على وقع عمليات إطلاق الصواريخ الكورية الشمالية، تتمسك الولايات المتحدة بسياسة تمزج بين الضغط وعروض الحوار، لكن أصحاب القرار الأميركيين يرون أنه ليس بإمكانهم فعل الكثير لجعل بيونغ يانغ تغيّر مسارها.
حرصاً منها على تجنّب أزمة عالمية أخرى إلى جانب الغزو الروسي لأوكرانيا، ركّزت إدارة الرئيس جو بايدن على هدف أضيق، يتمثل في طمأنة الحلفاء بأن الولايات المتحدة ستدافع عنهم.
في الأيام الأخيرة، أطلقت كوريا الشمالية، التي التقى زعيمها كيم جونغ أون ثلاث مرات بسلف بايدن دونالد ترامب لكنهما فشلا في التوصل إلى اتفاق دائم، عدداً قياسياً من الصواريخ، ويقول مسؤولون غربيون إن بيونغ يانغ اتخذت الاستعدادات لإجراء سابع تجربة للأسلحة النووية.
وقالت المحلّلة السابقة في وكالة الاستخبارات المركزية للشؤون الكورية والمديرة الحالية لبرنامج آسيا في مركز "وودرو ولسون" للعلماء الدوليين سو مي تيري: "لا أعتقد أن هناك أي شيء يمكننا القيام به لجعل كوريا الشمالية تتوقف"، مضيفة: "لو كنت مستشارة كيم جونغ أون، لقلت له، أجل، استمر".
وأوضحت: "لم يتمكنوا من الحصول على أي نوع من الاتفاق مع ترامب، وبالتالي ما الذي سيحصلون عليه من إدارة بايدن؟ إنهم يعرفون ذلك. الأمر الوحيد الذي يمكنهم فعله هو نقل برنامجهم إلى المستوى التالي".
وردّت الولايات المتحدة على كوريا الشمالية بتمديد التدريبات العسكرية المشتركة مع كوريا الجنوبية، مع نشر قاذفة قنابل استراتيجية، فيما يرجّح أن يقدم بايدن دعماً قوياً لزعيمَي كوريا الجنوبية واليابان خلال اجتماعات هذا الشهر في جنوب شرق آسيا.
ومن المتوقع أن يلتقي بايدن الرئيس الصيني شي جين بينغ، الحليف الرئيسي لبيونغ يانغ، والذي انضم إلى روسيا في مايو/ أيار في استخدام حق النقض ضد محاولة، بقيادة أميركية، في مجلس الأمن، لتشديد العقوبات على كوريا الشمالية.
واعتبرت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس-غرينفيلد، في جلسة طارئة للمنظمة الجمعة، أنّ الصين وروسيا "مكَّنتا" كوريا الشمالية، لكنها جدّدت أيضاً استعداد إدارة بايدن للتحدث مع هذا البلد الاستبدادي.
ويقول مسؤولون أميركيون إن كوريا الشمالية لم تبدِ أي اهتمام بالمحادثات، ويعتقد البعض أن نظام كيم قد يكون في إحدى دوراته التصعيدية الدورية، وأن لا خيار سوى الانتظار.
خلال عهد باراك أوباما، خلص البعض إلى أن الولايات المتحدة أخطأت في التوقيت، بعد التوصل إلى اتفاق في فبراير/ شباط 2012 لم يستمر طويلاً، فيما كانت كوريا الشمالية مستعدة أصلاً للمضي قدماً في اختبار قمر اصطناعي.
أخطار عالية وفرص محدودة
بالنسبة إلى بايدن الذي يركز على أوكرانيا، وقد يواجه مجلسي كونغرس أكثر عدائية بعد انتخابات منتصف الولاية، فإن الدبلوماسية مع كوريا الشمالية توفر أخطاراً عالية وفرصاً محدودة للنجاح.
ورأى المستشار السابق للبنتاغون للشؤون الكورية، الذي يعمل حالياً في معهد السلام الأميركي، فرانك أوم، أنه "ليست لديهم شهية للتعامل مع كوريا الشمالية. هناك الكثير من الإرهاق في ما يتعلّق بكوريا الشمالية". لكنه أضاف أنّ الدبلوماسية، حتى لو كانت فرص حصول اختراقات محدودة، نجحت على الأقل في تخفيف التوتر.
وأشار إلى أن بايدن يمكنه أن يقدم مبادرات وحوافز ملموسة، مثل إعلان وقف نشر المزيد من القدرات العسكرية الاستراتيجية أو اقتراح تخفيف العقوبات. وتابع: "أي تكتيك تصالحي سينظر إليه محلياً في الولايات المتحدة على أنه استرضاء أو مكافأة على السلوك السيّئ".
واستطرد: "لكن الأدلة المستمدة من تجارب سابقة تظهر بوضوح أن كوريا الشمالية لا تستجيب بشكل جيد للضغوط، وبخلاف ذلك، عندما نقيم محادثات مع كوريا الشمالية، فإنها تميل إلى التصرف بشكل أفضل".
وشكّك أوم في فعالية استراتيجية بايدن المتمثلة في الاعتماد على الصين لممارسة ضغط، مشيراً إلى أن بكين "ترفض تماماً هذا النهج".
حان الوقت لإعادة التفكير؟
أدى التوتر المتصاعد، على الأقل بين الخبراء، إلى مناقشة مسألة كانت تعتبر من المحرّمات، وهي ما إذا كانت كوريا الشمالية ستُقبل دولةً نوويةً.
واعتبر الخبير في إدارة الأسلحة جيفري لويس، في مقال رأي نشر الشهر الماضي في "نيويورك تايمز" وأثار جدلاً واسع النطاق، أنّ الولايات المتحدة قبلت بشكل أساسي واقع أن كوريا الشمالية لن تتخلص مطلقاً من ترسانتها النووية، ويجب أن تركز على مناقشة الحد من الخطر. وكتب: "حان الوقت لتقليص خسائرنا، ومواجهة الواقع، واتخاذ خطوات للخفض من خطر الحرب في شبه الجزيرة الكورية".
وجدّدت وزارة الخارجية تأكيدها أن هدفها بشأن كوريا الشمالية هو "نزع السلاح النووي تماماً"، فيما قال بعض الخبراء إن أي تحول في الموقف سيرسل إشارة مقلقة، في وقت يهدد فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشن هجوم نووي في أوكرانيا.
وهنا، أكد نائب الرئيس الأول لمنطقة آسيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، فيكتور تشا، أنّ "ذلك لا يعود عليك بأي فائدة، ويخيف حلفاءك". وأضاف تشا، الذي كان من مستشاري الرئيس السابق جورج دبليو بوش، أن فريق بايدن يحتاج إلى وضع سياسة تجاه كوريا الشمالية، تذهب أبعد من نقاط الحوار. وأوضح: "قد يأتي ذلك بعد التجربة النووية السابعة".