تعود إلى الواجهة، أخيراً، مسألة التنافس الروسي الإيراني على النفوذ والموارد في سورية، وهذه المرة من بوابة الانتشار الروسي في حقول النفط والغاز بالتزامن مع خروج القوات الإيرانية منها، في خطوة لا تزال حتى الساعة غير واضحة الأهداف.
وقالت مصادر محلية، اليوم الإثنين، لـ"العربي الجديد"، إن المليشيات الإيرانية والمدعومة من إيران المتواجدة في حقول النفط والغاز في ريف دير الزور، وريف الرقة، وبعض المواقع النفطية أيضاً في ريف حمص، غادرت أو بدأت بالمغادرة، تزامناً مع دخول قوات عسكرية روسية مع قوات محلية تابعة لموسكو لاستطلاع الحقول ومحيطها.
ويأتي ذلك في وقت لا تزال فيه أسباب تلك الحركة غير واضحة، وفيما يبدو أنها حركة لتلافي الضربات الإسرائيلية أو ضربات التحالف الدولي بالدرجة الأولى، يبدو أيضاً أنها في إطار تقاسم النفوذ بين روسيا وإيران في سورية.
وقالت المصادر إن وفداً عسكرياً روسياً رافقه وفد من النظام السوري، بينهم موظفون مدنيون وخبراء عسكريون وفنيون، أجروا جولة على العديد من الحقول في ريف دير الزور ومنطقة الطبقة خلال الأيام الخمسة الماضية.
وكان من أبرز المناطق التي جرى زيارتها حقول بادية البوكمال، بالإضافة إلى حقلي التيم والورد في ريف دير الزور، وحقل الثورة وحقل توينان في البادية الممتدة بين الرقة وحمص.
وأكدت المصادر أن تعزيزات من "الفيلق الخامس" المدعوم من روسيا، وصلت برفقة قوات من الشرطة العسكرية الروسية إلى منطقة البلاكوس في جنوب مدينة البوكمال، وإلى حقلي الثورة وتوينان بعد انسحاب عناصر مليشيا "فاطميون" منها، لافتةً إلى أن القوات التي جاءت معززة بأسلحة وذخائر ورافقتها أيضاً مروحيات أثناء تنقلها.
ويرى المحلل العسكري السوري العقيد أحمد الحمادة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن ما يحدث في حقول النفط اليوم هو تقاسم للنفوذ بين روسيا وإيران، موضحاً أن حليفي النظام يتقاسمان "الكعكة السورية"، وما يحدث اليوم هو في سبيل تثبيت النظام وبقائه جاثماً على صدور السوريين.
وقال الحمادة إن "الروس والإيرانيين متفقون في استراتيجية عسكرية وسياسية تهدف للإبقاء على النظام، وهم متنافسون في زوايا أخرى من بينها النفوذ العسكري في البادية، ومن دلائله رفض الإيرانيين الخروج من مطار التيفور بريف حمص، رغم تعرضهم لضربات جوية إسرائيلية".
واستدرك أنه "في حقول النفط والغاز مثل شاعر وتوينان، أزاحت روسيا الإيرانيين، فهي تريد الاستئثار بهذه الحقول، وهو ما تريده في مقابل دعمها النظام".
وبحسب الحمادة، فإن بقاء الإيرانيين في بعض النقاط إلى جانب الروس يأتي بهدف التمويه، وتحسباً من الطائرات الإسرائيلية التي تستهدفهم في سورية.
وأضاف أن الانسحاب الإيراني أيضاً يأتي بهدف التمويه على الغارات الإسرائيلية من خلال إعادة الانتشار في مناطق مدنية مأهولة، وبالتالي إخفاء المواقع ومخازن الأسلحة، واستخدام المدنيين كدروع بشرية.
وتابع "كذلك تقوم إيران بنقل أسلحتها إلى مواقع تابعة للنظام بهدف التمويه أيضاً، وبالتالي يمكن القول إن الحركة في الحقول هي تنافس، وفي الوقت ذاته لحماية القوات الإيرانية".
واستبعد الحمادة وجود خلاف قد يؤدي إلى صراع بين روسيا وإيران في سورية، مشدداً على أن الطرفين بحاجة لبعضهما عسكرياً، وأن هدفهما واحد هو "بقاء النظام الذي يؤمن مصالحهما"، وصراعاتهما تتم عن طريق التابعين من مليشيات وغيرهم في نطاقات ضيقة.
وفي الشأن، أكد مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، أن جميع الحقول في مناطق سيطرة النظام كان يتواجد فيها قوات تابعة للمليشيات الإيرانية، وبعض الحقول يتواجد فيها قوات روسية أو مدعومة من روسيا.
وكشفت المصادر إياها أن تلك المليشيات لا تستفيد من الحقول مادياً لكون المليشيات غير خبيرة في إدارة الحقول، وتشغيلها منوط بشركات النظام أو الشركات الأجنبية المستثمرة.
وبينت المصادر أن معظم تلك الحقول إنتاجها ضعيف، إما بسبب تضررها نتيجة المعارك بين النظام و"داعش" أو بسبب الأعطال التي لم يجر إصلاحها على خلفية قلة خبرة النظام والواقع الاقتصادي والأمني السيئ للأخير، مرجحة بأن تكون لدى الروس نية تفعيل تلك الحقول وزيادة إنتاجها.
من جهة ثانية، أشارت المصادر إلى أن حقلي التيم والورد يخضعان فعلياً لسيطرة النظام وروسيا، منذ العام الماضي، بينما التواجد الإيراني هناك هو فقط عسكري في مقرات ضمن الحقول، وفي الغالب يجري إجلاؤها حاليا تلافياً لتعرضها لهجمات من الطيران الإسرائيلي أو الأميركي.
وكان النظام السوري قد سيطر عام 2017 بعد معارك مع "داعش"، وبدعم روسي وإيراني، على أجزاء واسعة من الرقة ودير الزور، بالإضافة إلى مناطق واسعة في حماة وحمص تضم مكامن الثروة الباطنية.