الصراع الروسي الأوكراني: مفاوضات القوى العظمى فوق رأس الأوروبيين

07 يناير 2022
يدور حديث عن سعي أميركي روسي للاتفاق على نظام أمني جديد لأوروبا (Sega VOLSKII/ فرانس برس)
+ الخط -

يناقش الجانبان الأميركي والروسي، مطلع الأسبوع المقبل في جنيف، الصراع في شرق أوكرانيا، والضمانات الأمنية التي تطالب بها روسيا، بعد أن أصبح الغرب فجأة مستعداً للمحادثات، مع أن الرئيس الأميركي جو بايدن، وخلال اتصال مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، رفض وبشكل قاطع الأمر، مهدداً الأخير بعواقب وخيمة إذا ما غزا الجيش الروسي أوكرانيا.

يأتي ذلك وسط حديث عن أن الولايات المتحدة وروسيا تسعيان للاتفاق على نظام أمني جديد للقارة الأوروبية بأكملها، بعد أن افترضت موسكو أن الهدف الاستراتيجي يتمثل في الرغبة في التوصل إلى تفاهم مع الولايات المتحدة، حول مناطق النفوذ المعنية.

الأوروبيون يخشون التجاهل

وإزاء ذلك، برزت الخشية لدى الاتحاد الأوروبي من أن يتم تجاهله في المداولات بين أميركا وروسيا، وهذا ما عبّرت عنه، اليوم الجمعة، رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين، والتي شددت أنّ على أوروبا أن تكون طرفاً في أي مفاوضات لتخفيف التوتر بين روسيا وأوكرانيا.

وفي تصريحات تسبق محادثات أمنية حاسمة مقررة بين الولايات المتحدة وروسيا الأسبوع المقبل، قالت فون دير لايين خلال مؤتمر صحافي في باريس حيث التقت الرئيس إيمانويل ماكرون، إنه "مهما كان الحل، يجب إشراك أوروبا".

وسبق موقف فون دير لايين، كلام لمنسق السياسة الخارجية في الاتحاد، جوزيب بوريل، خلال زيارته كييف أخيراً، عندما أشار إلى أنه ينبغي إشراك الاتحاد الأوروبي في أي محادثات، ومن أنه لا أمن في أوروبا من دون أمن أوكرانيا، مشدداً على أن الحكومة في كييف ستحظى بالدعم الكامل.

وفيما يتعلق بروسيا، قال بوريل "شئنا أم أبينا، سيتعين علينا التحدث". قبل أن يستدرك أنه لا يرى مشكلة في أن تكون هناك محادثات مبدئية فقط بين الأميركيين والروس.

أما وزير الخارجية الأوكراني، ديمتري كوليبا، فقال "ليس لروسيا الحق في تحديد نوع العلاقة التي يجب أن تكون بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي".

الواقعية الأوروبية والدور الألماني

وربطاً بما تقدم، ذكرت صحيفة فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ (صحيفة فرانكفورت العامة)، أن أوروبا لن تصبح صوتاً مسموعاً في المحادثات بين روسيا وأميركا، إلا إذا فهمت أن الأمور بالنسبة لموسكو تتعلق بما هو أبعد من أوكرانيا. وأبرزت الصحيفة أنه من خلال نشر المراسلات السرية أوصلت موسكو رسالتها إلى الأوروبيين، في جولة غير دبلوماسية، بأنها لم تعد مهتمة بإجراء مزيد من المحادثات معهم حول الحرب في أوكرانيا. والآن تحاول برلين وفرنسا والاتحاد الأوروبي، بمبادرات دبلوماسية محمومة، الوقوف على الأبواب فيما خصّ الاجتماعات مرة أخرى.

وتشير الصحيفة إلى أن هناك فرصاً للنجاح فقط، إذا كانت مثل هذه المبادرات تستند إلى تصور واقعي للنظام الروسي، وأن الكرملين مهتم بما هو أبعد من أوكرانيا. وبالنسبة لروسيا، هناك مشهد مواجهة واسعة النطاق مع الغرب. لا يتعلق الأمر الآن بالتوسط في نزاع بمكان ما في أوروبا الشرقية، بل بتأكيد الاتحاد الأوروبي لذاته ضد دكتاتور عدواني.

وفي السياق نفسه، قال الباحث السياسي أولريش كين إن الموقف الألماني "ليس غير مهم"، حتى ولو أشار بوتين إلى رغبته في التحدث إلى الولايات المتحدة، من فوق رأس الأوروبيين، لأنه، وقبل كل شيء، تبقى ألمانيا مهمة من الناحية الاقتصادية، مستوردة للنفط والغاز الروسي، ويمكن أن تضع ذلك على الطاولة، وبالتالي تستخدم نورد ستريم 2 وسيلة ضغط.

ويعتقد محللون أنه إذا ما تعلق الأمر بالحرب والسلام في أوروبا، يتحتم أن يكون الاتحاد الأوروبي على طاولة المفاوضات، خاصة أننا أمام أخطر أزمة أمنية لأوروبا منذ سنوات، من دون إغفال الإشارة إلى أن صيغة "النورماندي"، المؤلفة من ألمانيا وفرنسا وروسيا وأوكرانيا، ظلت تتفاوض على حل سلمي لشرق أوكرانيا، وفشلت في تحقيق أي نوع من النجاحات على مر السنوات الماضية، وتبددت جهود السلام مع غياب التوفيق وتصلب الجبهات، وتدهورت نتيجة لذلك، العلاقة بين موسكو وكييف باطراد، وعاد شبح الحرب ليسيطر على الحدود الشرقية الأوروبية.

تجدر الإشارة إلى أن كبار مستشاري زعماء "النورماندي" ناقشوا، أمس الخميس في موسكو، الصراع القائم، بعد غياب عامين على قمّة لزعماء "النورماندي"، من دون ممثل عن كييف، العضو الرابع في الصيغة المذكورة.

وفي الإطار، طرحت صحيفة دي تسايت، تساؤلات حول ما إذا كانت عودة القوى الكلاسيكية للتفاوض فوق رأس الأوروبيين ستؤدي إلى إضعاف أوروبا أكثر، وربما تقسيم التحالف الغربي، وخلصت إلى أنه وبعد ضمّ بوتين للقرم عام 2014، كانت هناك لحمة بين الأطراف الغربية لفترة وجيزة. وفي ذلك الوقت، قررت دول حلف شمال الأطلسي إنفاق 2 % من ناتجها الإجمالي على السياسة الدفاعية، وربما سينجح بوتين هذه المرة أيضاً في تعزيز إرادة الأوروبيين على المدى الطويل، لبذل المزيد من أجل الأمن في قارتهم، وفي أن يدفع الأميركي لإشراك الحلفاء في المفاوضات.

المساهمون