السلطة الفلسطينية ورئاسيات أميركا: تواصل مع بايدن وتحسب لبقاء ترامب

28 أكتوبر 2020
سعى ترامب لتصفية القضية الفلسطينية وفرض رؤيته للحل (حازم بدر/فرانس برس)
+ الخط -

منذ أن بدأت الولايات المتحدة تتحضر أواخر العام الماضي لاستحقاق الانتخابات الرئاسية المقررة في 3 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وضعت القيادة الفلسطينية نفسها كما يقال في حالة "أون هولد"، أو في مرحلة انتظار غير معلنة لنتائج هذا الاستحقاق، عاقدةً حوله الآمال بإمكانية خسارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب سعيه لولاية ثانية، وفوز منافسه الديمقراطي جو بايدن. وتأمل السلطة الفلسطينية، في حال فوز الأخير، باستعادة الولايات المتحدة لسياستها وأدبياتها التقليدية حيال القضية الفلسطينية، واستعادة المساعدات الاقتصادية والتواصل، على الرغم من صعوبة تغيير الوضع الكارثي الذي أسس له ترامب طوال أربع سنوات، وعدم ميل بايدن لمحاسبة دولة الاحتلال أو معاقبتها.

تحضّر القيادة الفلسطينية لخطة إدارة الوقت إذا بقي ترامب

وبإجماع الفلسطينيين، قيادةً وشعباً، يُعتبر ترامب أسوأ رئيس أميركي بالنسبة إليهم، بعدما اتخذ نحو 48 قراراً ضد الفلسطينيين، كان أشدها وقعاً بدايةً، الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إليها، واعتبار "صفقة القرن"، وهي خطة ترامب وصهره جاريد كوشنر لتصفية القضية الفلسطينية، المرجع لأي حلّ لهذه القضية. ويتضمن ذلك كلّه خطة ضمّ أكثر من 30 في المائة من أراضي الضفة الغربية المحتلة، وعدم الاعتراف بحلّ الدولتين، فضلاً عن دفع وتشجيع بعض الدول العربية للتطبيع مع إسرائيل، مثل الإمارات والبحرين، وابتزاز دول أخرى لتلحق بهذا القطار، كما حصل مع السودان.

تقارير دولية
التحديثات الحية

وعلى الرغم من غياب أي تعليق رسمي فلسطيني على الانتخابات الأميركية حتى الآن، إلا أن مصادر فلسطينية رفيعة أكدت لـ"العربي الجديد"، فتح قنوات اتصال، مبكراً، مع بايدن وفريقه. وتحدثت المصادر، التي اشترطت عدم كشف هويتها، عن قنوات اتصال فتحت مع بايدن وفريقه "عبر رجال أعمال فلسطينيين وشخصيات من الجالية الفلسطينية والعربية في الولايات المتحدة، وهي قنوات تعمل على إحداث تواصل مباشر ما بين القيادة الفلسطينية ومستشاري بايدن". وأوضحت المصادر أن "هذه القنوات تم فتحها مبكراً مع منافس ترامب، لإدراك القيادة الفلسطينية أنه لا يمكن التعويل على أي تغيير بسياسة الأخير، في ظلّ إدارته وقراراته غير المسبوقة تجاه الفلسطينيين، والتي تتطابق مع سياسة اليمين الإٍسرائيلي بشكل كامل".
وكشفت هذه المصادر لـ"العربي الجديد"، عن وجود "حوار رسمي ووعود من بايدن، ترتبط بنقاط عدة هامة، وهي اعترافه بحلّ الدولتين، و"إعادة الاتصالات مع منظمة التحرير وإعادة فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن (أغلق في 2018)، وإلغاء دمج القنصلية الأميركية بالسفارة الأميركية في القدس، وإعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية"، بالإضافة إلى التراجع عن قطع المساعدات عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا)، واستئناف المساعدات المالية للفلسطينيين".
وعلى الرغم من أن مسألة الاعتراف بحلّ الدولتين تفتقد للتفاصيل بالنسبة لفريق بايدن، ولتوضيح ما إذا كان هذا الحلّ هو على أساس قيام دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة في الرابع من يونيو/ حزيران عام 1967، أو على جزء من هذه الأراضي، إلا أن القيادة الفلسطينية تحبس أنفاسها فعلياً لزوال ترامب وفوز بايدن بأي ثمن.
أما في حال بقاء ترامب، فإن السلطة أعدت سيناريو آخر يقوم على قاعدة "النزول من الشجرة". والشجرة هنا، هي القطيعة مع إدارة ترامب منذ نحو 3 سنوات. وهناك توجه لدى "السلطة"، لإعادة فتح حوار مع إدارته في حال فوزه من دون أن يعني ذلك القبول بـ"صفقة القرن". بموجب هذا السيناريو، ولإنجاح فتح إدارة ترامب أبواب الحوار للقيادة الفلسطينية، تخطط الأخيرة للسعي إلى "تبريد العلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي".
وبحسب ما وصل إلى "العربي الجديد"، فإن القيادة الفلسطينية ستقوم في حال فوز ترامب بـ"إدارة الأزمة قدر الإمكان"، كي لا يعمد خلال ولايته الثانية، لإزاحتها واستبدالها، في حال إصرارها على عدم القبول بصفقة القرن. وفي ما خصّ "تبريد العلاقة مع إٍسرائيل"، وهو مفتاح الحوار المقبل مع أي إدارة أميركية، سواء بقي ترامب أو جاء بايدن، فقد تلجأ السلطة للقبول بأموال عائدات الضرائب أي المقاصة، والتي ترفض استلامها منذ مايو/أيار 2020، ولإعادة العلاقات مع الحكومة الإٍسرائيلية، أي العودة عن قرارها بوقف كافة أشكال العلاقة مع الاحتلال، وهو قرار كان اتخذ في 19 مايو الماضي. وربما تلجأ القيادة الفلسطينية، في حال فوز ترامب، إلى طلب وساطات من دول عربية مثل الأردن وقطر، لفتح ثغرة في باب الحوار المغلق معه، وإدارة الوقت للسنوات الأربع المقبلة من عهده.
كما تراهن القيادة الفلسطينية على أن تعاونها مع وكالات الأمن الأميركي لمحاربة الإرهاب، هو نقطة تُحسب لصالحها عند كلا المتنافسين، بايدن وترامب، وستكون ثابتة لفتح حوار مع من يفوز منهما.

يتوقع أن يفرج بايدن عن المساعدات للسلطة في حال فوزه

وتوقفت المساعدات الأميركية للسلطة الفلسطينية في فبراير/شباط 2019، وهي تقدر بنحو 844 مليون دولار سنوياً تشمل مجالات عدة. وكان الكونغرس الأميركي قد شرّع نهاية 2018 قانوناً ضد الإرهاب، توصل الفلسطينيون عبر فحصه إلى أن القبول بالمساعدات الأميركية قد يعني قدرة الولايات المتحدة على مقاضاة السلطة الفلسطينية، لاسيما أن هناك 3 قضايا تلاحق 3 مصارف فلسطينية. ودفع ذلك السلطة إلى رفض أي مساعدات أميركية، لكنها ظلّت تؤكد تمسكها بنشاطها في محاربة الإرهاب، وذلك بموجب اتفاق مع وكالات الأمن الأميركي، لم تعلن تفاصيله.

ويقول مستشار عباس، نبيل شعث، إنه "لم يمر في تاريخ القضية الفلسطينية، أسوأ من دونالد ترامب، ولا أعتقد أن الأمر يقل سوءاً على مستوى العالم"، مضيفاً أن "تحالفه المطلق مع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، ودعم اليمين المتطرف، من الأسباب التي تجعلني أتمنى أن يخسر ترامب أمام بايدن، إذ إن أي رئيس آخر سيكون أفضل منه".
أما بالنسبة لتوقعاته من بايدن، فيقول: "لا أضمن شيئاً، ولا أعرف كم سيكون أفضل من ترامب، وما هي مواقفه الجديدة، أو كم يحتاج من الوقت ليصلح ما أفسده ترامب". ورأى أن "المطلوب منا كفلسطينيين، شعباً وقيادة، أن نبقى جاهزين وصامدين، وأن نعمل على تمتين جبهتنا الداخلية بالوحدة".
من جهته، يرى الكاتب والمحلل السياسي هاني المصري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن فوز بايدن "سيخفف الضغط على الرئيس محمود عباس، حيث أعلن المرشح الديمقراطي أنه (في حال فوزه)، سيعيد فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وسيستأنف المساعدات للسلطة الفلسطينية والأونروا، كما أكد أنه ضد خطة الضم، وسيستعيد العلاقات السياسية مع السلطة، وهذا بالضبط ما تريده الأخيرة".
ويوضح المصري أن "الرهان الأساسي للقيادة الفلسطينية على بايدن، يتمثل في استعادة العملية السياسية، وهذا يعطي شرعية للقيادة للاستمرار في الوضع الراهن، لأنه من دون هذه العملية، تفقد السلطة مبرر وجودها". ويضيف: "وهنا السؤال الذي يطرح نفسه: هل الهدف هو بقاء وضع السلطة كما هو؟"، مشيراً إلى أن "نجاح بايدن سيعزز بقاء السلطة". وفي رأيه، فإن "فوز بايدن سيعطي قوة أكبر لأبو مازن، لزيادة الشروط على حركة حماس، في ما خصّ المصالحة والانتخابات".
وحول المخاوف القائمة من فوز بايدن، يرى المصري أنه "يمكن لنتنياهو أن يستغل الفترة ما بين صدور نتائج الانتخابات وتسلّم الرئيس الجديد، لينفذ عملية الضم من أجل أن يعزز فرصه ضد منافسيه السياسيين، لا سيما أن مقولة اليمين الإٍسرائيلي قد أثبتت صحتها، وهي أنه يمكن صنع سلام مع الدول العربية من دون الحاجة لسلام مع الفلسطينيين". أما المخاوف من بقاء ترامب، فترتبط في رأيه، بـ"استمرار الوضع الراهن، وفرض رؤية الرئيس الجمهوري بتصفية القضية الفلسطينية، علماً أن استبدال القيادة الفلسطينية سيكون أمراً مطروحاً بشكل أكبر، فضلا عن أن التطبيع سيزيد والسعودية ستلحق بقائمة الدول المطبعة".
وقطعت السلطة الفلسطينية علاقاتها مع الولايات المتحدة في 6 ديسمبر/ كانون الأول 2017، وذلك بعد توقيع ترامب على وثيقة تعترف الإدارة الأميركية بموجبها بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتنقل سفارتها إلى المدينة المحتلة. ورفض عباس التحدث هاتفياً مع ترامب أكثر من مرة، كما رفض استقبال أي رسالة منه حتى لا يتخذها الأخير ذريعة للقول إنه "تشاور مع عباس"، حسب ما قاله الرئيس الفلسطيني أكثر من مرة. وكان محمود عباس قد صرّح في شباط 2020، بأنه التقى الرئيس الأميركي الحالي 4 مرات، وبأن الوفد الأميركي زار الأراضي الفلسطينية 37 مرة، وأن جميع هذه اللقاءات لم تثمر عن أي شيء.
من جهته، يرى الأمين العام لحزب المبادرة الوطنية، مصطفى البرغوثي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن بقاء ترامب في البيت الأبيض، هو بمثابة الكارثة التي ستقع على الولايات المتحدة والأميركيين، وعلى العالم وفلسطين، لأنه رئيس "أثبت أنه غير عقلاني، ويستخدم التحريض العنصري الشعبوي لتمرير سياساته الخطيرة التي تتناقض مع القوانين والشرائع الإنسانية". ولا يرى البرغوثي، آمالاً كبيرة من الممكن عقدها على بايدن، سوى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لن يتجرأ على تنفيذ الضم الفوري، بل سيكتفي بمواصلة الضم الاستيطاني البطيء، كما هو الحال حالياً. أما أخطر ما يمكن أن يحدثه فوز بايدن، فهو برأيه، جرّ الفلسطينيين إلى عملية سلام تكون بديلة عن السلام الحقيقي، وإلى مفاوضات عقيمة بدلاً من الحل العادل. ويشدد البرغوثي على أن "ما نستطيع فعله كفلسطينيين هو عدم انتظار نتائج الانتخابات الأميركية بغض النظر عنها، والعمل على تقوية الجبهة الداخلية الفلسطينية، عبر بناء استراتيجية وطنية جدية، وتحقيق الوحدة الوطنية، وتصعيد المقاومة الشعبية، بالإضافة إلى تبنٍ أكبر لحركة المقاطعة ضد إسرائيل".

لن يحاسب بايدن إٍسرائيل على الأرجح،  ولن يغير قواعد اللعبة التي فشلت خلال عهد باراك أوباما

وأخيراً، تعتبر الكاتبة والمحللة السياسية، نور عودة، أن هناك بعض التفاؤل المبالغ فيه في الأوساط الرسمية الفلسطينية، بما يتعلق ببايدن. وتوضح عودة لـ"العربي الجديد"، أن الأخير لن يحاسب إٍسرائيل على أخطائها، ولن يغير قواعد اللعبة التي فشلت خلال عهد باراك أوباما، لكنه لن يكون متوحشاً كما ترامب". من هنا، في رأيها، يأتي التفاؤل الفلسطيني، بأن اللعبة السياسية ستعود إلى سابق عهدها، وإلى قواعدها وأدبياتها التقليدية في العمل السياسي، وستكون هناك فرصة أكبر للاتحاد الأوروبي للحديث مع الإدارة الأميركية من أجل التعاون والضغط باتجاه أمور معينة. وأعربت عن اعتقادها أن "المجتمع الدولي بأكمله يعيش هلعاً من ترامب، ولا يريد مواجهته في أي موضوع خصوصاً الموضوع الفلسطيني". وأشارت إلى أن "هناك ملفات تشغل بال المجتمع الدولي، وهي أكثر اشتعالاً عسكرياً وسياسياً وصحياً من الموضوع الفلسطيني". ولفتت إلى أن "الكل يريد لترامب أن يذهب وأن يأتي بايدن لكي تعود الأمور إلى سابق عهدها".
وعلى الصعيد الفلسطيني، ترى عودة أن "بايدن يريد العودة إلى ما كانت عليه العلاقات الأميركية الدولية في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، أي الهدوء والتعامل باحترام، ووجود تواصل سياسي واقتصادي وأمني إن سمح بذلك الكونغرس الأميركي". وتوضح أنه "قد تمّ تشريع قوانين تمنع تقديم المساعدة لفلسطين، لكن بايدن سيحاول مدّ الجسور، إذ وعد بإعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية المحتلة، وإعادة المساعدات للأونروا، أي أنه من الناحية الاقتصادية، ستحصل بالتأكيد انفراجة بما يتعلق بالضغوط والحصار".
وتخلص عودة إلى أن "بايدن لديه أولويات كثيرة، تسبق الملف الفلسطيني، من دون أن نغفل أنه صديق مخلص للصهيونية ولإٍسرائيل، ولن يأخذ أي خطوة من شأنها إحراج الأخيرة أو جعلها تشعر بأنها تواجه نوعاً من المحاسبة، ولو المعنوية،
وذلك على الرغم من ضغط الحزب الديمقراطي ولاسيما التيار التقدمي فيه، لربط المساعدات المقدمة لإسرائيل وتحديداً العسكرية، بالتزامها بالقانون الدولي ووقف خطة الضم".

المساهمون