- النزاع يؤدي إلى نزوح مستمر للمواطنين وتحذيرات من الأمم المتحدة بشأن المجاعة المحتملة مع بدء موسم الأمطار، وسط جهود دولية لوقف القتال وفتح مسارات للمساعدات الإنسانية.
- تصاعد العنف، خاصة في معارك الفاشر، يثير قلق الأمم المتحدة حول تأثيره على المدنيين والعواقب الإنسانية الكارثية، مع تحديات كبيرة تواجه الجهود الدولية للوساطة والضغط من أجل وقف القتال.
تتواصل المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مناطق متفرقة في السودان، لكنها تتركز بصورة أكبر في ولايتي الجزيرة وشمال دارفور، حيث تدور أعنف المواجهات التي يحاول فيها كل طرف بسط سيطرته على مواقع استراتيجية مستخدماً الأسلحة الثقيلة والطائرات المسيّرة. ومع تصاعد حدّة القتال، تُسجّل موجات نزوح مستمرة للمواطنين هرباً من المعارك، منها خصوصاً معارك الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وسط تحذيرات متتالية تطلقها الأمم المتحدة من أن فرصة تجنب حدوث المجاعة في مناطق الصراع تضيق بسرعة مع بدء موسم الأمطار في شهر يونيو/حزيران المقبل، ما سيجعل الوصول إلى طرق النقل الحيوية غير ممكن.
وأكمل الصراع العسكري بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شهراً بعد العام، منذ اندلاعه في 15 إبريل/نيسان 2023، حيث تتصدر معارك الفاشر حالياً المشهد، في وقت تعمل فيه أطراف الوساطة الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة والسعودية، على دفع الطرفين إلى التوجه إلى مدينة جدة لاستئناف المحادثات بينهما من أجل وقف إطلاق النار، والاتفاق على فتح مسارات آمنة لإيصال المساعدات الانسانية للمحتاجين.
فزع أممي من معارك الفاشر
وأجرى مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك، يوم الثلاثاء الماضي، اتصالين منفصلين بكل من قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، وقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، حول تطورات الأوضاع في السودان. وقال الجيش في بيان، إن البرهان أكد للمفوض الأممي أن حكومة السودان ملتزمة بقضايا حقوق الإنسان وتحرص على صونها انطلاقاً من موروثات الشعب السوداني وكافة المواثيق والعهود الدولية. من جهته، كتب قائد الدعم السريع على حسابه بموقع إكس، أنه أكد لتورك خلال الاتصال معه "أننا كنا ولا زلنا وسوف نظل دعاة سلام، لم نشعل الحرب، ولا نرغب في استمرارها أو توسعتها، وأن السلام يحتاج إلى إرادة حقيقية، وهي ليست متوفرة لدى الطرف الآخر".
فولكر تورك: معارك الفاشر سيكون لها تأثير مدمّر على المدنيين
وقال تورك، أول من أمس الجمعة، في بيان، نشره مكتبه: "إننا نشعر بالفزع من تصاعد العنف في معارك الفاشر وتأثيره المدمر على المدنيين". وقالت المتحدثة باسم المفوضية السامية لحقوق الإنسان، رافينا شامداساني، في تصريح يوم 17 مايو/أيار الحالي، إن تورك حثّ البرهان وحميدتي على التصرف فوراً وعلناً لتهدئة الوضع، "وحذّر القائدين من أن معارك الفاشر حيث يوجد حالياً أكثر من 1.8 مليون شخص من السكان والنازحين داخلياً المحاصرين والمعرضين لخطر المجاعة الوشيك، سيكون له تأثير كارثي على المدنيين، وسيؤدي إلى تعميق الصراع الطائفي مع عواقب إنسانية كارثية". وبحسب شامداساني، ذكّر المفوض الأممي البرهان ودقلو بالتزاماتهما بموجب القانون الدولي الإنساني بضمان الامتثال الصارم لمبادئ التمييز والتناسب والحيطة، "ووضع حدّ لأي انتهاكات مستمرة، فضلاً عن ضمان المساءلة عن انتهاكات القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان الذي ترتكبه قواتهما وحلفاؤهما".
وعلى صعيد الوساطة لوقف الحرب، أوضح المبعوث الأميركي إلى السودان توم بيريلو، في لقاء مع منظمات مجتمع مدني سودانية وصحافيين في 14 مايو بكمبالا، عاصمة أوغندا، أن "كل الأطراف تسلّمت دعوة من السعودية، وأنهم يعملون يومياً للتأكد من قبولهم للدعوة وحضورهم". وأضاف أن "جزءاً من النقاشات مع الأطراف حالياً هي ضمان ليس فقط ظهورهم في جدة للمحادثات، بل الاستعداد لتوقيع اتفاقية تعيد السلام في السودان". وتابع: "نحن لا نعتقد أن الحرب ذاهبة إلى انتصار أي طرف، بل من المحتمل أن تصبح أكثر تعقيداً، ومن المحتمل أن تؤدي إلى تدخلات دول الجوار وتصبح أكثر صعوبة".
وذكر المبعوث الأميركي أنه لم يزر مدينة بورتسودان الساحلية شمال شرقي السودان، لأنه ظلّ يحاول منذ شهرين زيارتها، لكن السلطات السودانية لم تمنحه تأشيرة دخول بعد. إلا أن وزارة الخارجية السودانية أصدرت بياناً بعد يومين نفت ما قاله المبعوث الأميركي بأن حكومة السودان رفضت منحه تأشيرة، وقالت إن سفارتها في واشنطن أو في أي عاصمة أخرى لم تتلق طلباً من بيريلو للحصول على تأشيرة الدخول.
وشهدت الأيام الماضية تواصل المعارك في ولايتي الجزيرة وشمال دارفور، كما طاولت ولايتي القضارف والنيل الأبيض، مع استمرار نزوح المدنيين نحو ولايات أخرى بحثاً عن الأمان. وشنّت قوات الدعم السريع يوم الأربعاء الماضي هجوماً على منطقة الأعوج الواقعة عند مفترق طرق يربط بين ولاية الجزيرة والنيل الأبيض والخرطوم. وينصب الجيش نقاط دفاعية وينشر الدبابات والمدافع في هذه المنطقة، لمنع الدعم السريع، التي تنطلق من مدينة القطينة في الشمال، من التقدم جنوباً نحو مدينة الدويم، والتي تضم جسراً ذا موقع استراتيجي يربط ضفتي النيل الشرقية والغربية.
وبالنسبة لمعارك الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، تواصل قوات الدعم السريع محاصرة المدينة على الرغم من التحذيرات الدولية، واشتبكت مع الجيش والقوات المساندة له المكونة من المواطنين المتطوعين والقوى المشتركة لحركات الكفاح المسلح (حركات مسلحة موقعة على سلام مع الحكومة). ووصلت معارك الفاشر إلى داخل الأحياء الطرفية للمدينة ومحطة الكهرباء، ودارت اشتباكات عنيفة فيها بين الطرفين يوم الجمعة الماضي، تبادلا خلالها الاتهامات بشأن الهجوم.
وأصدرت قوات الدعم السريع بياناً على موقع إكس في 10 مايو، اتهمت فيه الجيش والقوات المساندة له بشنّ هجوم "غادر" على قواتهم في الفاشر. وأضافت أن الجيش السوداني، ومن وصفتهم بالمرتزقة، تسللوا إلى مواقع ارتكاز قواتها وهاجموها عبر ثلاثة محاور، ما أدى إلى وقوع إصابات وسط المدنيين في الأحياء السكنية ومعسكرات النازحين وفرار الآلاف إلى خارج المدينة. وأشارت إلى أنها مارست استجابة للنداءات أقصى درجات ضبط النفس، وصدت 22 هجوماً على خلال الأيام الماضية في إطار معارك الفاشر.
بدوره، رد الجيش عبر بيان في اليوم ذاته، قائلا إن قوات الدعم هي من شنّت الهجوم الذي وصفه بالغادر على مواقع قواته شرق المدينة، وخرّبت محطة الكهرباء، وقصفت الأحياء المتاخمة لمنطقة الهجوم بقذائف المدفعية، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى من المدنيين. وعقب ذلك، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية، الأربعاء الماضي، فرض عقوبات على قائدين من الدعم السريع، لقيادتهما حملات حربية في دارفور وعدد من المناطق. وقالت الوزارة في بيان على موقعها الإلكتروني، إن "مكتب مراقبة الأصول الأجنبية فرض عقوبات على عثمان محمد حامد وعلي يعقوب جبريل محمد، بموجب الأمر التنفيذي رقم 14098، لقيادتهما الحملة الحربية لقوات الدعم السريع".
نازحون ومسّيرات في كل الاتجاهات
في اتجاه مماثل، واصلت قوات الدعم السريع مهاجمة القرى في ولاية الجزيرة الزراعية، وقالت لجان المقاومة في ود مدني (تنظيمات شعبية) في بيان يوم 15 مايو الحالي، إن هناك موجة انتهاكات واقتحامات جديدة ترتكبها الدعم السريع بصورة مستمرة، لافتة إلى أنها تجد صعوبة فائقة في التواصل الميداني مع المصادر نتيجة لانقطاع وتذبذب خدمات الإنترنت والاتصال.
تجد لجان المقاومة صعوبة فائقة في التواصل الميداني في ود مدني نتيجة انقطاع الإنترنت
وسجّل نائب القائد العام للجيش شمس الدين كباشي في 12 مايو، زيارة إلى مدينة الفاو بولاية القضارف، لتفقد سير العمليات في المنطقة الشرقية. وظهر مع كباشي خلال الزيارة الفريق آدم هرون من القيادة المتقدمة في أم درمان، وهو من الضباط المعروف عنهم براعة العمل الميداني، الأمر الذي جعل مراقبين يتوقعون تحولاً عسكرياً مهماً في معارك القطاع الشرقي الذي يسعى إلى تحرير ولاية الجزيرة.
وقالت لجان المقاومة بمنطقة الحصاحيصا في ولاية الجزيرة، في بيان، إن المدينة شهدت في 13 مايو، اشتباكات عنيفة بين مجموعات من قوات الدعم السريع في ما بينها، ما أدى إلى مقتل العديد من عناصر "الدعم". وأضافت أنه نتيجة لهذه الأحداث، فرضت قوات الدعم السريع في المدينة حظر تجول في السوق الكبير والأسواق داخل الأحياء.
إلى ذلك، وعد قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان وفداً أهلياً من الجزيرة التقاه في مدينة بورتسودان الخميس الماضي، بتسليح المستنفرين (متطوعون مع الجيش) والمواطنين ودعم التحركات العسكرية، وإعادة قدامى المحاربين للخدمة، مؤكداً خلال اللقاء دعم "المقاومة الشعبية" حتى تحرير الجزيرة من الدعم السريع.
ورصدت "العربي الجديد" رحلات وصول يومية لنازحين قادمين من ولاية الجزيرة إلى مدينة كسلا شرقي السودان، إذ يصل النازحون وأغلبهم من النساء والأطفال وتبدو عليهم آثار الإرهاق والخوف. وبمجرد وصولهم يتوجهون إلى مقر جمعية الهلال الأحمر السوداني ويفترشون الأرض أمام مقر الجمعية ويبقون هناك لأيام قبل أن يقوم مسؤولو الهلال الأحمر بتوزيعهم على مراكز إيواء جديدة أو إرسالهم إلى مدن وقرى في ولايات أخرى.
مصدر عسكري: قوات الدعم لجأت إلى استخدام القصف المدفعي والطائرات المسيّرة بعد تناقص عدد مقاتليها
وقال نازحون لـ"العربي الجديد" في كسلا، إنهم تمكنوا من الخروج بصعوبة من قرى الجزيرة بسبب عدم امتلاكهم المال اللازم للسفر بعد نهب كل ما لديهم من قبل مقاتلي "الدعم". وأضافوا أنهم توجهوا إلى كسلا على الرغم من بعد المسافة للابتعاد عن الجزيرة قدر الإمكان خوفاً من لحاق المعارك بهم. وأشاروا إلى أنهم ينتظرون منذ أيام لترحيلهم إلى مراكز إيواء أو توفير سكن مؤقت لهم، وقد وعدهم مسؤولو الهلال الأحمر بذلك بعد أن قدّموا لهم بعض المعونات المتواضعة.
الجدير بالذكر أن قوات الدعم السريع استخدمت الطائرات المسيّرة لقصف مواقع جديدة مثل مدينة القضارف الشهر الماضي، ثم منطقة الشوك في الولاية ذاتها يوم 12 مايو حيث أسقط الجيش مسيّرتين، قبل أن تصل مسيّرات الدعم السريع إلى سماء مدينة كوستي بولاية النيل الأبيض، إذ أسقط الجيش هناك ثلاث طائرات مسيّرة هاجمت مستودعا للوقود يوم الجمعة الماضي (17 مايو) في المدينة التي تضم قيادة الفرقة 18 مشاة التابعة للجيش، وعدداً من الوحدات العسكرية الأخرى ومراكز التدريب.
وقال مصدر عسكري لـ"العربي الجديد"، إن قوات الدعم السريع لجأت أخيراً إلى استخدام القصف المدفعي والطائرات المسيّرة بعد تناقص عدد مقاتليها، وأرادت فتح جبهات جديدة في القضارف وكوستي، في وقت يستخدم الجيش المسيّرات في العاصمة الخرطوم لفتح الممرات وربط المواقع العسكرية ببعضها. وفي ما يتعلق بمعارك الفاشر شمال دارفور، أضاف أن "الدعم" ظلّت تقصف المدينة من مواقعها حولها لإخلاء الأحياء الجنوبية بعد تقدم الجيش من ناحيتي الشمال والشرق، وكثفت قوات الدعم القصف يوم 10 مايو، ما اضطر القوى المشتركة إلى الخروج ومهاجمة مصادر القصف. وذكر أنه تم تنفيذ إنزال جوي لدعم القوات على الأرض في معارك الفاشر.
وأشار المصدر إلى أن الجيش يعمل على تعديل خططه في معركة ولاية الجزيرة خصوصاً مع قرب موسم الأمطار والضغوط لاستئناف المحادثات، كما تمّ التعاقد مع شركات لتعبيد عدد من الطرق الترابية الرابطة بين ولايات شمال كردفان والنيل الأبيض والقضارف وسنار وكسلا، إلى جانب تقدم الفرق العسكرية لتأمين هذه الطرق وطرد مجموعات قوات الدعم السريع التي تنتشر فيها للنهب والاستطلاع، خصوصاً الطرق في ولاية شمال كردفان والجزيرة.