الشارع السوري الكردي منقسم بعد انتفاضة وثورة

14 مارس 2022
أحيا الأكراد ذكرى عام 2004 يوم السبت (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

يحيي الأكراد السوريون كل عام ذكرى "الانتفاضة" التي قاموا بها في 12 مارس/ آذار 2004 ضد النظام، والتي تتزامن تقريباً مع ذكرى الثورة السورية التي انطلقت في 15 مارس/ آذار 2011 وانخرط فيها الأكراد، قبل أن يسلّم النظام شمال شرقي سورية لـ"الوحدات الكردية".

ويعتبر الأكراد انتفاضتهم في عام 2004 خطوة واسعة باتجاه الثورة التي عمّت سورية بعد ذلك بنحو سبع سنوات والتي يستعد السوريون لإحياء ذكراها، وبلادهم باتت مناطق نفوذ دولية وإقليمية وتسيطر عليها قوى لها مشاريع سياسية مناقضة تماماً لمبادئ الثورة.

وبدأت الانتفاضة الكردية قبل 18 عاماً إثر مشاحنات بين جمهوري فريقي الفتوة والجهاد بكرة القدم أثناء مباراة في مدينة القامشلي، بعد عام تقريباً من الغزو الغربي للعراق، وامتدت بعد ذلك لتشمل كل المناطق التي يشكّل فيها الأكراد غالبية، بل وصلت إلى كبرى المدن السورية مثل حلب ودمشق اللتين يقطن فيهما عدد كبير من الأكراد.

وقُتل وأصيب واعتقل المئات من الأكراد السوريين من قبل الأجهزة الأمنية للنظام الذي فوجئ بـ"الانتفاضة"، قبل أن يستعيد السيطرة على الأوضاع في المناطق التي خرجت فيها تظاهرات تندد به.

ضحايا انتفاضة 2004

"أخمد النظام الانتفاضة بالحديد والنار"، يقول كريم هولي، وهو ناشط سياسي اعتقل في عام 2004، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد": "أطلقت الأجهزة الأمنية النار على مشيّعي القتلى، وحالت دون وصول المصابين إلى المستشفيات، واستمرت في حملة الاعتقالات والمداهمات نحو شهر".

ولا توجد إحصائيات دقيقة عن عدد القتلى والمصابين والمعتقلين جراء انتفاضة عام 2004، ولكن ناشطين أكراداً يؤكدون مقتل نحو 33 مدنياً واعتقال نحو 2000 معظمهم من الأكراد، بقي عدد منهم عدة سنوات داخل المعتقلات.

وأحكم النظام السوري عقب الانتفاضة سيطرته على محافظة الحسكة التي تضم العدد الأكبر من الأكراد السوريين، فوضع وحدات عسكرية دائمة هناك منذ ذلك الحين.


عمّق النظام من سياسة الإقصاء والتهميش للأكراد بعد الانتفاضة

وبعد سحق الانتفاضة من قبل الأجهزة الأمنية، عمّق النظام من سياسة الإقصاء والتهميش للأكراد والتي تُمارس بحقهم منذ عام 1963 تاريخ تولّي حزب البعث السلطة في سورية.

وجد الأكراد السوريون في ثورة 2011 فرصة حقيقية لنيل حقوقهم فانخرطوا بقوة في الحراك الثوري إلى جانب العرب، ولكن النظام استطاع تحييد جانب من الشارع الكردي من خلال عدة خطوات، منها منح الجنسية السورية لعشرات الآلاف الذين كانوا محرومين منها، ومن ثم اغتال في أكتوبر/ تشرين الأول 2011 مشعل تمو الذي كان أحد أبرز وجوه الثورة، وقائد الحراك في الشارع الكردي، وكان يحظى باحترام جميع السوريين.

وسهّل النظام لـ"حزب الاتحاد الديمقراطي"، الذي يُنظر إليه باعتباره نسخة سورية من حزب "العمال الكردستاني"، تشكيل "وحدات حماية الشعب"، التي تولت إدارة المناطق الكردية بعد تسليحها من قبل النظام نفسه لتطويق الحراك الثوري في تلك المناطق.

وليست هناك إحصائيات واضحة عن عدد الأكراد أو النسبة التي يشكلونها بين سكان سورية، لكن المبعوث الأممي السابق إلى سورية ستيفان دي ميستورا قال سابقاً إن نسبة الأكراد 5 في المائة من عدد السكان، بينما ترى هيئات كردية أن النسبة أكبر من ذلك.

وعلى مدى سنوات، سيطرت "وحدات حماية الشعب" التي تشكل الثقل الرئيسي من "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) على مجمل الشمال الشرقي من سورية، متفردة بقراره العسكري والسياسي والأمني والاقتصادي من خلال ما يُعرف بـ"الإدارة الذاتية".

وحيّد "حزب الاتحاد الديمقراطي "أغلب القوى السياسية والثورية في الشارع الكردي، وأبرزها المجلس الوطني الكردي الذي يضم العديد من الأحزاب السورية الكردية، وأهمها الحزب الديمقراطي الكردستاني السوري، وهو أول حزب كردي يتأسس في سورية عام 1957.

وتربط المجلس المنضوي في الائتلاف الوطني السورية بعلاقات وثيقة مع قيادة إقليم كردستان العراق. وفشلت العديد من المحاولات لتجسير الهوة بين المجلس والاتحاد الديمقراطي ومشاركة المجلس الوطني في قرار الشمال الشرقي من سورية أو ما يُعرف بـ"شرقي الفرات".


فشل الأميركيون في إنجاح حوار كردي ـ كردي

وفشل حوار رعته وزارة الخارجية الأميركية خلال عام 2020، عقب عقد العديد من الجولات بين المجلس الوطني وحزب "الاتحاد الديمقراطي" وأحزاب تدور في فلكه.

ورفض "الاتحاد الديمقراطي" فكّ الارتباط بين الإدارة و"العمال الكردستاني"، وتعديل العقد الاجتماعي، وإلغاء التجنيد الإجباري، ودخول "البشمركة السورية" (قوات تابعة للمجلس تتمركز شمال العراق) إلى الشمال الشرقي من سورية.

دعوة لانتفاضة ضد "العمال الكردستاني"

وفي مؤشر على انسداد آفاق التفاهم بين الكيانين الكرديين الأكبر في سورية، دعا نائب رئيس الائتلاف الوطني السوري عبد الحكيم بشار، وهو قيادي بارز في "الوطني الكردي"، إلى "انتفاضة جديدة ومواجهة خطر تنظيم العمال الإرهابي الذي لا يقلّ خطراً عن نظام الأسد"، في كلمة له، أول من أمس السبت، أمام ممثلية المجلس الوطني الكردي بإقليم كردستان العراق بمناسبة الذكرى السنوية الـ18 لانتفاضة 2004.

واعتبر بشار أن تلك الانتفاضة "البداية الحقيقية للثورة السورية التي اندلعت عام 2011"، مضيفاً أن المواطنين الذين انتفضوا في مارس 2004 بوجه طغيان الأجهزة الأمنية، وأفشلوا ما دبّره نظام الأسد وكسروا حاجز الخوف والترهيب، ليسوا عاجزين عن الوقوف بوجه زمرة متخلفة مستقدمة من الخارج لتتحكم بأبناء المنطقة.

وأشار بشار إلى "أن تنظيم العمال الكردستاني الإرهابي يستمر بتقديم الشباب الأكراد كقرابين رخيصة، خدمةً لمشروعه الحزبي الخاص، ولأجندات غير وطنية، ولا يقدم أي ربح للأكراد السوريين"، مطالباً بـ"تعاون أبناء المنطقة من الأكراد والعرب والسريان وكل المكونات، من أجل العمل معاً لإخراج عناصر تنظيم العمال من منطقة الجزيرة السورية".

من جهته، استهجن الباحث السياسي المقرب من "الإدارة الذاتية" في شمال شرقي سورية، إبراهيم مسلم، في حديث مع "العربي الجديد"، الدعوة التي أطلقها المجلس الوطني لانتفاضة جديدة في الشارع السوري الكردي، ضد كوادر حزب العمال في شمال شرقي سورية، مؤكداً أن "الأكراد السوريين لا علاقة لهم أبداً بحزب العمال الكردستاني الذي ينشط في تركيا".

وتابع: "القائمون على الإدارة الذاتية لطالما أكدوا في تصريحات إعلامية أنه لا علاقة لهم بهذا الحزب". وأشار إلى أن "عبد الحكيم بشار جزء من مؤسسة الائتلاف التي ما تزال تتحاور مع النظام السوري"، مضيفاً: "حري به أن يدعو لانتفاضة ضد المحتل التركي والوجود الإيراني. عداؤه لحزب العمال الكردستاني نابع من عداء تركيا لهذا الحزب".

المساهمون