تزايدت الضربات الإسرائيلية في سورية، لا سيما منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أي مع انطلاق العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، إذ بات واضحاً أن الضربات الإسرائيلية في سورية تستهدف القيادات الأمنية التابعة للحرس الثوري الإيراني، المنتشرة في البلاد تحت صفة المستشارين العسكريين والأمنيين.
وتزايدت تلك الضربات بشكل واضح، وباتت تستهدف مواقع داخل المدن السورية، لا سيما في دمشق ومحيطها ومحافظة حمص وسط البلاد بشكل شبه يومي. وأوقعت تلك الغارات قيادات في صفوف المستشارين وكبار القيادات الإيرانية في سورية، لكنها أيضاً أوقعت مدنيين ضحايا نتيجة وجودهم أحيانا في أماكن الاستهدافات المتكررة لإسرائيل.
وقُتل 3 أشخاص مجهولي الهوية، فجر أمس السبت، جراء غارة جوية شنتها طائرة حربية إسرائيلية، استهدفت مزرعة تستولي عليها المليشيات الإيرانية على الطريق الواصل بين منطقتي الديماس وقرى الأسد بالريف الشمالي الغربي للعاصمة دمشق، جنوب غربي سورية. و
ذكرت وحدات الرصد والمتابعة التابعة للمعارضة السورية، لـ"العربي الجديد"، أن الاستهداف أسفر عن مقتل 3 شخصيات مجهولة الهوية، فضلاً عن وقوع بعض الجرحى.
وكان سلاح الجو الإسرائيلي قد استهدف، أول من أمس الجمعة، مبنى سكنياً يقطنه قادة وعناصر من "حزب الله" في محيط مطار المزة العسكري في الطرف الغربي من دمشق، في حين بيّنت وزارة الدفاع التابعة للنظام السوري أنها أسقطت طائرتي استطلاع إسرائيليتين غربي دمشق بعد اختراقهما الأجواء السورية من اتجاه الجولان.
وسبق ذلك قصف لمبنى في مدينة حمص وسط البلاد، يُعتقد أن إحدى شققه مستأجرة من قبل مليشيات مرتبطة مع إيران، لكن القصف أوقع ضحايا مدنيين، فضلاً عن بعض عناصر يعتقد بتبيعتهم لـ"حزب الله".
استهداف شخصيات من "حزب الله" و"الحرس الثوري"
وفي إحصائية صدرت في 7 فبراير/شباط الحالي، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن "إسرائيل صعّدت بشكل كبير جداً استهدافاتها للأراضي السورية بعد بدء حربها على غزة، مستهدفة شخصيات ومواقع تابعة في غالبيتها لحزب الله والحرس الثوري".
وأشار المرصد إلى أن إسرائيل استهدفت الأراضي السورية 54 مرة منذ الحرب على غزة، 20 منها استهدافات برية بقذائف صاروخية، و34 جوية، ما أدى إلى مقتل 108 عناصر عسكريين، و10 مدنيين، أي أن الخسائر البشرية الكاملة بلغت 118 شخصاً، وأسفرت تلك الضربات عن إصابة وتدمير 108 أهداف في مناطق سورية متفرقة.
يوسف حمود: تغير أهداف الضربات يشير إلى أن هناك نوايا إسرائيلية باتجاه شيء ما يُحضَّر له
وحول تكثيف الضربات الإسرائيلية في سورية وتزايدها، رأى الرائد يوسف حمود، وهو ضابط طيار منشق عن النظام ومحلل عسكري، أن تزايد الضربات وتغير شكلها وأهدافها يشير إلى أن هناك نوايا إسرائيلية باتجاه شيء ما يُحضَّر له.
وأوضح حمود، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الضربات في السابق كانت تستهدف مخازن الأسلحة أو المواقع التي تحوي الطيران المسيّر ومدارج المطارات والصواريخ بعيدة المدى وخطوط الإمداد لنقل الذخائر، لا سيما في مطاري حلب ودمشق، لكن مع بدء العدوان على غزة، بات الأمر مختلفاً، إذ باتت الضربات تستهدف القيادات الأمنية والعسكرية المرتبطة بإيران والتي تدير ملف المليشيات الخاضعة للحرس الثوري والمشروع الإيراني عموماً".
ولفت حمود إلى أن "إسرائيل تريد من خلال هذا النهج إضعاف شبكة القيادات التي أشرفت على تشكيل المليشيات والتي تحرك تلك المليشيات ليس في سورية فقط، وإنما في المنطقة، فهذه القيادات هي التي تخطط للتشكيل ومن ثم التوجيه في المعارك والعمليات بشكل عام".
وأعرب عن اعتقاده أن "ذلك ينبئ بأن إسرائيل تريد تطوير عمليتها العسكرية، لا سيما في سورية وجنوب لبنان، فربما نشهد توغلاً برياً إسرائيلياً داخل الأراضي السورية واللبنانية كذلك، لكن سيسبق ذلك تكثف الغارات والاستهداف للقيادات التي تحرك المليشيات التابعة لإيران".
وأشار حمود إلى أن "تكثيف الضربات يتزامن مع نشر القوات الأميركية والبريطانية وقوات التحالف الدولي بشكل عام الأساطيل والطيران القتالي في المنطقة، وتنفيذها ضربات سواء في اليمن أو العراق أو سورية، وهذا يدل على أن أي مشروع للتوسع في المستقبل لن يكون إسرائيلياً فحسب، بل على مستوى دولي، إذ من الواضح أن هناك مركز معلومات واحداً تُوزّع من خلاله الأهداف لضربها".
ورأى المحلل العسكري أنه أمام هذا الواقع، "هناك احتمالان"، موضحاً: "ربما ينتج عن تلك الضربات للقيادات الأمنية ما يرضى إسرائيل أو الغرب بحل مستقبلي، وذلك بعد إضعاف هذه القيادات أو إنهائها، أما الاحتمال الثاني فهو أن تلك الضربات تقود إلى مزيد من التوسع والتصعيد من خلال الاجتياح بعد إضعاف الكوادر"، وربط ذلك كله بما ستأتي به الضربات الإسرائيلية في سورية من نتائج.
وأضاف: "كل الاحتمالات لن تذهب إلى تحول الصراع إلى دولي، أي أن ينقل بشكل أو بآخر إلى الداخل الإيراني"، لافتاً إلى أنه "سيبقى حرباً بالوكالة على الساحات المختلفة التي تنتشر فيها إيران ومليشياتها في المنطقة".
لكن الكاتب والمحلل السياسي درويش خليفة رأى "أن حكومة بنيامين نتنياهو لديها بنك أهداف بشرية، وتستعين بالاستخبارات الأميركية في هذا المجال".
وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد": "يبدو أنه عقب عملية 7 أكتوبر، باتت على دراية أن المتشددين في الفصائل المدعومة إيرانياً هم من يشكّلون خطراً على حدودها الشمالية، وذلك بعد أن أصبحت إيران تطوقها من غزة ثم الجنوب السوري وصولاً إلى جنوب لبنان، من خلال الفصائل المحسوبة على طهران. وهذا ما يجعل استهداف قادة المليشيات الموالية لإيران أهدافاً سهلة المنال، وفي الوقت نفسه، فرصة لنتنياهو للهروب إلى الأمام عندما يشتد الخناق عليه من الداخل، سواء من قوى المعارضة أو من الشارع الإسرائيلي الذي باتت تُشغله التنمية والانخراط في مشاريع العولمة على حساب التوسع الاستيطاني".
درويش خليفة: لحكومة نتنياهو بنك أهداف بشرية وتستعين بالاستخبارات الأميركية في هذا المجال
وبالنسبة للتصعيد والأهداف المحتملة، رأى خليفة أن "اصطياد قادة الحرس الثوري والمليشيات الحليفة لإيران لن تتخلى عنه أي حكومة يصوّت عليها الكنيست، سواء بقي نتنياهو أو جاءت حكومة جديدة، وغالب الظن هدف اسرائيل من هذه الاغتيالات هو دفع قادة المليشيات ليكونوا أكثر براغماتية في أي مشروع للإقليم، وفي الوقت نفسه، ربما لإيصال رسالة إليهم بأن إيران تستخدمهم أدواتٍ لمشروعها التوسعي، على حساب أمن واستقرار المنطقة".
وكانت أبرز الضربات التي استهدفت المستشارين الإيرانيين في سورية تلك التي استهدفت مبنى في دمشق في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، ما أدى إلى مقتل خمسة من قادة "الحرس الثوري"، وسبقها اغتيال القيادي البارز في الحرس الثوري رضي موسوي، في 25 ديسمبر/كانون الأول الماضي، بضربة جوية إسرائيلية، فضلاً عن استهداف مستشار إيراني في مطلع فبراير الحالي بحي السيدة زينب جنوب دمشق، فضلاً عن الضربات التي شهدتها مدينة حمص قبل أيام.
زيادة في عدد الضربات الإسرائيلية في سورية
وفي إحصائية صدرت مطلع العام الحالي، ذكر "مركز جسور للدراسات" أن عام 2023 شهد زيادة في عدد الضربات الإسرائيلية في سورية وسُجّلت 40 ضربة مقارنة مع 28 ضربة عام 2022، ومثلها عام 2021. وتنوعت الضربات عام 2023 بين القصف الجوي والقصف البحري والقصف البري، وقد طاولت بعض الضربات أكثر من محافظة في وقت واحد، بمجموع 95 موقعاً، ودُمّر ما يقارب 297 هدفاً.
ولفت المركز إلى أن إسرائيل زادت من وتيرة ضرباتها في سورية بعد وقوع زلزال 6 فبراير 2023 وبعد اندلاع حرب غزّة، وارتفعت من 6 ضربات إلى 11 ضربة مقارنة بذات الفترة الزمنية بين عامي 2022 و2023.
وارتبطت هذه الزيادة، بحسب المركز، بتوسيع إيران أنشطتها الهادفة لتحويل سورية إلى قاعدة متقدّمة لعملياتها عبر الوكلاء ضد إسرائيل، التي تتعامل مع هذه المساعي منذ عام 2013 على أنها تهديد أمني، لكنها لا تزال تواجه "صعوبة وضع حد فاصل بين الوقاية المطلوبة والتصعيد غير المرغوب".