السودان: القتال يصل إلى الفاشر وتحذيرات من اشتعال دارفور

15 ابريل 2024
مخيم أبو شوك بمدينة الفاشر التي تستضيف أعداداً كبيرة من النازحين (أشرف الشاذلي/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- اندلاع معارك عنيفة في الفاشر، دارفور، بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، مما أدى إلى مقتل وإصابة مدنيين ونزوح واسع، رغم محاولات إبرام اتفاق سلام لحماية المدنيين.
- استمرار القصف من قبل قوات الدعم السريع يهدد بتصاعد العنف وتدهور الوضع الإنساني في الإقليم، مع تحذيرات من خطورة الوضع على السكان والنازحين.
- تحذيرات من تحول الصراع إلى حرب أهلية تهدد وحدة واستقرار السودان، مع التأكيد على الحاجة لتسوية سياسية واجتماعية وضرورة تحرك عاجل لمنع تدهور الأوضاع.

تشهد مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، في غرب السودان، معارك عنيفة منذ أيام بين الجيش السوداني وقوات متحالفة معه من جهة، وبين قوات الدعم السريع من جهة أخرى، وذلك بعد هدوء نسبي عرفته المدينة منذ اندلاع القتال في السودان. وكان والي شمال دارفور والمحسوب على حركة تحرير السودان/المجلس الانتقالي، نمر عبد الرحمن، تمكن من تنحية ولايته عن الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، التي اندلعت في إبريل/نيسان 2023، وتمكن بمساعدة من زعماء قبائل وأعيان المدينة والدعاة والأئمة من إبرام اتفاق سلام يبقي الولاية على الحياد وتشكيل قوة لحفظ السلام من الجيش والدعم السريع والشرطة والحركات المسلحة بموجب اتفاق السلام لحماية المدنيين. 

انتهاء الحياد

ورغم تمكن قوات الدعم السريع من السيطرة على أربع ولايات في دارفور (غرب دارفور ووسط دارفور وشرق دارفور وجنوب دارفور)، وكذلك على عدة مدن بولاية شمال دارفور، إلا أنها ترددت في اقتحام الفاشر بسبب الاتفاق المبرم، بالإضافة لانشغالها بالقتال في جبهات أخرى. لكن توتراً بين الأطراف في الفاشر ظهر في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بعد إعلان ثلاث حركات مسلحة هي (حركة العدل والمساواة بقيادة وزير المالية جبريل إبراهيم، وحركة تحرير السودان بقيادة حاكم دارفور مني أركو مناوي، وحركة تحرير السودان جناح مصطفى تنمبور) تخليها عن الحياد والقتال جنباً لجنب مع الجيش السوداني، بسبب ما اعتبرته انتهاكات ممنهجة قامت بها قوات الدعم السريع ضد المدنيين، بينما احتفظت حركة تحرير السودان/المجلس الانتقالي، بقيادة عضو مجلس السيادة الهادي إدريس، وتجمع قوى التحرير، بقيادة عضو مجلس السيادة الطاهر حجر، بحيادها. 

وشكلت الحركات التي أعلنت انحيازها للجيش حشدا عسكريا كبيرا في 12 إبريل/نيسان الجاري، وأعلنت، في بيان صحافي، تخليها عن الحياد والدخول في المعارك إلى جانب الجيش السوداني ضد قوات الدعم السريع، وقالت إن قواتها ستبدأ بالتحرك لفتح الطرق والمعابر لضمان وصول المساعدات الإنسانية للنازحين والمتأثرين بالحرب في جميع أنحاء إقليم دارفور مؤكدة أنه لا حياد بعد الآن وتعهدت بالقتال مع حلفائها و"الوطنيين والجيش، ضد مليشيات الدعم السريع وأعوانها من المأجورين". لكن حركتي تجمع قوى التحرير والمجلس الانتقالي رفضتا الخطوة، وقالتا إنهما لن تقاتلا مع الجيش محذرتين من حرب أهلية شاملة عقب تلك الخطوة. 

وفي أعقاب نشر البيان بساعات اندلعت موجة من المعارك هى الأعنف في مدينة الفاشر وما حولها، أسفرت حتى أمس الأحد عن مقتل تسعة من المدنيين وإصابة العشرات، حسب ما ذكرته لجان مقاومة مدينة الفاشر في بيان لها، كما شهدت القرى المحيطة بالمدينة موجات نزوح واسعة، وفي الوقت نفسه أعلنت قوات الدعم السريع سيطرتها على محلية مليط التابعة لولاية شمال دارفور والتي تبعد 65 كم عن الفاشر.

وقال مصطفى تنمبور، رئيس حركة تحرير السودان، في منشور له على حسابه في "فيسبوك" إن الجيش وقوى الكفاح المسلح "نظفت" الفاشر مما أسماها "مخلفات مليشيا الدعم السريع الإرهابية وأبادتها إبادة تامة".

تحذير من حرب أهلية شاملة

ويؤكد شهود عيان تحدثوا لـ"العربي الجديد" من مدينة الفاشر عبر الهاتف أن الدعم السريع واصل قصفه المدفعي، اليوم الاثنين، للمدينة، وأن الأوضاع في توتر مستمر، ويتوقع السكان حدوث مواجهات في أي لحظة، لكنهم أشاروا إلى أن مواجهات اليوم أخف وطأة من اليومين الماضيين، مؤكدين استمرار نزوح للأسر في الأحياء الشمالية الشرقية حيث تتمركز قوات الدعم السريع. 

وقال محمد زكريا، الناطق الرسمي باسم حركة العدل والمساواة المشاركة في القتال بالفاشر، لـ"العربي الجديد"، إن "الدعم السريع وفي اليومين الآخرين شن هجمات على القرى الآمنة والمواطنين حول الفاشر" وحاول الهجوم عليها، و"لكن الجيش وقوى الكفاح المسلح تصدت له"، مؤكداً أن "المدينة ومحيطها ومدينة مليط تحت سيطرة الجيش وتحت حماية قوى الكفاح المسلح". 

وأضاف زكريا أن "هجمات قوات الدعم السريع مؤشر خطير يؤكد على عدم اهتمامهم بالمدنيين وحياة الأبرياء، وهي حلقة إضافية من مسلسل الانتهاكات التي ظلت هذه القوات ترتكبها ضد المدنيين"، مؤكداً أن "الدعم والمليشيات المتحالفة معها تهاجم القوافل الإنسانية التي تحمل الإغاثة للمحتاجين"، مشيراً إلى أن "قوى الكفاح المسلح تعمل متحدة تحت القوة المشتركة وفي تناغم وانسجام مع القوات المسلحة السودانية".

وأبدت منظمات عاملة في المجال الإنساني مخاوفها من آثار القتال الحالي، حيث إن المدينة تؤوي مئات الآلاف من النازحين منذ عام 2003، الذين فروا من القتال أثناء الحرب الأهلية بين القوات الحكومية والمتمردين في الإقليم واستوطنوا معسكرات على أطراف المدينة ويعتمدون بالكامل على ما تقدمه لهم المنظمات الدولية. 

وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، في بيان، أول أمس السبت، عن "قلقه العميق" إزاء تقارير تشير إلى "احتمال وقوع هجوم وشيك على الفاشر". ونقل البيان عن غوتيريس قوله إنّ "مثل هذا الهجوم سيكون مدمّراً للمدنيين في المدينة" التي تُعتبر "مركزاً إنسانياً أممياً يضمن تقديم المساعدات الإغاثية" في جميع أنحاء دارفور.

وقال عبد الله آدم خاطر، المختص بدراسات السلام والخبير في الشأن الدارفوري، لـ"العربي الجديد"، إن ما يجري في الفاشر وولاية شمال دارفور "يمكن أن يتحول لحرب أهلية شاملة إذا لم تحسن إدارته وبقي عند الحد الأدنى، ضمن سياقه الحالي كصراع بين الجيش والمجموعات المتحالفة معه من جهة والدعم السريع والمجموعات المتحالفة معه من جهة أخرى". 

وأوضح خاطر أن إقليم دارفور ظل لعقود يشكو من هشاشة أمنية وأنه بحاجة "لتسوية سياسية اجتماعية، وليس لحسم عسكري"، وأشار إلى أن "المؤشرات بعد اندلاع القتال أكدت رغبة المجتمع الدارفوري بإبقاء الصراع بين طرفين فقط، والحرص على عدم تمدده اجتماعياً بدليل ما حدث في مدينة مليط، حيث لم تقع فيها أي تفلتات أو اختراقات قبلية". وشدد المتحدث ذاته على أهمية "تحرك المجموعات المستنيرة والمجتمع المدني مع أطراف الحرب للقيام بعمل قوي يقوم على الحكمة والعقل من أجل التماسك والتعاضد، والحفاظ على دارفور كصمام أمان لوحدة السودان، والحفاظ على مواردها ومكانتها الجيوبوليتيكية والاستراتيجية".

الفاشر العاصمة التاريخية لدارفور

ولمدينة الفاشر، 498 ميلاً غرب الخرطوم، أهمية استراتيجية وتجارية كبيرة، بالإضافة لرمزيتها التاريخية، وهي العاصمة التاريخية لإقليم دارفور، الذي كانت تحكمه سلطنة الفور في الفترة من 1445 إلى 1916 لتنضم للسودان بعد ذلك في العام 1916. وقسّم نظام الرئيس عمر البشير إقليم دارفور لثلاث ولايات، ومن ثم إلى خمس ولايات، من بينها ولاية شمال دارفور، وجعل الفاشر عاصمة لها. واختيرت الفاشر في عام 2020 عاصمة للسلطة الانتقالية في إقليم دارفور التي أنشئت بموجب اتفاقية سلام مع الحركات المتمردة في الإقليم. 

المساهمون