع الخروج عنها".
واستدرك عرب بالقول: "لكن من حق الشخصيات الأخرى، سواء أكانت في مكتب الكاظمي أو غيره، أن تؤسس حركات سياسية وأحزاباً سياسية، كما أن من حق الكاظمي أن ينتمي أو يرشح نفسه لو لم يكن هناك شرط عليه وقد قبِل به".
وعبّر عن اعتقاده بأنّ "رئيس الوزراء غير مقتنع بالمشاركة بالعملية الانتخابية أساساً، لأن تشكيل الكتل السياسية يحتاج وقتاً وتنظيمات وأمور كثيرة، وهو منشغل بمهامه الكبيرة، وأن الوقت قصير، ولو كان الكاظمي عازماً على خوض الانتخابات، لكان أعلن ذلك، ولا سيما أن عملية الترشيح والدعم وغيرها لا يمكن أن تتم خلسة، بل يجب أن تعلن وأن تكشف للناس من خلال ما تحتاجه من تحركات".
ولم يستبعد النائب وجود ضغوط سياسية خارجية تجري على الانتخابات العراقية بتفاصيلها كافة، مبيناً أن "الضغوط الخارجية بالتأكيد واردة، وأن في كل انتخابات خاضها العراق فإنها شهدت ضغوطاً كبيرة، لكن ما لا تستطيعه تلك الضغوط، هو التأثير في الناخب العراقي، إذ أصبح التأثير في الناخب العراقي أمراً ليس سهلاً، ما قد يجعل من تلك الضغوط أقل تأثيراً في الانتخابات المقبلة".
بدوره، اعتبر الباحث بالشأن السياسي العراقي، أحمد النعيمي، عدم ترشح الكاظمي والتيار المدعوم من قبله في الانتخابات بأنه ناجم عن "ضغوط ووعود"، مضيفاً، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "الكاظمي إذا رشح للانتخابات مع كتلته، فإن فرص حصوله على مقاعد كافية تؤهله لولاية ثانية ضعيفة جداً، لكن في حال بقائه مستقلاً ومتوسطاً بالمسافة بين مختلف الكتل، فإن له أملاً بأن يعود مرشح تسوية، أو على الأقل أن يعود لرئاسة جهاز المخابرات كما كان سابقاً، أما في حال ترشحه، فإن هذه الخيارات ستكون بعيدة جداً عنه".
وأوضح أن "بقاء الكاظمي خارج سباق الانتخابات سيتيح له أيضاً مراقبة أي عمليات تزوير وتلاعب كحكم ومراقب وليس شريكاً فيها".
وتيّار "المرحلة" كيان سياسي تشكل العام الماضي، وقدم نفسه على أنه يمثل محتجي العراق ومتظاهريه، لكن سرعان ما تراجع عن هذه الصفة بعد اعتراضات واسعة خرجت من ميادين وساحات التظاهر بشأن عدم دقة ذلك.
ويشارك ناشطون وصحافيون في الكيان السياسي، أغلبهم من المقربين من الكاظمي، وفي فبراير/ شباط الماضي، حصل "المرحلة" على إجازة للعمل السياسي من مفوضية الانتخابات العراقية.