استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اليوم الأحد، نظيره الصومالي حسن شيخ محمود، في قصر الاتحادية الرئاسي بالقاهرة، وذلك لعقد مباحثات ثنائية حول تعزيز العلاقات بين الصومال ومصر في ضوء الأوضاع الإقليمية الراهنة.
وأفاد السيسي، في مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الصومالي، بأن المباحثات تناولت الاتفاق الذي وقعته إثيوبيا مع أرض الصومال (غير المعترف بها دولياً)، مجدداً رفض بلاده للاتفاق كما ورد في بيان سابق لوزارة الخارجية، وتمسكها بعدم التدخل في شؤون الصومال أو المساس بوحدة أراضيه.
ووجّه السيسي رسالة إلى إثيوبيا، بقوله: "التعاون والتنمية بين الدول أفضل كثيراً من أي شيء آخر، وحصول أديس أبابا على تسهيلات من الأشقاء في الصومال وجيبوتي وإريتريا يكون من خلال الوسائل التقليدية المتعارف عليها، وتوقيع الاتفاقيات الثنائية المتعلقة بالاستفادة من الموانئ".
واستدرك السيسي: "لا أحد يرفض ذلك، ولكننا نرفض محاولة القفز على أرض من الأراضي للسيطرة عليها، لا سيما أن الصومال دولة عربية، ولها حقوق في الدفاع المشترك لأي تهديد يواجهها، بموجب ميثاق الجامعة العربية".
وأضاف: "بكل وضوح أقول إن مصر لن تسمح لأحد بتهديد الصومال أو المساس بأمنه، فالدولة المصرية لن تسمح بتهديد أمن أشقائها، خاصة إذا ما طلبوا منها التدخل".
ووجه السيسي حديثه لنظيره الصومالي، قائلاً: "بفضل الله نحن معكم، ونقول للدنيا كلها إننا نتعاون ونتحاور بعيداً عن أي تهديد أو مساس بالأمن والاستقرار".
وتابع: "الصومال حقق نجاحات في ثلاثة أشياء، أولها السيطرة على أرض الصومال ومكافحة الإرهاب، الذي كان له تأثير كبير في عدم الاستقرار لمدة تتراوح ما بين 20 و30 عاماً، والثاني في شطب الديون التي كانت تثقل كاهله، والثالث يتمثل في رفع الحظر المفروض على الدولة منذ عام 1991، والخاص بتوريد المعدات والأسلحة".
وواصل السيسي: "القيادة الحكيمة للرئيس الصومالي ساهمت في تقدم البلاد وتطورها، وهذا يسعد مصر، لأن العلاقات بين البلدين تاريخية وممتدة. والمباحثات كانت بناءة جداً، وتطرقنا فيها إلى تعزيز العلاقات في المجالات كافة، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وأمنياً".
وأكمل بالقول: "الصومال دولة عربية وأفريقية، وتعداد سكانها يبلغ نحو 25 مليون نسمة، ونحن مستعدون للعمل معها بإرادة قوية. وهي دخلت في أزمة منذ أكثر من 30 عاماً، وعصفت بقدراتها، إلا أن مجابهة أي تحديات ممكنة طالما أن الدولة مستقرة وآمنة".
من جهته، قال الرئيس الصومالي إن "بلاده تعتبر مصر حليفاً تاريخياً، وشريكاً استراتيجياً"، معرباً عن "تطلع مقديشو للمزيد من التعاون مع القاهرة خلال الفترة القادمة، بحيث يكون تعاوناً قائماً على الاحترام المتبادل للدولتين".
وأضاف: "أكدت في مباحثاتي مع نظيري المصري على الرغبة القوية للعمل مع القاهرة في تعزيز الأمن والاستقرار، خصوصاً مع حالة الفوضى والتوتر التي يشهدها النظام العالمي. ونؤكد للشركاء الدوليين والإقليميين أهمية التزام إثيوبيا بالقانون الدولي، واحترام سيادة الأراضي الصومالية".
وزاد الرئيس الصومالي: "نرفض الاتفاق الذي وقعته أديس أبابا مؤخراً، لأنه يهدف إلى تقويض سيادتنا على أراضينا. والبحر الأحمر جزء من التجارة العالمية، ونحن لدينا إمكانيات وفرص كبيرة لاستغلالها، ولن نسمح لأي دولة بالاستيلاء على أراضينا، بما في ذلك إثيوبيا أو أي بلد آخر".
الرئيس الصومالي: نرفض الاتفاق الذي وقعته أديس أبابا مؤخراً، لأنه يهدف إلى تقويض سيادتنا على أراضينا
ووقّعت إثيوبيا اتفاقاً مع أرض الصومال (صوماليلاند)، مطلع الشهر الحالي، تحصل بموجبه على بوابة بحرية تمكنها من بناء ميناء وقاعدة عسكرية، مقابل الاعتراف بصوماليلاند دولة مستقلة.
كما يقضي الاتفاق بحصول أديس أبابا على منفذ بحري، وبما يمكنها من بناء ميناء وقاعدة عسكرية، مقابل حصول صوماليلاند على حصة لم تحدد من شركة الخطوط الجوية الإثيوبية، ووعد بالاعتراف بـ"جمهورية أرض الصومال"، بحسب ما أعلن رئس صوماليلاند، موسى بيهي عبدي، لكن الحكومة الإثيوبية لم تعلن نيتها القيام بذلك، إلا أنها أشارت إلى أنها ستجري "تقييماً متعمقاً بهدف اتخاذ موقف بشأن جهود أرض الصومال للحصول على الاعتراف الدولي".
وعقب الإعلان عن الاتفاق، أعلنت الحكومة الصومالية استدعاء سفيرها في إثيوبيا للتشاور. وصرح رئيس الوزراء الصومالي، حمزة عبدي بري، بأن "بلاده ستدافع عن أراضيها بشتى السبل القانونية الممكنة"، إذ يمنح الاتفاق إثيوبيا منفذاً على البحر الأحمر، من خلال مرفأ بربرة في أرض الصومال.
وكانت مصر قد أعلنت معارضتها أية إجراءات من شأنها الافتئات على السيادة الصومالية، مشددة على حق الصومال وشعبه، من دون غيره، في الانتفاع بموارده.
ودعت مصر إلى ضرورة احترام أهداف القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي، ومنها الدفاع عن سيادة الدول الأعضاء، ووحدة أراضيها واستقلالها، والامتناع عن الانخراط في إجراءات أحادية تزيد من حدة التوتر، وتعرض مصالح دول المنطقة وأمنها القومي للمخاطر والتهديدات.
وأعلنت مصر، في 19 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، انتهاء المسارات التفاوضية حول سد النهضة، مؤكدة أنها ستراقب من كثب عملية ملء السد الإثيوبي وتشغيله، مع "احتفاظها بحقها المكفول بموجب المواثيق الدولية في الدفاع عن أمنها المائي والقومي، في حالة تعرضه للضرر".
ومنذ بدء إثيوبيا تشييد سد النهضة عام 2011، دأب الخطاب الرسمي المصري على التأكيد أن المشروع، الذي وصلت كلفته إلى أكثر من 4 مليارات دولار، هو بمثابة "خطر وجودي يهدد الحياة في مصر".
ورغم ذلك، وقع السيسي اتفاقاً مع إثيوبيا والسودان عام 2015، كان أول اعتراف من بلاده بحق أديس أبابا في إنشاء السد. ولم يضمن التوقيع لمصر مراعاة مخاوفها من عملية ملء السد، التي أنجزت مرحلتها الرابعة، ما دفع خبراء مصريين إلى المطالبة بتدخل "حاسم" لمواجهة ذلك الخطر.
وأنفقت مصر مئات المليارات من الجنيهات على مشروعات تطوير الري والزراعة، وإعادة استخدام المياه بعد معالجتها، وتبطين الترع، والتوسع في إنشاء الصوب الزراعية وغيرها، حتى تحافظ على احتياطي مائي جيد في السد العالي يضمن الأمن المائي للمواطنين.
غوتيريس يدعو إلى الحوار لحلّ التوترات بين الصومال وإثيوبيا
في السياق، أكّد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، اليوم الأحد، أن التوتّرات بين إثيوبيا والصومال بشأن الاتفاق المبرم مع المنطقة الانفصالية المعروفة بأرض الصومال، ينبغي أن تحلّ بـ "الحوار"، وفقا لما نقلته وكالة "فرانس برس".
وقال غوتيريس، خلال مؤتمر صحافي في العاصمة الأوغندية كمبالا، في سياق قمّة مجموعة الـ77 والصين التي تضمّ 134 بلداً نامياً: "نسترشد دائماً بمبادئنا. ومبادئنا تقوم على الوحدة والسيادة وسلامة الأراضي في البلدان، بما في ذلك الصومال". مردفاً: "نأمل أن يشكّل الحوار سبيلاً لتجاوز الوضع القائم".
وإثر اجتماع استثنائي الخميس الفائت، دعت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية "إيغاد" في الشرق الإفريقي البلدين إلى "خفض التصعيد" وإلى "حوار بنّاء"، مع التشديد على "احترام السيادة والوحدة وسلامة الأراضي" في الصومال.
وشارك الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في هذا الاجتماع الذي لم يحضره أيّ ممثّل إثيوبي.
ودعت بلدان وجهات دولية متعدّدة (على رأسها الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية) إلى احترام سيادة الصومال.
وتسعى إثيوبيا، وهي ثاني أكثر البلدان تعداداً للسكان في إفريقيا (120 مليون نسمة) إلى ضمان نفاذ إلى البحر الأحمر، وهي ميزة فقدتها تدريجياً بعد استقلال إريتريا (1993) التي كانت قد ضمّتها إلى أراضيها في الخمسينيات.
وأعلنت صوماليلاند، المستعمرة البريطانية السابقة، استقلالها عن الصومال في 1991 في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي.
ومنذ ذلك الحين، بقيت المنطقة البالغ عدد سكانها نحو 4,5 ملايين نسمة فقيرة ومعزولة، لكنّها تمتّعت باستقرار نسبي في وقت يتخبّط الصومال منذ عقود في أتون الحرب الأهلية والتمرّد الجهادي.
ولأرض الصومال حكومة خاصة. وتصدر المنطقة عملتها الخاصة وجوازات سفر، لكنّها تبقى معزولة في غياب اعتراف دولي باستقلالها.
وتتمتّع المنطقة بموقع استراتيجي على الضفة الجنوبية لخليج عدن، أحد طرق التجارة الأكثر نشاطاً في العالم، عند مدخل مضيق باب المندب المؤدي إلى البحر الأحمر وقناة السويس.