"العدالة والتنمية" المغربي والزلزال... الدين للحد من انحسار الشعبية

"العدالة والتنمية" المغربي والزلزال... الدين للحد من انحسار الشعبية

28 سبتمبر 2023
دعا بنكيران للاعتبار من الزلزال (فضل سنا/فرانس برس)
+ الخط -

يعيش حزب "العدالة والتنمية" المعارض في المغرب، على صفيح ساخن، بعد بيان لأمانته العامة (الجهاز التنفيذي)، ربطت فيه بين زلزال الحوز الذي ضرب البلاد في 8 سبتمبر/ أيلول الحالي، و"المعاصي والذنوب في الحياة السياسية"، ما أثار جدلاً داخلياً واسعاً وصل إلى حد إعلان الوزير السابق محمد عمارة تقديم استقالته من الحزب، وتوجيه عدد من أعضائه نقداً لاذعاً للقيادة الحالية، ووصف بيانها بـ"الشارد" و"غير الموفق".

وبدا لافتاً أن الحزب الذي يبحث منذ نكسته في انتخابات 2021 التشريعية، عن طريق لبعث الروح في مكوناته وهياكله ومقاومة انحساره، بعدما فَقَد الكثير من تجانسه وشعبيته، يواجه امتحاناً جديداً بشأن تماسك بيته الداخلي ووحدته جراء تسارع تداعيات بيان أمانته العامة، التي اتُهمت بـ"استغلال الدين في السياسة" و"عدم احترام مشاعر" أقارب وضحايا الزلزال.

وبقدر ما يشير الجدل الذي أثير حول البيان إلى أن التوتر الذي أحدثه السقوط في الانتخابات التشريعية الأخيرة يتكرر مرة أخرى داخل الحزب، فإن أسئلة عدة تطرح حول ما إذا كانت الانتقادات التي طاولت قيادة الحزب ستؤدي إلى المزيد من الانقسام الحاصل داخله.

وكانت الأمانة العامة للحزب الإسلامي قد قالت في بيان الأحد الماضي، وقّعه الأمين العام للحزب عبد الإله بنكيران، إنه "من واجبنا كحزب سياسي أن نَعتبر وأن ندعو إلى الاعتبار مما وقع... وعلينا أن ننتبه إلى أن من معاني الرجوع إلى الله ما يفيد بأننا مبتعدون عنه في أمور معينة، وعليه وجب أن نرجع إلى الله سبحانه وتعالى كي يضمد جراحنا ويعوضنا عن مصيبتنا خيراً".

وأضافت أن "الصواب هو أن نراجع كأمة ونتبين هل الذي وقع قد يكون كذلك بسبب ذنوبنا ومعاصينا ومخالفاتنا، ليس فقط بمعناها الفردي لكن بمعناها العام والسياسي، لأن السؤال المطروح ليس فقط عن المخالفات الفردية وإنما عن الذنوب والمعاصي والمخالفات بالمعنى السياسي وتلك الموجودة في الحياة السياسية عامة والانتخابات والمسؤوليات والتدبير العمومي وغيرها"، وفق البيان.

الجدل بشأن بيان "العدالة والتنمية" يطرح علامات استفهام

وقال قيادي في الحزب، تحفظ عن ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن النقاش الذي أثاره البيان "مفتعل" من قبل جهات إعلامية وسياسية اعتادت شن حملات ضد الحزب.


قيادي في "العدالة والتنمية": النقاش الذي أثاره البيان مفتعل

وأضاف أنه "في وقت لا يلقى فيه حجم الاختلالات ونهب المال العام التي يتم الكشف والحديث عنها يومياً أي صدى في الصحافة، نرى أن مجرد جملة وردت في بيان الأمانة العامة تثير ضجة في البلاد"، معتبراً أنه و"إن كان أمراً ليس بالجديد، إلا أنه يثير أكثر من علامة استفهام حول دوافع التهييج الجديد ضد الحزب".

وقلل القيادي تأثير الضجة التي أحدثها البيان على البيت الداخلي وتماسكه، لافتاً إلى أن إعلان الوزير السابق عمارة أول من أمس الاثنين، استقالته من الحزب "لا تأثير" له، مرجعاً السبب إلى أن "صاحبها لا امتداد له داخل تنظيمات الحزب"، وهو عملياً خارج الحزب منذ ما بعد انتخابات 2021. وأضاف أن "توقيت اختياره لإعلان الاستقالة عن طريق صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك عوضاً عن مؤسسات الحزب يثير أكثر من علامة استفهام حول أهدافه من إعلانها".

استغلال كارثة زلزال الحوز

في المقابل، رأت الباحثة في العلوم السياسية شريفة لموير، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن قيادة الحزب ممثلة في بنكيران "حاولت من خلال بيان الأمانة العامة تصيد فرصة الركوب على الكارثة التي شهدها المغرب، وربطها بالوازع الديني للتأثير على عاطفة المغاربة مستغلة بذلك الدين في مآرب سياسية".

وأضافت أنه من "الأكيد أن بنكيران لم يستسغ بعد حجم حزبه حالياً داخل المشهد السياسي المغربي، لذلك فهو يحاول من جديد استغلال أي فرصة تتاح أمامه لمحاولة البروز فيه". ولفتت إلى أن الحزب أصبح يسير باتجاه حزب الفرد عوضاً عن حزب الجماعة، وهو ما سيخلق "هزة" على المستوى الداخلي للحزب، ومعه خلق معارضة داخلية. واعتبرت في السياق أن استقالة عمارة هي "أحد مظاهر رفض هذا التسيير الأحادي الذي أصبح يعرفه حزب العدالة والتنمية".

لموير: بنكيران دائماً ما يحاول إلباس هجوماته صبغة الديني

وأشارت لموير إلى أن ما حصل هو "بداية للمزيد من الانشقاقات والاستقالات"، كما أنه "استمرارية للضعف الذي يعرفه الحزب منذ الانتخابات الأخيرة التي استوجبت معها دخول الحزب في مرحلة نقد ذاتي". وأضافت أن "بنكيران دائماً ما يحاول إلباس هجوماته صبغة الديني كمخرج له ولحزبه عوض خروجه للدفاع عن الأوضاع الاجتماعية للمواطنين، خصوصاً أن مآزق المجتمع المغربي عرفت تأزماً حقيقياً عقب ترؤس حزب بنكيران للحكومة خلال الولايتين السابقتين".

محاولة لبناء "العدالة والتنمية" من جديد

من جهته، قال أستاذ القانون الدستوري في جامعة الحسن الأول في سطات، عبد الحفيظ اليونسي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه لا يمكن فصل البيان الأخير للأمانة العامة عن الوضع العام الذي يعيشه الحزب. وأوضح أن "حضور الربط بين الديني والسياسي في التفاعل مع زلزال إقليم الحوز يجد سنده في محاولة بناء الحزب من جديد".

اليونسي: الربط بين المعاصي السياسية والزلزال يؤشر إلى حالة الارتباك التي يعيشها الحزب 

ولفت اليونسي إلى أن "إعادة البناء في تصور بنكيران مبنية على عدة أسس أهمها استعادة أيديولوجيا الحزب المرتبطة بالمرجعية الإسلامية، وهو ما ظهر في حلقات (استوقفتني آية) التي ينشرها في صفحته على فيسبوك". واعتبر أن الربط بين المعاصي السياسية والزلزال "سقطة سياسية تُساءل عليها قيادة الحزب، وتؤشر على حالة الارتباك التي يعيشها الحزب في تملك تصور للمرحلة الراهنة والمقبلة".

وحول مدى تأثير بيان الأمانة العامة على تماسك البيت الداخلي للحزب، قال اليونس إن "ما تبقّى من حزب العدالة والتنمية، خصوصاً نواته الصلبة قيادياً ومحلياً، لا يمكنها أن تتأثر بهذا البيان بقدر ما يمكن أن يكون مسوغاً لابتعاد بعض القيادات التي تختلف مع بنكيران، ليس في تقدير المرحلة، بل في تصور الحزب السياسي حالياً وفي علاقاته مع مكونات الدولة".

المساهمون