العراق: "اجتثاث البعث" أداة في المعركة الانتخابية

05 مايو 2021
أُقرّ قانون "اجتثاث البعث" عام 2005 (قاسم زين/فرانس برس)
+ الخط -

على نحو مشابه للانتخابات السابقة في العراق، فُتح مُبكراً ملف "اجتثاث البعث"، الخاص بإبعاد الشخصيات السياسية التي سبق لها أن عملت مع حزب "البعث" قبل الغزو الأميركي للعراق، وسط تحذيرات متكررة من أن الملف بات يُستخدم للإقصاء أو حتى التنكيل والتخويف السياسي في البلاد، بعد مضي 18 عاماً على سقوط النظام السابق. ويقول سياسيون ومراقبون للأوضاع في العراق، إنّ هذا الملف بات متنفساً للأحزاب والكتل التي تهدف إلى تسقيط أنداد لها ومحاربتهم سياسياً والإطاحة بهم. كما عمدت قوى متنفذة في وقت سابق إلى إجراء تعديل جديد على قانون "اجتثاث حزب البعث"، عبر إضافة فقرات داخل القانون تُجرّم تمجيد حزب "البعث" ورموزه، فضلاً عن إيقاف الاستثناءات السابقة التي منحت لعدد من القيادات العسكرية والأمنية والتي تعمل حالياً في وزارتي الدفاع والداخلية.

هيئة اجتثاث البعث أبلغت مفوضية الانتخابات بمراجعة نحو 20 ملفاً لمرشحين للانتخابات

وعلمت "العربي الجديد"، من مصادر سياسية أنّ "هيئة اجتثاث البعث أبلغت مفوضية الانتخابات بمراجعة نحو 20 ملفاً لمرشحين للانتخابات المقررة في 10 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، يتحدرون من بغداد وبابل والأنبار، بحجة وجود شبهات بانتمائهم السابق لحزب البعث المحظور في البلاد، وقد يتم حرمانهم من خوض الانتخابات".

لكن مصدراً من داخل "هيئة المساءلة والعدالة" (اجتثاث البعث) في بغداد، قال لـ"العربي الجديد"، إن "إجراءات الهيئة لن تشمل فقط مرشحي انتخابات 2021 المقبلة، بل تم توجيه كتاب أيضاً لفحص أسماء مرشحي اللجنة الأولمبية العراقية المقبلة، كما سيتم تعميم ذلك على انتخابات النقابات". ولفت إلى أن "إجراءات الاجتثاث تتم من خلال فحص اسم الشخص في حال وجوده ضمن قوائم حزب البعث بدرجة عضو عامل، أو حصل على إحدى شارات أو أوسمة النظام السابق".

وأُقرّ قانون "اجتثاث البعث" عام 2005، عقب الغزو الأميركي للعراق، ونصّ عليه الدستور العراقي، وترتبت على أثره إقالة عشرات آلاف العراقيين من وظائفهم، ومصادرة أملاك آلاف آخرين وإحالة قسم للقضاء. إلا أنّ كتلاً سياسية مختلفة وأبرزها "التيار الصدري" بزعامة مقتدى الصدر، تواصل المطالبة بتفعيلات جديدة في القانون، وضمان فاعليته في انتخابات أكتوبر المقبل، بهدف ما تسميه "منع وصول البعثيين إلى البرلمان".

وفي الانتخابات الماضية التي أجريت منتصف عام 2018، أعلنت "الهيئة الوطنية للمساءلة والعدالة" (اجتثاث البعث)، عن استبعاد 374 مرشحاً للانتخابات، وقالت في بيان لها حينها، إن "القرار جاء ضمن إطار إجراءاتها اجتثاث أعضاء حزب البعث"، المحظور من دوائر الدولة وشغل المناصب الرسمية. وذكر البيان أن المرشحين الذين تم استبعادهم كانت لهم علاقات سابقة بحزب "البعث" المحظور. قبلها وتحديداً في انتخابات عام 2014 كان عدد المبعدين نحو 400 مرشح، بينما بلغ 517 مرشحاً في انتخابات عام 2010.

وتواجه هيئة اجتثاث "البعث"، التي تحوّل اسمها إلى "هيئة المساءلة والعدالة"، اتهامات واسعة بالانتقائية في إصدار أحكام الإقصاء أو الإقالة من المؤسسات والدوائر الرسمية، استجابة لضغوط من قبل قوى مؤثرة على المستوى السياسي. وفي السياق، قال عضو البرلمان العراقي عن تيار "الحكمة"، علي البديري، إنّ "ملف اجتثاث البعث هو قانون دستوري، لكن تغيير اسمه إلى المساءلة والعدالة، من دون العودة إلى تعديل دستوري، يُعتبر مخالفة قانونية واضحة وصريحة. غير أنّ بعض الأحزاب والشخصيات السياسية المتنفذة لا تهتم لأي مخالفات قانونية، طالما أنها تريد أن تصل إلى مصالحها". وأوضح في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "هذا الملف يظهر قبل موعد كل انتخابات تشهدها البلاد، من أجل استهداف جهات معينة، والهدف ليس وطنياً، بل من أجل مصالح حزبية وشخصية للكيانات التي تعمل على نيل مزيد من المكاسب".

وأضاف البديري أنّ "بعض الجهات التي تدّعي أنها تريد اجتثاث البعثيين ومنعهم من المشاركة في الانتخابات البرلمانية والعمل السياسي، لديها علاقات متينة مع شخصيات بعثية من سياسيين وتجار، بل إنّ بعض البعثيين لديهم تأثيرات كبيرة على القرارات السياسية لهذه الكيانات العراقية". ولفت إلى أنّ "جميع المطلعين على العمل السياسي في العراق، يعرفون أن هناك شخصيات مشمولة بقانون اجتثاث البعث، لكنها نافذة في الرئاسات الثلاث بالعراق (الجمهورية والحكومة والبرلمان)، وتمارس أدواراً مختلفة برفقة الكيانات المنافقة التي تدعي عبر الإعلام أنها تحارب حزب البعث، لكن في واقع الأمر، فإن هذا الملف يتم تطبيقه بطريقة انتقائية بحسب رغبة الأحزاب وقادتها".

تواجه هيئة اجتثاث "البعث" اتهامات واسعة بالانتقائية في إصدار أحكام الإقصاء أو الإقالة

من جهتها، اعتبرت النائب عن ائتلاف "النصر"، ندى شاكر، أنّ "ملف اجتثاث البعث يخضع للمزاج السياسي ومن يتحكم به"، موضحة في تصريح صحافي أخيراً، أنّ "لجنة اجتثاث البعث داخل البرلمان، هي محاولة لإيجاد أداة تُستغل من أجل التسقيط السياسي خصوصاً قبل الانتخابات، ولا بدّ للقضاء أن يأخذ دوره في هذا الملف، وموقفاً من الازدواجية في التعامل في قضية اجتثاث البعث، والحيلولة دون تحويلها إلى أداة وتجييرها لمصالح سياسية وفئوية".

ودفاعاً عن الإجراءات الجديدة ضد "البعث"، قال النائب عدي عوّاد، عضو كتلة "صادقون" في البرلمان العراقي، وهي الجناح السياسي لمليشيا "عصائب أهل الحق"، إن "هناك شخصيات توالي البعث تخطط للاستيلاء على مناصب حساسة في العراق، عبر التمدد في البرلمان". وأضاف عواد في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أن "وصف العمل بملف اجتثاث البعث على أنه انتقائي، هو غير منصف، لأن الشروع بمتابعة ملفات الشخصيات السياسية أو النواب أو حتى المرشحين للانتخابات البرلمانية، هي صلاحية قضائية، وبالتالي القانون يتعامل مع الإثباتات الحقيقية وليست ادعاءات وضغوطاً".

أما المحلل السياسي العراقي أحمد الشريفي، فرأى أن "الاتهامات بالانتماء لحزب البعث أو الإرهاب والفساد بين الكيانات السياسية والشخصيات التي تتزعم الأحزاب، هي الطريقة الأسهل للإقصاء في الحرب بين المتنفذين في البلاد". وأوضح في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "العراقيين يعرفون أن حزب البعث لن يعود، وليست لديه الإمكانات لإجراء أي تحرك على المستوى السياسي أو الواقعي، لكن الأحزاب العراقية الحالية تواصل الاعتماد عليه كفزاعة لتخويف بعضها البعض".

المساهمون