في ظل الأجواء التي يحاول العسكر في السودان ترويجها عن قرب تشكيل حكومة جديدة، وإطلاق سراح بعض المسؤولين المعتقلين بعد الانقلاب في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وذلك وسط ضغوط دولية متصاعدة ومطالبات بـ"عودة فورية" للحكومة، تتصاعد مواقف مختلفة من الداخل السوداني رافضة لـ"الإجراءات التجميلية" التي لن تجدي، مع الرهان على الشارع المدعو لمواصلة العصيان المدني رفضاً للانقلاب، وتشدد أطراف سودانية، ولا سيما تجمع المهنيين السودانيين، برفض أي تفاوض مع العسكر نهائياً. مقابل ذلك، تواصل السلطات الموالية للانقلابيين اتخاذ إجراءات بإعفاء مسؤولين وتعيين آخرين، في قرارات يعتبر معارضو العسكر أنها تستهدف إعادة النظام السابق للإمساك بزمام إدارات الدولة، في إشارة إلى نظام عمر البشير.
وفي أحدث تنديد بانقلاب 25 أكتوبر، طالب مجلس حقوق الإنسان الأممي بـ"عودة فورية" للحكومة المدنية إلى الحكم، وذلك في قرار اعتمده اليوم الجمعة خلال جلسة له في جنيف. ودان المجلس في قراره "التوقيف الظالم" لرئيس الوزراء عبدالله حمدوك وكذلك مسؤولين آخرين، مطالباً بأن يُفرج العسكريون "فوراً" عن "كل الأفراد المعتقلين بشكل غير شرعي أو تعسفي". من جهتها، اعتبرت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليه، خلال الجلسة، أن انقلاب 25 أكتوبر "مقلق جداً"، و"يخون ثورة 2019 الشجاعة والمُلهمة". ودعت "القادة العسكريين السودانيين ومناصريهم إلى الانسحاب للسماح للبلد بأن يجد طريق التقدّم نحو الإصلاحات المؤسساتية والقانونية". واستنكرت سلسلة كاملة من انتهاكات حقوق الإنسان، مثل إطلاق النار ضد متظاهرين ما أدى بحسب قولها إلى مقتل 13 منهم وجرح أكثر من 300، وأيضاً قطع الإنترنت، مطالبة القوات المسلحة وعناصر الشرطة العسكرية والأمن بالكف عن استخدام القوة المميتة. وأضافت أن إطلاق سراح المعتقلين من سياسيين وصحافيين ومحتجين "ضروري من أجل حوار شامل وعودة سريعة للحكم المدني".
دعا تجمع المهنيين السودانيين إلى العودة للعصيان المدني يومي الأحد والإثنين المقبلين من أجل حماية الثورة
يتوازى ذلك مع استمرار الدعوات للتصعيد ضد الانقلاب بل رفض العودة للشراكة في الحكم مع العسكر. وبعد دعوة تجمع المهنيين السودانيين، مساء الخميس، إلى العودة للعصيان المدني يومي الأحد والإثنين المقبلين "من أجل حماية الثورة"، بعدما تم تجميده بتوصيات عدد من الأجسام المهنية نظراً للاعتبارات الاقتصادية، شدد القيادي في التجمع حسن فاروق، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، على أن التسوية مع الانقلابيين مرفوضة من الشارع السوداني. ولفت إلى أن "هناك صوتاً في الشارع يدعو لإنهاء شراكة الدم ويرفض كل محاولات إعادة الأوضاع لما قبل 25 أكتوبر (أي الشراكة بين العسكر والمدنيين)، وبالتالي لا تسوية ولا تفاوض، فما حصل انقلاب والإجراءات التي تتخذ كذلك"، متابعاً: "لن نعترف بأي شكل من أشكال التفاوض مع العسكر نهائياً، والعودة لوجود العسكر في السلطة مرفوض". وأكد فاروق أن "كل المبادرات، وما يرشح من أخبار عن تشكيل حكومة، هي مرفوضة بالنسبة للشارع، والدليل على ذلك أن الشارع يجهز نفسه لمليونيات قادمة وتظاهرات مستمرة"، مضيفاً "هناك تنسيق واضح بين رجال المقاومة في الأحياء بشكل يومي، وهناك وقفات احتجاجية وكأن الثورة بدأت من جديد، وهي تسبق كل المبادرات". وشدد على أنه "حتى لو حصلت تسويات مع العسكر، والخروج بسيناريو يرضي المجتمع الدولي، فالشارع سيبقى بالمرصاد إلى حين خروج العسكر من المشهد"، مؤكداً أن الرهان الأول على الشارع الذي يرفض التسوية.
من جهته، قال القيادي في قوى "الحرية والتغيير" معز حضرة، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، "إننا لا نأمل كثيراً بالضغوط الدولية، فنحن أمام مجموعة انقلابية"، لافتاً إلى أن عدداً كبيراً من المسؤولين والوزراء والسياسيين ما زالوا معتقلين، والنظام يمارس الاحتجاز غير المشروع، معتبراً أن "كل هذه الأشياء التي يقوم بها الانقلابيون من الإعلان عن قرب تشكيل حكومة وغيرها هي محاولات تجميلية لن تجدي نفعاً، وهي التفاف ومخالفة للدستور". وشدد حضرة على أن أدوات مقاومة الانقلاب هي عند الشارع، مشيراً إلى أن نظام عمر البشير لم يسقط سوى بالتظاهرات. وعن التعيينات في الإدارات التي تقوم بها السلطات الانقلابية، أشار حضرة إلى أنها خاطئة وغير قانونية لأن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان لا يملك حق إجراء تعيينات، "وهو بهذه القرارات يريد إعادة مسؤولي النظام السابق للإمساك بزمام إدارات الحكومة".
قيادي في "الحرية والتغيير": كل الأشياء التي يقوم بها الانقلابيون من الإعلان عن قرب تشكيل حكومة وغيرها هي محاولات تجميلية لن تجدي نفعاً
مقابل ذلك، تواصل السلطات التابعة للانقلابيين التغييرات في مفاصل الدولة، وذكر التلفزيون السوداني الرسمي اليوم الجمعة أن الجيش السوداني حل جميع مجالس إدارات الشركات الحكومية والمشاريع الزراعية القومية. كما أصدر الأمين العام لحكومة ولاية الخرطوم الوالي المكلف أحمد عثمان حمزة، قراراً بتعيين مدراء جدد لوزارتي الصحة، والصناعة والتجارة، وعدد من الهيئات الأخرى، بعد إعفاء المسؤولين عنهم. بالتوازي، أصدر والي جنوب دارفور المكلف حامد التجاني هنون قراراً أعفى بموجبه مديرين عامين لوزارات بالولاية. ويأتي ذلك بعدما كان البرهان قد أصدر قراراً الخميس بالإفراج عن أربعة وزراء، هم هاشم حسب الرسول وعلي جدو وحمزة بلول ويوسف آدم ضي، كانوا قد احتُجزوا إثر الانقلاب.
ومساء الخميس أعلنت الولايات المتحدة أنّ وزير خارجيتها أنتوني بلينكن تحادث هاتفياً مع البرهان وطالبه بإعادة السلطة "فوراً إلى الحكومة التي يقودها المدنيون". وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس في بيان إنّ "الوزير حضّ البرهان على الإفراج فوراً عن جميع الشخصيات السياسية المحتجزة منذ 25 أكتوبر". كما تحادث بلينكن الخميس مع حمدوك. وقال برايس إنّ "وزير الخارجية شدّد على دعم الولايات المتحدة القوي للشعب السوداني الذي يتطلع إلى الديمقراطية". من جهته، ذكر مجلس السيادة في بيان أن البرهان تعهد خلال الاتصال "بالالتزام والمحافظة على سلاسة التحول الديمقراطي وإكمال مسيرة الانتقال والحفاظ على أمن البلاد ومكتسبات ثورة ديسمبر المجيدة وصولاً إلى حكومة مدنية منتخبة". وأتى البيان الأميركي بشأن هاتين المكالمتين بعد إعلان المستشار الإعلامي للبرهان العميد الطاهر أبو هاجة أنّ "تشكيل الحكومة بات وشيكاً".