يعيش سكان أحياء مدينة أم درمان، غربيّ العاصمة الخرطوم، أسوأ أيامهم على وقع الاشتباكات العنيفة بين الجيش و"قوات الدعم السريع"، التي تجددت أمس الاثنين، فيما أجبرت الاشتباكات المتواصلة مجموعات من السكان على النزوح إلى أماكن آمنة.
وأكد الطرفان في ساعات بعد ظهر اليوم الثلاثاء، تحقيق مكاسب على حساب الطرف الآخر، إذ أفاد الجيش السوداني بأن وحدات منه قامت بعملية تمشيط واسعة في المدينة، شملت أحياء أم درمان القديمة، والشهداء، وسوق أم درمان، حتى استاد الهلال، وود البشير وخور أبو عنجة جنوباً.
وأعلن أنه "كبد المليشيا المتمردة، التي لاذت بالفرار من أرض المعركة، خسائر كبيرة تضمنت مئات القتلى والجرحى، وعدداً من المقبوض عليهم"، مشيراً إلى أن هنالك 4 قتلى وعدداً من الجرحى بين صفوفه.
وأكد الجيش أن قواته "أكملت مهامها المخططة بنجاح، وستستمر في التمشيط وتوجيه الضربات الموجعة بالعدو لحين تطهير آخر شبر من دنس المتمردين والمرتزقة".
من جهتها، أكدت قوات "الدعم السريع" أنها حققت نصراً جديداً على من تسميهم "مليشيا البرهان الانقلابية وفلول النظام البائد"، في عدد من المحاور بمدينة أم درمان، و"لقنتهم دروساً في الشجاعة والإقدام".
وأوضحت أن الإحصائيات الأولية لعدد قتلى الجيش وصلت إلى 174، وأكثر من 300 جريح نُقلوا إلى مستشفى النو بأم درمان، فيما بلغ عدد الأسرى 83، معظمهم من كتائب الدفاع الشعبي والمجاهدين.
وأضافت أن "مليشيا البرهان والفلول، حاولت الهجوم على مواقع تمركز قواتها بالتسلل عبر أحياء الثورات، وود نوباوي، والسوق الشعبي في أم درمان، والمهندسين، حيث كان الأشاوس في كامل اليقظة والجاهزية، وقاموا بالتصدي للفلول الذين ولّوا هاربين، تاركين خلفهم جرحاهم، وجثث قتلاهم، وعتادهم، ومركباتهم".
وقالت قوات "الدعم السريع" في بيان ثانٍ، إن قوات الجيش، احتلت مستشفى النو بأم درمان وحولته إلى ثكنة عسكرية، ومستشفى ميداني لمعالجة جرحاه، وأجبرت الكوادر الطبية على إخلاء جميع المرضى، والتفرغ لمعالجة جرحاها.
واتهمت "الدعم"، الجيش بقصف الأحياء السكنية بالمدفعية الثقيلة بأم درمان، ما أدى إلى مقتل العشرات من المدنيين الأبرياء وتدمير منازلهم، واضطرار المئات إلى إخلاء منازلهم، والنزوح إلى الأحياء الطرفية للنجاة بأرواحهم، تفادياً للقصف العشوائي.
وتركزت الاشتباكات في أحياء أم درمان القديمة مثل أبوروف وودنوباوي وبيت المال والقماير وحي العرب، واستخدم فيها الطرفان مختلف أنواع الأسلحة الثقيلة والخفيفة والقصف المدفعي، فيما استخدم الجيش وحده سلاح الطيران لضرب مواقع وتمركزات "الدعم السريع". وأمر الطرفان المواطنين بإخلاء منازلهم، بإعلانهما المنطقة منطقة عمليات عسكرية.
وأصدرت لجان الأحياء نداءات استغاثة للأحياء المجاورة لإيواء مئات الأسر التي تركت منازلها عرضة للنهب والسرقة، فيما نعت اللجان ذاتها عدداً من السكان الذين سقطوا في أثناء الاشتباكات بالرصاص العشوائي، وسقوط القذائف في منازلهم، وأصدر مستشفى النور القريب نداءات للتبرع بالدم جراء تزايد أعداد المصابين الذين وصلوا إليه.
وأعلنت "لجان مقاومة أبوروف" (ناشطون) تجهيز معسكرات خاصة في المدارس لإيواء المتأثرين في كل من أحيار أبوروف والقماير والدباغة، وأعلنت "لجان التغيير والخدمات" فتح المنازل أيضاً لاستقبال المتضررين.
وخلال ساعات اليوم الثلاثاء، تجددت الاشتباكات في ذات الأحياء وامتدت لتصل إلى حيّ العباسية.
ودعت لجان المقاومة في الحيّ السكان إلى "اتخاذ كل التدابير اللازمة والحيطة والحذر"، وذلك بعد انسحاب "الدعم السريع" من نقاط تمركزها بالقرب من مستشفى التجاني الماحي وتوغلها إلى حيّ الأمراء.
ومدينة أم درمان التاريخية واحدة من ثلاث مدن تكوّن العاصمة، تأثرت الغالبية العظمى من أحيائها بالقتال الدائر، غير أن اشتباكات أمس واليوم بأحياء العاصمة جاءت الأعنف، كما أكد ذلك شهود عيان تحدثوا لـ"العربي الجديد".
واتهم الجيش السوداني، في بيان سابق له، ما يطلق عليها "مليشيا الدعم السريع المتمردة"، باحتجاز عدد كبير من المرضى في حيّ أبوروف، والذين لم يطلق سراحهم إلا بعد وساطات من بعض سكان المنطقة بعد احتجاز دام لساعات طويلة. وأشار الجيش أيضاً إلى أنه قتل أكثر من 20 من عناصر "الدعم السريع" خلال اشتباكات أمس.
واندلعت الحرب بين الجيش السوداني و"قوات الدعم السريع" في 15 إبريل/ نيسان الماضي، وفيها تعرض المدنيون لأكبر الخسائر، حيث لقي ما لا يقل عن 3 آلاف منهم مصرعهم، ونزح ولجأ نحو 4 ملايين شخص من منازلهم في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى لداخل وخارج السودان. كذلك تعرضت المنازل لعمليات نهب شاملة، وسكنها بعض أفراد "الدعم السريع".