العاصمة الإدارية الجديدة: خط أحمر في البرلمان والإعلام المصريين

30 نوفمبر 2022
شكوك باستكمال المشروع خلال مدة قريبة (أحمد حسن/فرانس برس)
+ الخط -

منذ انتخاب مجلس النواب المصري الحالي عام 2020، لم يتم تقديم أي طلبات إحاطة حول مشروع العاصمة الإدارية الجديدة في وقت تفيد فيه معلومات حصلت عليها "العربي الجديد" عن إجراء تحقيقات مع عدد من المسؤولين في المشروع بسبب "شبهات تورط بالاستيلاء على أموال عامة".

وكان آخر طلب إحاطة حول جدوى المشروع قد تقدم به عضو في البرلمان المصري في عام 2017، وكان موجهاً إلى وزير الإسكان مصطفى مدبولي، بشأن الدراسات الهندسية والإنشائية التي جرى الاستناد إليها في اختيار موقع تنفيذ المشروع، فضلاً عن دراسات الجدوى المتعلقة به، والجدول الزمني لتنفيذه.

وتساءل النائب السابق محمد عبد الغني، عضو تكتل (25 - 30) آنذاك، عن "مصادر تمويل مشروع العاصمة الإدارية، وعما إذا كان سيتم الاعتماد على القروض الحكومية من الدول الأجنبية في تنفيذه؟"، إضافة إلى "تأثير سبل التمويل على الوضع الاقتصادي المصري، والدين الخارجي، في ظل عجز الموازنة غير المسبوق بتاريخ البلاد". ومنذ ذلك التاريخ وبعد انتخاب برلمان جديد، لا يضم أعضاء تكتل (25 - 30)، لم يوجّه أي سؤال للحكومة حول المشروع.

في مقابل ذلك قُدمت بعض الاستجوابات التي يمكن أن تفهم في سياق الترويج للمشروع وتلميعه، مثل الذي تقدمت به النائبة روان لاشين في 9 ديسمبر/ كانون الأول 2021، بشأن "استغلال بعض شركات التسويق العقاري صور كبار المسؤولين في الدولة، في الترويج لمشروعات بالعاصمة الإدارية الجديدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، على خلاف الحقيقة، بغرض النصب على المواطنين".

أزمة في التسويق ومخالفات مالية

وتواجه جهود الحكومة المصرية لتسويق مشروعات العاصمة الإدارية (خليجياً ودولياً) أزمة كبرى في ظل شكوك تحوم حول استكمال المشروع خلال مدى زمني قريب، بعد تباطؤ العمل به نتيجة العقبات التي تواجهها الحكومة بسبب الأزمة الاقتصادية ونقص السيولة الدولارية، وما أكدته شخصيات اقتصادية عملت على دراسات جدوى متعلقة بمشروعات استثمارية خاصة بالمشروع، من أنه يواجه انتقادات كبيرة مرتبطة بعدم أهميته في الفترة الراهنة بعدما أجهد موازنة الدولة.

عمليات مراجعة موقف مشروعات العاصمة الإدارية الجديدة، كشفت عن مخالفات مالية واسعة تقدر بمليارات الجنيهات

في هذا الإطار، علمت "العربي الجديد" أن "عمليات مراجعة موقف مشروعات العاصمة الإدارية الجديدة، لبحث مصير الكثير منها، وأيضاً لعرض بعضها على المستثمرين والصناديق الخليجية، كشفت عن مخالفات مالية واسعة تقدر بمليارات الجنيهات". وبحسب المعطيات، فإن "هذا الأمر دفع الجهات التي تشرف على عملية المراجعة إلى عرض الأمر على الرئيس المصري شخصياً، والذي أمر بدوره بفتح تحقيقات موسعة مع كل المسؤولين المرتبطين بتلك المخالفات، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر".

ومطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تقريراً مطولاً، انتقدت فيه مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، مؤكدة أن هناك شكوكاً حقيقية حول القدرة على تحمل كلفة استكمالها.

ووفقاً للمعلومات التي حصلت عليها "العربي الجديد"، فإن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كلف لجنة من رئاسة الجمهورية تتبع لمكتبه للتحقيق في المخالفات المالية، والتي قدّرت بنحو 15 مليار جنيه (نحو 610 ملايين دولار)، جميعها تم سحبها من أرصدة مخصصة للمشروعات.

التحقيقات التي بدأتها اللجنة التابعة لرئاسة الجمهورية طاولت شخصيات بارزة، وتم استجواب أسماء كبيرة، بينها عسكريون ارتبطت أسماؤهم بالإشراف على مشروعات العاصمة الإدارية ومشروعات قومية أخرى بحكم عملهم، وذلك بناء على ضوء أخضر من السيسي باستجواب أي مستوى قيادي. هذا الأمر تسبّب في حالة من الاستياء في دوائر عسكرية، بعد استجواب أعضاء في المجلس الأعلى للقوات المسلحة في إطار التحقيقات الجارية.

ونهاية أغسطس/ آب الماضي، أعلن أحمد زكي عابدين بشكل مفاجئ استقالته من رئاسة مجلس إدارة شركة العاصمة الإدارية، التي تعد المسؤول التنفيذي عن كل ما يخص المدينة الجديدة، بعد 5 سنوات قضاها في منصبه، مبرراً ذلك بظروف صحية ورغبة في الحصول على بعض الراحة.

وتبع ذلك بعد يومين تقديم اللواء محمد عبد اللطيف مدير عام الشركة استقالته من منصبه، من دون الحديث عن أي أسباب أو تفاصيل متعلقة بالقرار. وتحدثت مصادر وقتها عن أن الأمر لم يكن استقالة، ولكن طُلب منهما تقديم الاستقالة للخروج بشكل لائق في حينه.

وفقاً للمعلومات التي حصلت عليها "العربي الجديد" في ما يخص التحقيقات الجارية بشأن المخالفات المالية، فقد جرى الاستماع أخيراً في أكثر من جلسة، لرئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة السابق إيهاب الفار، بحكم منصبه السابق، من دون أن يتم توجيه اتهامات إليه، واقتصر الأمر بالنسبة له على ملاحظات مرتبطة بالإهمال والتقصير في مراقبة الإنفاق المالي للمشروعات التي تنفذها الهيئة. كما شملت جلسات الاستماع في هذا الإطار شخصية عسكرية بارزة تولت منصب الإشراف على عمل هيئة اقتصادية تتولى تنفيذ مشروعات بالعاصمة الإدارية الجديدة.

وتشير المعلومات إلى أن الإطاحة باللواء إيهاب الفار من منصبه أخيراً، "لم تكن ضمن الحركة الدورية الخاصة بالقوات المسلحة، ولكنها كانت مرتبطة بشكل مباشر ببدء التحقيقات الخاصة بالمخالفات".

تراجع حركة البيع في مشروعات العاصمة الإدارية

من جهته، أشار مطور عقاري بارز من المستثمرين في مشروعات سكنية وتجارية في العاصمة الإدارية الجديدة، تحدث لـ"العربي الجديد" مفضلاً عدم ذكر اسمه، إلى "تراجع حركة البيع بشكل كبير في مشروعات العاصمة الإدارية"، وأرجع ذلك إلى "حالة القلق التي سيطرت على المواطنين الذين كانوا يستهدفون الشراء، نتيجة بعض التصريحات الصادرة عن مسؤولين بالحكومة".

وأعطى مثلاً على ذلك تصريحات سابقة لوزير النقل كامل الوزير أكد فيها أن "المشروعات القومية الجديدة التي بها مكون دولاري كبير ولم يتم البدء فيها، تتم دراستها جيداً قبل تنفيذها والوقوف على الجدوى الاقتصادية لها في هذه المرحلة"، واعتبر أن "مثل تلك التصريحات تدفع أصحاب رأس المال للقلق".

مطور عراقي: تراجع حركة البيع أخيراً في العاصمة الإدارية لم يكن مرتبطاً بدرجة كبيرة بالأزمة الاقتصادية

ولفت المطور العقاري إلى أن "تراجع حركة البيع أخيراً في العاصمة الإدارية لم يكن مرتبطاً بدرجة كبيرة بالأزمة الاقتصادية"، مشيراً إلى أنه "في المقابل استمرت حركة البيع بالمشروعات السكنية والتجارية في المناطق التقليدية، مثل القاهرة الجديدة والشيخ زايد، بوتيرتها الطبيعية، حيث يفضلها العاملون بالخارج والخليج تحديداً على الاستثمار العقاري لحفظ قيمة أموالهم في ظل ارتفاع التضخم".

في المقابل، أكدت مصادر صحافية أن "الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، المملوكة للمخابرات العامة، أصدرت تعليمات للمسؤولين بالمؤسسات الإعلامية التابعة لها، بعدم تناول أي تغطيات أو متابعات لخطة الحكومة والمواعيد المعلنة سابقاً لانتقال الوزارات بشكل كامل إلى العاصمة الإدارية الجديدة".

في غضون ذلك، قال المهندس خالد عباس، رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة العاصمة الإدارية، أخيراً، إن الشركة "قررت وقف بيع الأراضي الاستثمارية"، موضحاً أن الهدف من القرار هو "التركيز خلال الفترة الحالية على إصدار رخص البناء ومتابعة المشروعات الجاري تنفيذها". من جهته، قال وكيل في إحدى الوزارات التي كان مقرراً انتقالها للعمل من العاصمة الإدارية، إنه "تم تجميد ذلك مؤقتاً"، مع تأكيد "الحفاظ على وجود شكلي بالمقر المخصص للوزارة هناك عبر عدد قليل من الموظفين لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة".

وأضاف في تصريحات صحافية، أنه "ستتم دراسة حالة الشركات الموجودة بالعاصمة الإدارية حسب معدلات تنفيذها للمشروعات المسندة إليها"، لافتا إلى أنه "سيتم تقييم الشركات عن طريق دراسة قوية للملاءمة الفنية والمالية لكل شركة على حدة".

المساهمون
The website encountered an unexpected error. Please try again later.