الصين تروّض الديمقراطية في جزيرة هونغ كونغ

24 ديسمبر 2021
انتخب أقل من ربع أعضاء المجلس بالاقتراع المباشر (Getty)
+ الخط -

قوبلت انتخابات المجلس التشريعي في جزيرة هونغ كونغ، والتي أجريت يوم الأحد الماضي، بانتقاد دولي، إذ أعربت دول غربية عدة عن قلقها على الديمقراطية في هونغ كونغ، والتي لقيت ضربة جديدة بفعل هذه الانتخابات، وهي الأولى في ظلّ قانون الأمن القومي الذي فرضته الصين على هونغ كونغ العام الماضي.

من جهتها، واصلت بكين رفض أي انتقاد دولي يتعلق بتشديد قبضتها في الجزيرة، في وجه الحراك المطالب بالديمقراطية.

وأعرب تحالف "العيون الخمس"، وهو المصطلح الذي يشير إلى التحالف الاستخباري بين بريطانيا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، يوم الإثنين الماضي، عن قلقه البالغ "إزاء تآكل الديمقراطية في هونغ كونغ"، وذلك في أعقاب انتخابات المجلس التشريعي في الجزيرة.

وأشار بيان صدر عن التحالف، إلى أن القوانين الجديدة التي فرضتها بكين، في إشارة إلى تعديلات النظام الانتخابي التي أقرت في مايو/أيار الماضي بدفع من الصين تحت عنوان "إصلاح النظام الانتخابي"، قلّصت عدد الأعضاء المنتخبين بالاقتراع المباشر (إلى 20 من أصل 90)، وجعلت الترشح مقتصراً على موالين لها، ما يعني فعلياً إلغاء أي معارضة. واعتبر البيان أن ذلك من شأنه فرض المزيد من القيود والحرّيات على السكان.

أعرب تحالف "العيون الخمس" عن قلقه إزاء تآكل الديمقراطية في هونغ كونغ

من جهتها، رفضت الصين بشدة بيان تحالف "العيون الخمس". وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، جاو لي جيان، في اليوم ذاته، إن هونغ كونغ جزء من الصين، وإن كيفية تطوير الديمقراطية في المنطقة الإدارية الخاصة (هونغ كونغ)، هو شأن من شؤونها الداخلية.

ولفت لي جيان إلى أن الحكومة المركزية في بكين تلتزم التنفيذ الكامل لمبدأ "دولة واحدة ونظامان"، إلى جانب دعم وتطوير نظام هونغ كونغ الديمقراطي بما يتوافق مع الواقع. ورأى أن أي محاولة للتدخل في الشؤون الداخلية للصين ستكون محكومة بالفشل.

تزامناً مع ذلك، أصدر المكتب الإعلامي التابع لرئاسة الوزراء في الصين، الإثنين الماضي، كتاباً أبيض (وثيقة رسمية حول إنجازات أو سياسة الصين في مسألة أو مجال معين)، بعنوان "هونغ كونغ: التقدم الديمقراطي في إطار دولة واحدة ونظامان"، وهو ثاني كتاب أبيض من هذا النوع يصدر حول شؤون هونغ كونغ منذ عام 2014.

وجاء في الكتاب، أن "النظام الانتخابي المحسن يضمن التطور السليم طويل الأمد للديمقراطية في هونغ كونغ، ويعزز الظروف المواتية اللازمة للانتخاب بالاقتراع العام أعضاء المجلس التشريعي والرئيس التنفيذي".

وأشار الكتاب الأبيض إلى أنه "في ظل الحكم الاستعماري البريطاني، لم تكن هناك ديمقراطية حقيقية في هونغ كونغ، وأنه بعد استعادة السيادة، نفّذت الحكومة الصينية المبدأ الأساسي المتمثل في دولة واحدة ونظامان، وتمكنت من إرساء أسس وقواعد الديمقراطية في الجزيرة".

واعتبر الكتاب أن "المحرّضين المناهضين للصين في هونغ كونغ عرقلوا الحكم وأبطأوا الاقتصاد أيضاً، وأفسدوا الديمقراطية وأعاقوا تقدمها". ورأى أن "التقدم نحو الديمقراطية توقف في منطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة، وذلك بسبب المحرضين المحليين والجماعات الخارجية التي تقف وراءهم".

وكان 30.2 في المائة فقط من الناخبين في هونغ كونغ، قد أدلوا بأصواتهم الأحد الماضي لاختيار ممثليهم في السلطة التشريعية، وسط عزوف شعبي كبير عن الاقتراع، بسبب القواعد الجديدة التي فرضتها الصين.

وتشترط هذه القواعد على المرشحين الذين بلغ عددهم 153، أن يقدموا تعهدات بالولاء السياسي للصين (لا يمكن أن يترشح سوى "الوطنيين")، وهو الأمر الذي أخرج بطبيعة الحال قوى المعارضة من السباق.

ووفق التعديلات الجديدة، فإن أقلية من أعضاء المجلس أصبحت تنتخب بالاقتراع العام (عدد المقاعد 90، ينتخب منها بالاقتراع المباشر 20 عضواً)، فيما يعين الباقون بالتزكية من قبل لجان ومجموعات مصالح موالية للصين.

وتعتبر هذه الدورة من الانتخابات، الأولى في ظلّ قانون الأمن القومي الخاص بهونغ كونغ، والذي أقره البرلمان الصيني في يونيو/حزيران الماضي. كما تعد نسبة إقبال الناخبين الأدنى، منذ إعادة الجزيرة إلى الصين في عام 1997.

كماشة الأمن القومي للصين في هونغ كونغ

وكانت جزيرة هونغ كونغ قد شهدت في عام 2019، احتجاجات شعبية غير مسبوقة، بسبب مشروع قانون صيني بحث آنذاك إمكانية تسليم المشتبه فيهم جنائياً في الجزيرة إلى بكين للمثول أمام المحاكم الشعبية. في أعقاب ذلك، أقرّت بكين ما عُرف بقانون الأمن القومي، لمنع مثل تلك الاحتجاجات في المستقبل.

وتضمّن القانون منح صلاحيات واسعة النطاق للرئيس التنفيذي للجزيرة الذي تعيّنه بكين، وإنشاء مكتب للأمن القومي يتبع الحكومة المركزية مباشرة، بالإضافة إلى تعديلات في الدستور وقانون الانتخاب، تعزز جميعها قبضة بكين الأمنية على المستعمرة البريطانية السابقة. وقوبل القانون بإدانة من عدد من الدول في حينه، واعتبرت واشنطن أن هونغ كونغ لم تعد منطقة إدارية مستقلة.

الناشط مارك لام: نجحت بكين في عزل المؤيدين للديمقراطية عن أي نشاط سياسي

ومعلقاً على تداعيات الانتخابات الأخيرة في هونغ كونغ، وتأثير قانون الأمن القومي، أقّر الناشط الحقوقي المقيم في هونغ كونغ، مارك لام، في حديث مع "العربي الجديد"، بنجاح بكين في عزل النشطاء المؤيدين للديمقراطية عن أي أنشطة سياسية في الجزيرة، سواءً من خلال الاعتقال المباشر بحجة مخالفة قانون الأمن القومي، أو من خلال سنّ تشريعات مخالفة للدستور للحيلولة دون مشاركتهم في الانتخابات.

ولفت لام إلى أن هناك 12 عضواً من أعضاء المجلس التشريعي (السابق) المؤيدين للديمقراطية معتقلون في السجون، ولم يتمكنوا من الترشح خلال هذه الدورة، بينما لم يشارك بقية الأعضاء لأنه لم تنطبق عليهم شروط الترشح، التي يأتي في مقدمتها قسم الولاء والطاعة للقيادة المركزية في بكين.

وكان الناشط الذي فر إلى بريطانيا في وقت سابق من العام الماضي، ناثان لو، وهو عضو سابق في المجلس التشريعي، قد اعتبر في تغريدة على "تويتر"، حول نتائج الانتخابات، أن "الناس لا يريدون التصويت لمجلس صوري، والتظاهر بأن كل شيء على ما يرام".

هونغ كونغ إلى "دولة ونظام واحد"

بدوره، اعتبر أستاذ الدراسات السياسية في جامعة سوتشو، ليو بينغ، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الأمر "أشبه بمسرحية"، متسائلاً "ما معنى أن تعقد انتخابات تشريعية على أقل من ربع مقاعد البرلمان بين مرشحين يدينون بالولاء لبكين؟".

ورأى بينغ أن الإجراء "خطوة أخرى نحو تفكيك مبدأ دولة واحدة ونظامان". وأوضح أن "الصيغة التي تمّت بموجبها استعادة هونغ كونغ قبل 24 عاماً، تعني احتفاظ الجزيرة بأنظمة قضائية وقانونية مستقلة، وإن كانت تتبع البرّ الرئيسي كمنطقة إدارية خاصة تتمتع بدرجة عالية من الحكم الذاتي. ولكن بعد قانون الأمن القومي الجديد، بتنا أمام دولة ونظام واحد، هو النظام الشيوعي الذي يهيمن باسم الأمن، على كل مؤسسات المدينة السياسية والاقتصادية والاجتماعية"، بحسب قوله.

وبعد انتهاء نتائج انتخابات المجلس التشريعي في هونغ كونغ، تتجه الأنظار حالياً إلى انتخاب الرئيس التنفيذي للجزيرة، المقرر في مارس/آذار المقبل، والذي سيقتصر أيضاً على لجنة تحددها بكين تتألف من 1500 عضو. ولا تزال الشكوك تحوم حول نية الرئيسة الحالية كاري لام، الترشح للمنصب مجدداً، بعدما تراجعت نسبة التأييد الشعبي لها إلى 36 في المائة.

لكن سياسة لام التي تزور حالياً بكين، حظيت بإشادة من الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي أكد أول من أمس الأربعاء، أن هذه السياسة محط تأييد بالكامل من الحكومة المركزية بعدما "وضعت حداً للفوضى والاضطراب" في الجزيرة.

واعتبر شي أن الوضع "يتطور باستمرار نحو الأفضل" في هونغ كونغ، مضيفاً أن الانتخابات التشريعية أجريت بفضل تغييرات النظام الانتخابي التي فرضتها بكين. من جهتها، تجاهلت لام الانتقادات حول الامتناع القياسي عن التصويت، مؤكدة أن حكومتها "لم يكن لديها هدف محدد لنسبة المشاركة".

المساهمون