تواصل السلطة الفلسطينية محاكمة نشطاء فلسطينيين على خلفية مشاركتهم أو دعوتهم لتظاهرات بعضها للتنديد بمقتل الناشط والمرشح السابق للانتخابات التشريعية نزار بنات، وآخرين على خلفية دعوة حراك "طفح الكيل" لتظاهرة ضد الفساد في العام الماضي.
وأجلت محكمة صلح رام الله، وسط الضفة الغربية، اليوم الأربعاء، محاكمة 17 ناشطاً في ست جلسات عقدت على ست مجموعات، بينما تعقد الجلسات المقبلة في 23 و29 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، و7 ديسمبر/كانون الأول المقبل. وحضر جلسات اليوم عدد من الدبلوماسيين الأوروبيين والحقوقيين.
وحضر شاهد واحد في جلسة لسبعة نشطاء اعتقلوا في 5 يوليو/تموز الماضي، قبل تمكنهم من إقامة اعتصام على دوار المنارة، وسط رام الله، للتنديد بمقتل نزار بنات، وأفرج عنهم لاحقاً. والشاهد هو ضابط شرطة، فيما لم يحضر شهود النيابة العامة بباقي الجلسات، وتغيّب وزير التنمية الاجتماعية الفلسطينية أحمد مجدلاني، بصفته المشتكي، عن جلسة محاكمة الناشط غسان السعدي.
حضر جلسات اليوم عدد من الدبلوماسيين الأوروبيين والحقوقيين
وجاء على لسان الشاهد (الضابط في المباحث والذي أخذ إفادة المعتقلين السابقين)، في جلسة النشطاء السبعة، وهم أبي العابودي، ويحيى ناجي أبو الرب، وأحمد خاروف، وعمر جلاد، وحسام برجس، وعدلي حنايشة، وعمر علي، أن الشرطة الخاصة أحضرتهم من دوار المنارة في رام الله بسبب قيامهم بتنظيم تجمع من دون تصريح. وعند مواجهة محامي الدفاع عن النشطاء للشاهد بما دوّنه الأخير في تقرير الإجراءات الصادر عن الشرطة الذي يفيد بأن هؤلاء النشطاء اعتقلوا من أمام مركز الشرطة في حي البالوع في البيرة، قال إن ذلك "كان بناء على ما أخبر به من الشرطة الخاصة". وأضاف إنه "لا يعلم بالضبط مََن مِن المتهمين أحضر من دوار المنارة، ومن أحضر من أمام مركز الشرطة، حيث اعتقل قرابة 20 من المكانين، وأنهم امتنعوا عن الإدلاء بإفاداتهم". وأجلت جلسة النشطاء السبعة إلى 23 من الشهر المقبل، لإمهال النيابة لتقديم باقي بيناتها.
وعلق المحامي والقاضي السابق داود درعاوي على شهادة الشاهد بعد انتهاء الجلسة بالقول إن "الضابط الذي دوّن تقرير الإجراءات، أفاد بمجمل شهادته بأنه لا يعلم مكان اعتقال الموقوفين، وإنما أُخبر بذلك من دون أن ينظم تقريراً أصولياً بالأمر"، مشيراً إلى أن الشهادة "تناقضت مع الاتهام الموجه من النيابة العامة حول أن الاعتقال تم من أمام مديرية الشرطة".
واعتبر درعاوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "التعارض بين الواقع، وهو اعتقال النشطاء من دوار المنارة، وسط مدينة رام الله، وبين ما ورد في التهم من أنهم اعتقلوا من أمام مركز الشرطة، يشير إلى حالة التخبط التي رافقت مقتل نزار بنات"، وما اعتبره "الإفراط في استخدام القوة ضد المحتجين على جريمة القتل، ما دفع سلطة الاتهام لتنظيم محاضر ولوائح من دون أن تستند إلى أسباب حقيقية أو واقعية، وإنما بطريقة السلق". ورجح درعاوي أن يكون ذلك بهدف "إخافة الجمهور من المشاركة في عملية التضامن مع بنات"، مؤكداً أن "تحويل الأمر إلى محاكمة يعطي الحق للمتهمين بالمطالبة بالتعويض من السلطة الفلسطينية نتيجة لتوقيفهم الجائر وغير المبرر وغير القانوني"، مرجحاً استمرار محاكمتهم لأشهر مقبلة.
كراجة: استمرار تغيّب الشهود جزء من معاقبة النشطاء
من جهته، اعتبر مدير مجموعة "محامون من أجل العدالة"، المحامي مهند كراجة، في رده على أسئلة "العربي الجديد"، أن استمرار تغيّب الشهود الآخرين جزء من معاقبة النشطاء، موضحاً أن الدفاع طلب في أكثر من ملف بإلزام المحكمة للنيابة بإحضار الشهود لأن عدم حضورهم يطيل إجراءات التقاضي، إذ إن بعض المحاكمات مستمرة منذ أكثر من عام، في إشارة لقضية اعتصام "طفح الكيل" ضد الفساد في يوليو/ تموز من العام الماضي. وتمنى كراجة إحضار الشهود بسرعة لتحقيق العدالة وإغلاق الملفات، قائلاً: "نحن متأكدون من أن كل الأعمال التي يتم الحديث عنها على أنها تهم، هي حقوق مشروعة وتندرج تحت الحق في حرية الرأي والتعبير والتجمهر السلمي". وعبر كراجة عن استغرابه من استمرار المحاكمات وطولها بتهم اعتبرها سياسية، مشيراً إلى أن أحد النشطاء، وهو جهاد عبدو، لديه 5 محاكمات تتعلق بتهم مشابهة.
في غضون ذلك، تم تأجيل محاكمة ثلاثة نشطاء إلى 29 من الشهر المقبل، لعدم حضور شهود النيابة العامة. وكان هؤلاء قد اعتقلوا في 4 يوليو الماضي من أمام محكمة رام الله بسبب دعوة للاعتصام ضد اعتقال نشطاء آخرين، وأفرج عنهم لاحقاً، وهم: جهاد عبدو، وعز الدين زعول، وسالم قطش.
كذلك، أُجلت جلسة محاكمة الأسير المحرر هيثم سياج إلى 7 ديسمبر/ كانون الأول المقبل. وقالت المحامية تالا ناصر، من مؤسسة "الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان"، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن التأجيل كان أيضاً لعدم حضور شهود النيابة في قضية اتهام سياج بالتجمهر غير المشروع وإثارة النعرات الطائفية، إذ كان هذا الناشط قد اعتقل من أمام مركز شرطة حي البالوع في البيرة، خلال اعتصام تضامني مع النشطاء المعتقلين، وتم الاعتداء عليه بالضرب وقت الاعتقال قبل الإفراج عنه لاحقاً. وهو يواجه تهمة أخرى ستعقد لها جلسة محاكمة مغايرة وهي معاملة موظف بالشدة.
عدد من النشطاء يحاكمون في أكثر من ملف
كما أجّلت المحكمة جلسة الناشط غسان السعدي إلى 23 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. وقال السعدي لـ"العربي الجديد"، إن "سبب التأجيل هو عدم حضور المشتكي الوزير أحمد مجدلاني، وزير التنمية الاجتماعية". والأخير يتهم السعدي بـ"قدح وذم مقامات عليا"، وهي التهمة التي وجهت له بالفعل عقب اعتقاله بتاريخ 6 يوليو الماضي، بعد مغادرته تظاهرة في وسط رام الله، قبل أن يفرج عنه لاحقاً. وتعود التهمة لمنشور على وسائل التواصل الاجتماعي منسوب للسعدي ورد فيه وصف "أبو البلالين"، في إشارة إلى الوزير.
كذلك، أجلت المحكمة جلستين لخمسة نشطاء إلى 23 نوفمبر المقبل. وكان هؤلاء قد اعتقلوا في 19 يوليو من العام الماضي، قبل أن يتمكنوا من تنظيم وقفة ضد الفساد وسط رام الله بدعوة من حراك "طفح الكيل"، وأفرج عنهم بعد أيام. والنشطاء هم أسامة خليل، وفراس بريوش، وجميل أبو كباش، وفايز السويطي، ومحمد عزام. وأجلت الجلستان اليوم بسبب عدم حضور الشهود وتغيّب عدد من المتهمين لعدم تبلغهم بموعد الجلسة.
ومن المتوقع انعقاد مزيد من جلسات المحاكمة لنشطاء آخرين خلال الشهر الحالي والشهر المقبل بوقائع مشابهة، علماً أن عدداً من النشطاء يحاكمون في أكثر من ملف.