بدأ الجيش الصيني، الخميس، أهم مناورات عسكرية في تاريخه حول تايوان ردّاً على زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي الجزيرة التي تعتبرها بكين جزءاً لا يتجزأ من أراضيها.
وأعلنت القناة التلفزيونية الصينية الحكومية "سي سي تي في" بدء أكبر تدريبات على الإطلاق تنظمها بكين في محيط الجزيرة التي تطالب بها. وقالت القناة في رسالة نُشرت على شبكة "ويبو" للتواصل الاجتماعي: "التدريبات بدأت".
وعلى جزيرة بينغتان الصينية الواقعة قرب مكان المناورات، رصد مراسلو وكالة "فرانس برس" عدة مقذوفات صغيرة تطلق قرب منشآت عسكرية باتجاه مضيق تايوان، وتحلق في السماء مخلفة دخاناً أبيض ودوياً.
وأطلقت القوات الصينية صواريخ بالستية "عدة" في المياه المحيطة بتايوان خلال التدريبات، على ما أعلنت وزارة الدفاع التايوانية، التي نددت بما وصفته بأنه "تصرفات طائشة تهدد السلم الإقليمي".
وقالت وزارة الدفاع في بيان مقتضب: "أطلق الحزب الشيوعي الصيني دفعات عدة من صواريخ دونغفينغ البالستية في المياه المحيطة بشمال شرق تايوان وشمال غربها، اعتباراً من حوالى الساعة 13:45".
وأكد جيش التحرير الشعبي الصيني أيضاً إطلاق صواريخ.
وقال الكولونيل شي يي، المتحدث باسم قيادة المسرح الشرقي للعمليات، إن القوات الصينية شنت "هجوماً بقوة الصواريخ التقليدية متعددة النماذج على مناطق بحرية محددة سلفاً، قبالة الجزء الشرقي من جزيرة تايوان".
وأضاف الكولونيل شي أن "جميع الصواريخ أصابت الهدف بدقة، واختُبِرَت دقة الضربة وموانع دخول المنطقة".
VIDEO: Chinese military helicopters fly past Pingtan island, one of mainland China's closest points to Taiwan, in Fujian province on Thursday.
— AFP News Agency (@AFP) August 4, 2022
China has begun massive military drills off Taiwan following US House Speaker Nancy Pelosi's visit to the self-ruled island pic.twitter.com/7czzPNQbNp
تايبه تدفع بطائرات مقاتلة
في المقابل، قالت وزارة الدفاع التايوانية إن الجزيرة سارعت بإرسال طائرات مقاتلة لتحذير طائرات صينية دخلت منطقة الدفاع الجوي التابعة لها.
وأفاد بيان للوزارة بأن جميع الطائرات الصينية المقاتلة البالغ عددها 22 عبرت الخط الفاصل الذي يقسم مضيق تايوان.
وفور بدء المناورات، أكد الجيش التايواني أنه "يستعد للحرب من دون السعي للحرب". وقال في بيان إن "وزارة الدفاع الوطني تؤكد أنها ستلتزم مبدأ الاستعداد للحرب من دون السعي للحرب".
واستغرقت زيارة نانسي بيلوسي هذه المنطقة، التي تطالب بها الصين، أقل من 24 ساعة، لكنها أثارت غضب بكين لأنها أعلى مسؤول أميركي منتخب يزور تايبيه منذ 25 عاماً. وأكدت بيلوسي بحزم أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن الجزيرة، التي يحكمها نظام ديمقراطي وتعيش تحت التهديد الدائم لغزو من قبل الجيش الصيني.
وردّ وزير الخارجية الصيني وانغ يي قائلاً إن "الذين يسيئون إلى الصين سيعاقبون حتماً".
وردّاً على هذه الزيارة، تجري بكين مناورات عسكرية كبيرة اعتباراً من ظهر الخميس (04:00 بتوقيت غرينتش) في عدد من المناطق حول تايوان عند طرق التجارة المزدحمة.
وذكرت صحيفة غلوبال تايمز، نقلاً عن محللين عسكريين، أن التدريبات ستجرى على مدى "غير مسبوق"، لأن الصواريخ ستحلق فوق تايوان للمرة الأولى. وقالت الصحيفة المعروفة بلهجتها القومية: "هذه هي المرة الأولى التي يطلق فيها الجيش الصيني ذخيرة حية ونيرانَ مدفعيةٍ بعيدة المدى فوق مضيق تايوان".
وفي إجراء احترازي لضمان السلامة، منعت إدارة الأمن البحري الصينية السفن من دخول المناطق المعنية.
وستُجرى هذه التدريبات في سلسلة من المناطق التي تطوق تايوان، وبعضها على بعد عشرين كيلومتراً فقط من الساحل التايواني، وستستمر حتى ظهر الأحد.
حصار الجزيرة
ودانت سلطات الجزيرة هذا البرنامج، مؤكدة أنه يهدد أمن شرقي آسيا.
وقال سون لي فانغ، المتحدث باسم وزارة الدفاع التايوانية، إن "بعض مناطق المناورة الصينية تتداخل.. مع المياه الإقليمية لتايوان"، مديناً "العمل غير العقلاني الذي يهدف إلى تحدي" النظام الدولي.
وذكرت الوزارة أن الجيش التايواني أطلق قذيفة مضيئة، ليل الأربعاء الخميس، لإبعاد طائرة مسيّرة كانت تحلق فوق جزيرة كينمن، التي تبعد عشرة كيلومترات فقط عن مدينة شيامن في الصين القارية. ولم يحدد نوع الطائرة المسيّرة أو مصدرها.
وتؤكد بكين أن هذه التدريبات، وكذلك تدريبات أخرى محدودة بدأت في الأيام الأخيرة، "إجراء ضروري وشرعي" بعد زيارة بيلوسي.
وقالت هوا تشون ينغ، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية للصحافيين، إن "الولايات المتحدة هي المحرض والصين هي الضحية. الصين في وضع الدفاع الشرعي عن النفس".
وذكرت وكالة أنباء الصين الجديدة "شينخوا" الرسمية أن التدريبات تهدف إلى محاكاة "حصار" للجزيرة، وتشمل "مهاجمة أهداف في البحر وضرب أهداف على الأرض والسيطرة على المجال الجوي".
وتبقى فرضية غزو تايوان التي تضم 23 مليون نسمة غير مرجحة، لكنها تعززت منذ انتخاب الرئيسة الحالية تساي إنغ وين في 2016.
وخلافاً للحكومات السابقة، ترفض تساي القادمة من "حزب الاستقلال" الاعتراف بأن الجزيرة والبر الرئيسي جزآن من "صين واحدة".
بلينكن: نعارض أي مسعى لتغيير الوضع الراهن لتايوان
واليوم الخميس، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لنظرائه في منطقة جنوب شرقي آسيا إن الولايات المتحدة تعارض أي جهود أحادية الجانب لتغيير الوضع الراهن في تايوان، خاصة بالقوة، ولم تتغير سياستها بشأن تايوان.
وصرح خلال اجتماع في كمبوديا بأن الاستقرار عبر مضيق تايوان يصب في مصلحة المنطقة بأسرها، مضيفاً أن واشنطن حريصة على سماع أفكار من رابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان) حول كيفية تعاونها مع مجموعة الحوار الأمني الرباعي (كواد)، التي تضم الولايات المتحدة والهند وأستراليا واليابان.
وكانت وزارة الخارجية الصينية قد قالت، اليوم الخميس، إنه أُلغي اجتماع بين الوزير وانغ يي ونظيره الياباني، على هامش الاجتماع ذاته.
وقال المتحدث باسم الوزارة هوا تشون ينغ، في إفادة إعلامية دورية، إن الجانب الصيني يشعر باستياء شديد من البيان المشترك الذي أصدرته دول مجموعة السبع بشأن تايوان.
ودعا وزراء خارجية دول مجموعة السبع ومن بينهم اليابان، أمس الأربعاء، الصين إلى إنهاء التوتر في مضيق تايوان بطريقة سلمية.
وزادت زيارات المسؤولين والبرلمانيين الأجانب في السنوات الأخيرة للجزيرة، ما أثار غضب بكين.
وردّاً على ذلك، تسعى الصين، بقيادة الرئيس شي جين بينغ، والتي ترفض المساومة على حلّ مسائل السيادة، لعزل تايوان دبلوماسياً، وممارسة ضغوط عسكرية متزايدة على الجزيرة.
والنتيجة أن مضيق تايوان أصبح ساحة لتوتر خطير بين الولايات المتحدة والسلطات التايوانية من جهة، من جهة أخرى السلطات الصينية المضطرة لتأكيد تصميمها على موقفها مع اقتراب مؤتمر "الحزب الشيوعي" الصيني.
وما لم تحدث مفاجأة، فسيشهد هذا المؤتمر، الذي سينظم في الخريف، إعادة انتخاب شي جين بينغ على رأس الحزب لولاية ثالثة.
مع ذلك، أكد خبراء أن الصين لا ترغب في تدهور الوضع الحالي. وصرح تشونغ جا إيان، الخبير الأمني في جامعة سنغافورة الوطنية، بأنهم "يلتزمون الحذر ولا يريدون أي تصعيد خارج عن السيطرة".
وقال تيتوس تشين، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ناشيونال صن يات سين في تايوان، إن "حرباً عرضية" تندلع نتيجة حادث "هي آخر شيء يريده شي جين بينغ" قبل مؤتمر "الحزب الشيوعي" الصيني.
وتشير أماندا هسياو، محللة الشؤون الصينية في مركز أبحاث مجموعة الأزمات الدولية، إلى أن هذه التدريبات "تمثل تصعيداً واضحاً مقارنة بالأنشطة العسكرية الصينية حول تايوان والأزمة السابقة في مضيق تايوان في 1995-1996". وأكدت أن "بكين تشير بتحركها إلى أنها ترفض أي سيادة" للسلطات التايوانية على الجزيرة.
(فرانس برس، رويترز)