استمع إلى الملخص
- **تصاعد التوترات والتهديدات من قبل النظام**: النظام يسعى لإعادة تشكيل العصابات وتحجيم الحراك السلمي، حيث أصدرت مجموعة مسلحة بياناً مصوراً هددت فيه حراك السويداء واتهمته بالعمالة.
- **اغتيال قائد لواء الجبل وتداعياته**: اغتيال مرهج الجرماني في يوليو/تموز الماضي صدم الأهالي وكشف تورط ابنته، مما أثر على الحراك الشعبي وزاد من الفوضى والنزاعات العائلية.
لم تَثنِ التهديدات الأمنية والبيانات المزيفة التي ينشرها الإعلام غير الرسمي التابع للنظام، محتجي السويداء جنوب سورية عن الاستمرار في حراكهم السلمي المناهض للنظام. وتوجه المئات منهم، اليوم الجمعة، إلى ساحة الكرامة في مدينة السويداء، مصرين على مطالبهم بالتغيير السياسي.
رفع المحتجون لافتات تطالب بالحرية والعدالة وتطبيق القرارات الأممية، مشيرين إلى تورط الأجهزة الأمنية في محاولات زرع الفتنة بين أبناء المحافظة. كما كشفوا عن شبكات الحسابات الوهمية التي دأبت على بث الشائعات حول محتجي ساحة الكرامة.
الناشط حسن الحلبي، الذي لم يغادر ساحة الكرامة منذ بدايتها، قال لـ"العربي الجديد": "إن الفتن التي يستحدثها النظام وأزلامه تزيدنا إصراراً على الحق. لا نستغرب من البيانات التي خلفها أنصار حزب البعث، فهي لا تمثل سوى فئة قليلة تضررت مصالحها بعد انطلاق الحراك الذي يوشك على دخول عامه الثاني".
وأوضح الحلبي أن "النظام يراهن اليوم على عصابات الخطف والقتل والاتجار بالمخدرات لإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل الانتفاضة الشعبية، التي ساهمت في القضاء على عصابة فلحوط الإرهابية في يوليو 2022، والتي كان النظام يدعمها لترهيب المواطنين وضمان إبقائهم تحت قبضة الأمن".
ورأى الحلبي أن "الأحداث الحالية تشير إلى احتمالين: الأول هو وجود توافق دولي وإقليمي لإعادة تأهيل نظام الأسد باتفاقيات يقودها الكيان الإسرائيلي، بينما الثاني هو تخبط النظام وإحساسه بالوصول إلى نهايته، حيث يحاول تمديد بقائه لأطول فترة ممكنة. الفصل بين الاحتمالين لا يمكن تحديده قبل نهاية الانتخابات الأميركية".
تتسارع الأحداث في محافظة السويداء، حيث تصاعدت وتيرة البيانات المناهضة للحراك السلمي الصادرة عن أشخاص محسوبين على النظام. هؤلاء الأشخاص زعموا في بياناتهم تمثيل قراهم، لكن العديد من سكان المنطقة نفوا توقيعهم على تلك البيانات. كما تبين أن بعض البيانات حملت أسماء أشخاص متوفين، وآخرين تم خداعهم.
في الوقت ذاته، يسعى النظام إلى إعادة تشكيل فلول العصابات التي تم تحجيمها بعد الثورة الشعبية، مثل مجموعة راجي فلحوط، التي كانت قد سلمت أسلحتها وتعهدت بوقف نشاطاتها تحت طائلة العقوبة الاجتماعية. الآن، يعيد النظام إحياء مجموعة يقودها زعيم إحدى العصابات في السويداء، المدعو سليم حميد، ويعطيها طابعاً وطنياً عبر صفحات إعلاميين محسوبين على النظام.
هذه المجموعة المسلحة التابعة للنظام أصدرت مؤخراً بياناً مصوراً من قرية مفعلة شرقي المحافظة، هددت فيه حراك السويداء واتهمته بالعمالة للخارج، متوعدة بالتعامل مع نشطائه بقوة السلاح. رداً على هذا التهديد، دعا نشطاء الحراك إلى مسائية احتجاجية في البلدة يوم الأربعاء الماضي، حيث تجمع العشرات من النشطاء. ومع ذلك، قام أفراد المجموعة المسلحة بقطع الطريق على المحتجين باستخدام الأسلحة.
وقال الناشط السياسي وفا أبو مغضب في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن السويداء تمر اليوم بمرحلة خطيرة تعد من أخطر مراحل تاريخها، مُشيراً إلى أن الوضع يُعيد المحافظة مئة عام إلى الوراء، ولكن بوجوه جديدة. وأضاف: "نحاول جاهدين احتواء الموقف ليس خوفاً من الموت، بل حفاظاً على دمائنا ودماء أهل المحافظة ومنعاً للفتنة التي يحاول النظام جرّ المحافظة إليها. وما حدث يُعد نقطة جديدة لصالح الحراك الذي نجح في تجنيب المحافظة الانجرار إلى فتنة النظام، رغم موجة التخوين واللوم التي يتعرض لها النشطاء".
وأشار إلى أن "ما حدث يذكرنا بما جرى قبل مئة عام خلال الثورة السورية ضد الاستعمار الفرنسي، حيث جابه الثوار موجة من التشكيك والتخوين، واعتبروا خارجين عن القانون. اليوم، يتكرر التاريخ بوجوه جديدة؛ فهناك من يسعى للتخلص من المستعمرين وأذنابهم، وهناك من يلتصق بهم ويخون الخارجين بحثاً عن الحرية". وأكد: "كما شهرت القوى الاستعمارية في زمن الانتداب الفرنسي سمعة مناضلات مثل حبقة نعيم وبستان شلغين، اليوم يُمارس أحفادهم الفعل ذاته ضد النساء في ساحة الكرامة. وما حصل من تخوين وتبرؤ من سلطان الأطرش ورفاقه يتكرر اليوم، لذا لا يُعول على من رهن نفسه للإيرانيين والروس، فكل احتلال زائل والحق سينتصر عاجلاً أم آجلاً".
وأضاف: "تسود في السويداء تحليلات متعددة في ظل الاصطفافات الحالية، بين معارضين للنظام وبعثيين يحاولون استعادة هيبتهم، وطرف ثالث صامت يرى أن لا جدوى من التظاهرات ما دام الحل بيد القوى الكبرى".
تفاصيل اغتيال قائد لواء الجبل مرهج الجرماني في السويداء
تتزايد الفوضى في السويداء منذ وصول المحافظ الجديد أكرم علي محمد قبل نحو شهرين تزامناً مع تعزيزات عسكرية وُصفت بالكبيرة، ما ينذر بانفجار بحسب العديد من القراءات. بدأت التطورات الأخيرة بإنشاء حاجز أمني في مدخل المدينة، ثم تلته محاولات عدة لإجهاض الانتفاضة الشعبية التي تقترب من إكمال عامها الأول. فبالإضافة إلى إطلاق النيران باتجاه المتظاهرين في ساحة الكرامة وإصابة أحد المواطنين بجراح خطيرة، شكلت عملية اغتيال قائد فصيل لواء الجبل مرهج الجرماني في 17 يوليو/تموز الماضي صدمة كبيرة لأهالي محافظة السويداء.
وكشفت شبكة "الراصد" المحلية ليلة الخميس معلومات تُشير إلى ضلوع ابنته دلع مرهج الجرماني بعملية القتل مع والدتها كاميليا أبو فخر التي اغتيلت قبل أيام على يد شقيق مرهج الأصغر صادق الجرماني بعدة رصاصات قاتلة في الرأس والجسم، أمام منزل شقيقه انتقاماً منها لشكه بتآمرها في عملية الاغتيال. وأضافت الشبكة أنّ الابنة اعترفت بقتل والدها بمساعدة والدتها وشخص آخر، أثناء نومه في ساعات الصباح الباكر. وجاء اعترافها هذا أمام مجموعة من فصيل لواء الجبل وآل الجرماني وبحضور قاضي التحقيق، مشيرة إلى أن بحوزتها معلومات ستنشر لاحقاً تؤكد تعرض الفتاة لعمليات ابتزاز لا أخلاقية من بعض الأشخاص والجهات بدون مزيد من التوضيح.
الخبر الذي نزل كالصاعقة على أهالي السويداء ليلة الخميس وتناوله معظم المعلقين بالتكذيب والتخوين ما لبث أن اتضحت تفاصيله صباح الجمعة، في بيان أصدره رفاق الجرماني عبر صفحة "لواء الجبل"على موقع فيسبوك، وبينوا من خلاله التحقيقات التي أجروها منذ معرفتهم بمقتل قائدهم. وجاء في التحقيقات أن الأدلة التي تمكنوا من جمعها بالتعاون مع القضاء، وأهمها أداة الجريمة، أثبتت تورط ابنة الجرماني في ارتكاب جريمة القتل بالتعاون مع والدتها، وبمساعدة من صديقها. وقال البيان إنه منذ اللحظات الأولى لمعرفتهم بمقتل الجرماني ووصولهم إلى منزله بعد تلقيهم اتصالات من زوجته تفيد بمقتله، كانت المؤشرات في مسرح الجريمة تدل على قاتل نفذ جريمته بكل أريحية، وكان يعلم باللحظة التي نام فيها المغدور، ومكان نومه، وأدق التفاصيل عن حياته الشخصية ومنزله.
وقادت الشهادات المتضاربة والمتناقضة من الزوجة والابنة خلال الساعات الأولى إلى شكوك حول تفاصيل الجريمة، حيث قدمتا للقاضي روايتين متناقضتين عن اللحظة الأولى لاكتشافهما حدوث الجريمة، مما جعلهما في دائرة الشك. وبعد عملية اغتيال الوالدة كاميليا واحتجاز الابنة لدى الفصيل اعترفت دلع الجرماني لفصيل لواء الجبل وأمام عائلة الجرماني بأنها أقدمت على قتل والدها بتحريض من والدتها، بواسطة مسدسه عيار 7.5، وقامت بتسليم أداة الجريمة لصديقها واسمه سقراط أبو حمدان، الذي لم ينكر منذ اللحظة الأولى لاحتجازه، مشاركته في إخفاء أداة الجريمة. وقال أبو حمدان إنه يعرف دلع منذ فترة طويلة، وإنها كانت تحدثه دائماً عن رغبتها بالتخلص من والدها وكرهها له. وقال إنه حاول مساعدتها سابقاً في دس السم له، لكن الأمر لم ينجح.
وأضاف أنّ دلع اتصلت به حوالي الساعة الرابعة والنصف يوم مقتل والدها وطلبت منه الحضور على الفور إلى منزلها، وعند حضوره، قامت بتسليمه مسدساً مغلفاً بالنايلون، وطلبت منه إخفاءه بعدما أبلغته أنها "أنهت الأمر". وأضاف أنه احتفظ بالمسدس عدة أيام ثم توجه إلى سد جوالين ورماه هناك، خوفاً من انكشاف القضية. بعدها قام الفصيل بتسليم أبو حمدان إلى قاضي التحقيق، واعترف أمامه أيضاً بنفس التفاصيل. ثم طلب القاضي من الدفاع المدني التوجه إلى السد بعد تحديد الزاوية التي رمى منها أبو حمدان المسدس، وخلال ساعة من البحث تم العثور على المسدس من عناصر الدفاع المدني.
وقال الناشط المدني عدنان أبو عاصي لـ"العربي الجديد": "لم نستوعب حتى اللحظة هذا السيناريو الذي حيك لاغتيال قائد مميز للحراك الشعبي وأدى إلى تأثير كبير في الحراك بدأ منذ لحظة انتشار خبر اغتياله وما تلاه من اتهامات طاولت عائلته الصغرى ثم مقتل زوجته والآن اعترافات ابنته". تابع: "إنها كارثة أصابت الحراك الشعبي في الصميم وما زلت أبحث في خيوط هذه الجرائم المتتالية وكيف أحيكت بكثير من الخبث والخطورة لتدمر عائلة وتكاد تسبب نزاعات عائلية كبيرة لولا العقلاء الذين يصلون دائماً في الوقت المناسب".
وذكر مصدر من فصيل لواء الجبل لـ"العربي الجديد" أنّ "جهات أمنية وشبكات إعلامية موالية للنظام السوري اشتغلت منذ بداية الحراك على الفتاة وورطتها بعلاقات مشبوهة وقامت بابتزازها لنقل المعلومات عن حياة والدها وآخرين من النشطاء في الحراك الشعبي، إضافة إلى إجبارها على إقامة علاقات مع بعضهم بغية تشويه سمعة والدها عبر وسائل التواصل وإعلاميين معروفين بعدائهم للحراك الشعبي". وأضاف المصدر ذاته أن الأيام المقبلة ستكشف الكثير من المعلومات التي تؤكد تورط أكثر من جهة في اغتيال مرهج الجرماني.